أثار نبأ اعتقال الرجل الثاني في حركة «طالبان» الملا عبدالغني برادر جملة من التساؤلات حول قواعد اللعبة بين حركة «طالبان» أفغانستانوباكستان ومجمل القوى الفاعلة في المنطقة. فالمكانة التي يتمتع بها برادر داخل «طالبان» والحركة والقومية البشتونية على جانبي الحدود ستكون لها تداعيات خطيرة، وتؤشر عملية الاعتقال في عملية استخبارية أميركية - باكستانية، اذا كانت صحيحة، الى تخلي باكستان عن سياستها المتعلقة بطالبان أفغانستان، وعلى رغم الدور المركزي الذي يتمتع به الملا برادر داخل صفوف الحركة، إلا أن اعتقاله لا يمكن أن يؤثر في قوة الحركة وتماسكها على المدى البعيد، فقد باتت على درجة عالية من التلاحم بقيادة الملا محمد عمر. برزت أهمية الملا برادر في شكل لافت منذ بداية عام 2006، فقد كشفت التكتيكات القتالية الجديدة التي اتبعتها حركة «طالبان» أفغانستان بفضله، أن ثمة تغييراً جذرياً في أساليب الحركة وأهدافها القتالية في كل من أفغانستانوباكستان، الأمر الذي أعطى مؤشراً على تفوق مقاتليها على القوات الأميركية وحلفائها، وكان من الممكن أن يكون هذا التقويم مغلوطاً لولا سقوط عدد كبير من جنود قوات التحالف في فترة وجيزة، ما أعطى انطباعاً جازماً بأن مقاتلي حركة «طالبان» بدأوا بممارسة تقنيات قتالية أكثر فاعلية وتأثيراً، ما حدا بالكثير من الخبراء العسكريين والسياسيين إلى القول إن الحرب في أفغانستان لن تحل إلا بالحوار والمفاوضات. وعلى رغم ذلك، فإن الولاياتالمتحدة ما زالت تصر على اتباع إستراتيجية تستند في الأساس إلى زيادة عدد جنودها في أفغانستان، ووصل بالفعل 4000 جندي أميركي إلى أفغانستان في الأسبوع الأول من تموز (يوليو) إلى هلمند، وذلك عقب ارسال 17 ألفاً، ثم موافقة الكونغرس على ارسال 30 ألف جندي بحسب الإستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس أوباما. متتبعون للقتال الدائر في أفغانستان يرون أن السبب الرئيس في مقتل عدد كبير من جنود التحالف يرجع إلى الملا عبدالغني برادر وهو أحد كبار قادة حركة «طالبان» ونائب الملا محمد عمر، وأفادت بعض المعلومات أن الملا برادر دعا الى عقد اجتماع في شمال شرقي باكستان في منتصف عام 2008، بالقرب من الحدود الأفغانية، وقال في الاجتماع مخاطباً القادة الميدانيين الإقليميين إنه يتطلع إلى أمر واحد فقط، هو إبقاء الخسائر في صفوف حركة «طالبان» متدنية على قدر الإمكان في مقابل «تكبيد العدو» خسائر كبيرة في الأفراد والمعدّات. على الأغلب، فإن الكثير من القراء لم يسمعوا قط بالملا برادر، لكن الكثير من القادة العسكريين الروس يذكرونه جيداً، فقد كبد هذا الرجل القوات السوفياتية خسائر فادحة، وكان من الأسباب الرئيسة لهزيمة الروس في القرن الماضي في افغانستان، ويبدو أن الكابوس الذي قضّ مضاجع الروس بدأ يظهر مرة أخرى في وجه القوات الأميركية وقوات التحالف، إذ يعتبر برادر المسؤول الأول عن التزايد المضطرد في عدد القتلى بين جنود القوات الأميركية وقوات التحالف فضلاً عن أفراد الجيش الأفغاني منذ بدء الحرب عام 2001 وحتى هذه اللحظة. وبرز الملا برادر إلى جانب الملا عمر بعد انسحاب السوفيات وانهيار النظام في كابول، وحاول كل من الملا عمر والملا برادر الاستقرار في منطقة «مايواند» وإنشاء مدرسة دينية، «لكنهما اشمأزا من سلوك أمراء الحرب المحليين الذين راحوا يمارسون الخطف واغتصاب الفتيات والفتيان في القرى»، وبعد ذلك قاد الملا عمر إلى جانب الملا برادر ثورة ضدهم مستعيناً بقوة صغيرة جداً من