الموسيقى سُمعت، للمرة الأولى، منذ 1995 من راديو كابول. إذاً: العاصمة سقطت. إسقاط مزار الشريف جاء سريعاً. اسقاط كابول جاء أسرع. هذا ما حمل على مراجعة بعض التقديرات الأولى حول قتالية "طالبان". حول قوة حوافزهم. حول حبّهم للشهادة والجنة. انهم ينهارون سريعاً. لكن مهلاً: لا تزال هناك قندهار في الجنوب. قندهار ليست فقط مدينة الملا عمر. انها أيضاً أرض الصفاء البشتوني الخالص. لهذا يتوقع بعضهم أن يقاتل "طالبان" في قندهار وجوارها ببسالة أكبر مما فعلوا في مزار الشريف "الغريبة" أو في كابول "غير النقية". لكن هذا مجرد تقدير: إذا صح طالت المعركة قليلاً. إذا أخطأ تحول ما تبقى من "طالبان" الى طفّار متناثرين في الكهوف والجبال. في الحالين يمكن القول ان المعركة العسكرية انتهت. المعركة السياسية بدأت. وهذه ربما كانت أصعب: فلأن الحسم القتالي سبق تشكيل الحكومة وجدنا أنفسنا أمام إشكال عبّر عن نفسه في صور عدة: - الملك السابق محمد ظاهر شاه، وهو بشتوني، دان دخول كابول قبل تشكيل الحكومة. اعتبره طعناً في الظهر يمارسه "تحالف الشمال" الطاجيكي - الأوزبكي - الهزاري. - سُمعت، في كابول بعد تحريرها، هتافات: "الموت لطالبان. الموت لباكستان". - دعا كوفي انان، الأمين العام للأمم المتحدة، الى المسارعة في انشاء حكومة تمثيلية. - حذّرت ماري روبنسون، مندوبة الأممالمتحدة لحقوق الانسان، من أعمال النهب ومن تردي نشاطات الإغاثة. - تحدثت تقارير صحافية عن إعدام بعض العناصر العرب من مقاتلي "طالبان". ماذا يتحصل من هذه المعطيات المتفرقة؟ أولاً، الموضوع السياسي المباشر سيكون العلاقات الأهلية، ومدى القدرة على تشكيل حكومة يتمثل فيها البشتون بما يحول دون الانفجارات الدموية والثارات. هذا، بالطبع، يثير مسألة الأطراف الاقليمية وأدوارها... مع ملاحظة التراجع النسبي في أهمية باكستان منذ لحظة سقوط مزار الشريف البعيدة عن حدودها. ثانياً، القدرة على إعادة بناء أفغانستان كأمة - دولة قابلة للحياة. المهمة المباشرة على هذا الطريق هي توفير الأمن وتنشيط أعمال الاغاثة. لكن الطريق طويلة ومعقدة جداً: أهلياً وسياسياً واقتصادياً. في الداخل كما في الجوار وسائر العالم. ثالثاً، تأتي الاشارة الى إعدام بعض العرب لتدل الى احتمال خطير: فالعداء للعرب يُرجّح أن يكون من مقوّمات أية دولة أفغانية قابلة للحياة في المستقبل. واستطراداً يمكن التساؤل عن مدى الرغبة الأميركية في "استكمال" الحرب الأفغانية عربياً، وهو موضوع كبير ومستقل بذاته. أما الولاياتالمتحدة التي حققت انتصارها العسكري من دون أن تتنازل عن نظريتها في "القتلى صفر"، والتي في هذه الغضون كسبت روسيا واخترقت ايران ومكّنت وجودها في آسيا الوسطى واستعادت قيادتها لأوروبا... هذه الولاياتالمتحدة سيواجهها سؤال من دونه يستحيل تقديم جواب عن الأسئلة السابقة: هل تتجه من جديد نحو الانعزال مكتفية بالسعي وراء أسامة بن لادن، أم تتولى مسألة إعادة صوغ افغانستان كأمة - دولة؟ وإذا ما صح الخيار الثاني، وهو المرجّح، فكيف ستواجه تجديد الاتهام لها ب"الاستعمار"؟