رحلتان الى سورية 1908 - 1920 الشيخ محمد رشيد رضا حررها وقدم لها زهير أحمد ظاظا دار السويدي والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001 عندما بدأت الثورة العربية رحل الشيخ محمد رشيد رضا عن مصر الى الحجاز والتقى الشريف حسين وجعل "المنار" منبراً لبث الدعوة الى مبايعته خلفه على تحرير "المنار" أثناء رحلته الحجازية شقيقه صالح رضا. يقول عن رحلته الى سورية: "ذهبت الى دمشق اجابة لطلب الأمير فيصل. ثم عدت الى بيروت في أول آذار مارس 1920 لاقناع وجهاء بيروت المنتخبين للمؤتمر السوري بالذهاب الى دمشق لحضور جلسة المؤتمر التاريخية التي تعلن استقلال سورية"... ومنذ ذلك الحين قُدّر لرشيد رضا ان يكون المؤرخ اليومي لوقائع دخول غورو الى دمشق واقصاء فيصل عنها وما جرى بين ذلك من أحداث، كان خلالها يتصرف كمسؤول أول عن مستقبل بلاد الشام، يقترح على فيصل تعيين الوزراء ويقصده الوزراء للاستشارة في أحلك الظروف. ولما نشب الخلاف بين أعضاء المؤتمر وبين الملك فيصل وبدرت من الملك كلمة انتقص فيها من قدر رجال المؤتمر فكان في ما قال: أنا الذي أوجدته - أي المؤتمر - ردّ عليه رشيد رضا بقوله: بل هو الذي أوجدك، فقد كنت قائداً من قواد الحلفاء تحت قيادة الجنرال اللنبي فجعلك ملكاً على سورية. وفي حديثه عن وزير الدفاع في حكومة الملك فيصل الشهيد يوسف العظمة انه يعترف بأنه المسبب في استشهاد يوسف العظمة فقال: لا بد لي من كتابة كلمة في هذه الخلاصة التاريخية في شأن يوسف بك العظمة، الذي كنت معجباً بما أوتي من الذكاء والنظام والوطنية وحسن السلوك، منذ عرفته معتمداً للحكومة العربية في بيروت، الى ان عين وزيراً للحربية باقتراحي وسعيي مع بعض الاخوان. استبد يوسف بالعمل في وزارة الحربية، وكان يكتم أعماله حتى على رئيس الوزارة كان رئيس الوزارة هاشم الأتاسي بل يعميالأمر الاّ على الملك في ما أظن. ولما اشتدت الأزمة سألته هل هو مستعد للدفاع؟ قال: نعم إذا وافق الملك. وإذا خالفناه نخشى أن يلجأ الى الأجانب، ولما عين ياسين باشا الهاشمي قائداً لموقع العاصمة عقب الانذار أظهر للوزارة ما فيها من نقص، أي على خلاف ما كان يقول، ثم انه وافق على قرار التسليم بما طلب الجنرال غورو... بعد هذا كله رأيته في بيت الملك مع الوزارة، فكلمته وحده كلاماً شديداً. وذكرته ببعض كلامه، فقال ووجهه ممتقع كوجه الميت: انني مذنب وأتحمل تبعة عملي، وكدت البارحة أنتحر من الغم فلا تزد عليّ. ولما خرج الى الدفاع بمن بقي معه من بقايا جيشه، تزين ولبس ملابسه الرسمية ووطن نفسه على الموت، فكان شرفه الذي امتاز به أنه لم يقبل أن يعيش ذليلاً، بل أراد أن يكفّر بدمه عن ذنب التقصير المبني على الثقة والغرور. وتبدأ رحلة رضا ما بين البلدات السورية واللبنانية راوياً عنها ما كان يحدث في تلك المرحلة الخطرة ما بين سقوط الامبراطورية العثمانية وزحف الحلفاء لاحتلال المنطقة بأسرها. وعن دمشق يكتب: ومما سرّني في دمشق وأهلها سروراً عظيماً حياة كثير من الصناعات فيها، وكيف لا ينشرح صدري لذلك وقد رأيت ذلك الجامع الفخم الذي كان هو الأثر العظيم في هذه العاصمة لأول دولة عربية تأسستُ فيها فدمره عصر الظلم والاستبداد بالنار، فأعاده أهل دمشق الى ما كان عليه لا ينقصه إلا ما كان فيه أولاً من زينة الفسيفساء التي يعجز عنها حتى الافرنج من أهل هذا العصر، ثم انني رأيت معظم أثاث البيوت ورياشها من صنع أهل البلد حتى في بيوت الكبراء كبيت عبدالرحمن باشا اليوسف أمير الحج الذي هو أوسع أهل دمشق ثروة واعلاهم جاهاً ومنزلة. ويتحدث رضا عن رغبة أهل دمشق في ان يلقى دروساً في الجامع الأموي فلم يمانع، ثم يتحدث بعد ذلك عن الفتنة الشهيرة التي قامت في دمشق فيقول: ان دمشق كانت تتمخض بالفتن .... وفي زيارته طرابلس يتحدث عن لقائه رشيد افندي كرامي مفتي طرابلس الذي: "لا يدع لطالب الاصلاح في العلم أو العمل حجة عليه". في الرحلة الثانية يشير المحقق الى ان رضا هاجر الى الديار المصرية عقب انتهائه من طلب العلم في طرابلس الشام وأخذه شهادة التدريس العالية للقيام بعمل اصلاحي للإسلام والشرق ولا مجال له في بلد اسلامي عربي غير مصر ثم عودته مجدداً الى سورية بالقطار السريع قاطعاً أغوار سورية الجنوبية فلسطين حتى وصوله الى دمشق ونزوله في فندق فكتوريا ليتحدث بعد ذلك عن معاهدة "سايكس بيكو" المعروفة بمعاهدة سنة 1916 وعن ان انكلترا ستخرج جنودها من المنطقتين الشرقية والغربية من سورية، وتترك الأولى للجيش العربي الحجازي والثانية للجيش الفرنسي. وما كان حملها الأمير فيصل على السفر الى أوروبا في هذه المرة الا تمهيداً لهذا العمل. ويتحدث الشيخ رضا عن أحوال سورية في الحرب: "لم أسمع من أهل دمشق من أخبار الجوع والعري إبان مخمصة الحرب إلا قليلاً من كثير ما سمعت من أهل لبنان والساحل إذ لم يكن شد خناق المجاعة على أهل دمشق محكماً كخناق لبنانوبيروت وسائر السواحل. لذلك كان أكثر من مات فيها جوعاً من الذين هاجروا اليها لا من أهلها. على ان الكثير منهم باعوا أثاث بيوتهم وجميع ما يملكون وبذلوه في ثمن القوت... وقد ثبت لي ان ما جرى في السواحل وجنوب لبنان ولا سيما في قضاءي المتن وكسروان فوق ما يتصور البشر ، إذ ان بعض الناس كانوا يأكلون كل ما يجدونه في المزابل والطرق رطباً يمضغ أو يابساً يكسر. وثبت عندي أكل الناس الجيف حتى ما قيل من أكل بعض النساء لحوم أولادهن والعياذ بالله، وأخبرني كثيرون في بيروتوطرابلس ان الناس كانوا يرون الموتى في الشوارع والأسواق والمشرفين على الموت من شدة الجوع ولا يبالون بهم ولا يرثون لأنين المستغيثين منهم، فقد قست القلوب وكنرت الأيدي حتى من الذين كانت تتضاعف ثرواتهم من الاحتكار الذي ضاعف البلاء وعظم به الشقاء".