نحو 30 رجلاً و15 بندقية، وكان برادر من أوائل المجندين في صفوفها، وقد نمت الحركة بتسارع دراماتيكي أفضى إلى السيطرة على معظم أفغانستان، وكان برادر في البداية في منزلة الذراع الأيمن للملا عمر في قندهار، ثم عمل قائداً لفرقته في غرب أفغانستان، وأصبح لاحقاً قائد موقع كابول حيث أدار القتال ضد قادة المجاهدين في الشمال. وفي هذا السياق يقول وزير خارجية طالبان الأسبق وكيل أحمد متوكل: «إن الملا برادر أصبح القائد العسكري الأهم لدى الملا عمر، والأكثر جدارة بثقته، وبقي إلى جانبه في الأيام الأخيرة من حكم طالبان، وفي الوقت الذي كانت القذائف الأميركية تقصف قندهار في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، قفز على متن دراجة نارية وقاد صديقه القديم إلى مكان آمن في الجبال». وحول شخصيته يقول القائد الميداني في هلمند الملا أخوند: «إن الملا برادر لا يملك مكتباً ولا مقر إقامة ثابتاً، إذ يعمل 18 ساعة في اليوم، ونادراً ما ينام مرتين في المكان نفسه. ويلتقي زعماء طالبان الكبار والقادة العسكريين والأشخاص العاديين الذين يحملون إليه مطالبهم في جيوب البشتون العرقية». وعلى رغم التهديد الذي تشكله تكنولوجيا التنصت الإلكتروني الأميركية، يستعمل برادر هواتف جوالة ويغير باستمرار البطاقات الخليوية التي يستعملها. ويعمل كزعيم تقليدي لقبيلة بشتونية فيجلس ويتكلم ليس فقط مع القادة العسكريين والمسؤولين السياسيين الكبار، إنما أيضاً مع القادة الأقل رتبة. وعندما يلتقي المدنيين، سواء كانوا مشايخ محليين أم أعضاء في النخبة السياسية لحركة «طالبان» في إطار مجلس شورى كويتا، يتصرف بهدوء وتواضع، يعمل على تدوين الملاحظات، ويشيد باستمرار بالملا عمر وبياناته. يقول القائد الفرعي في هلمند ومصادر أخرى في حركة طالبان إن برادر يعتمد سلوكاً أكثر صرامة في مجلسه العسكري، لكن حتى في تلك الجلسات الخاصة بوضع الاستراتيجيات، يحاول استنباط الآراء ودفع الجميع إلى الالتقاء في نوع من التوافق. وتقول مصادر في حركة «طالبان» إنه يبذل مجهوداً خاصاً لمعالجة مشاكل الأفغان العاديين، فقد أنشأ في العام الماضي لجنتين جديدتين، واحدة للنظر في الشكاوى من القادة والمقاتلين، والثانية لمعالجة مظالم القرويين. ومنذ أواخر عام 2007، يقوم الملا برادر برسم جزء كبير من إستراتيجية الحركة، فقد أشرف في شكل مباشر على وضع «لائحة طالبان» والتي تعتبر دستوراً في التعامل مع القيادة الداخلية والإقليمية والدولية، وبناء على المكانة الرفيعة التي يتمتع بها داخل صفوف الحركة، فإنه مخول إصدار القرارات والأوامر للقادة الميدانيين في الحركة بتركيز الهجمات على تعطيل وصول الإمدادات العسكرية الى القوات الأميركية وقوات الناتو، كما طالب بالتقدم أكثر نحو المدن الرئيسة، لا سيما كابول. وأثار نجاح تكتيكاته العسكرية على ارض الميدان القادة العسكريين الأميركيين، وفي الربيع المنصرم، أصدر خطة جديدة للمعركة أطلق عليها اسم «نصرة»، وتقول مصادر في حركة «طالبان» إن الأهداف الجديدة تشمل أقاليم قندز وتاخار وبادخشان والتي كانت من قبل بعيدة من نشاط الحركة، وباتت الحركة تسيطر على أكثر من 22 إقليماً من أقاليم أفغانستان ال 34، وبهذا فقد أصبحت الحركة ممتدة الى كل الأقاليم، ففي الشمال بسطت سيطرتها على إقليم قندز ومدينة بغلان وفي الجنوب على إقليم هلمند وفي الشرق على إقليم كونر. وبفضل إستراتيجية برادر، ألحقت هذه التكتيكات خسائر قياسية في صفوف الأميركيين وقوات الناتو والقوات الحكومية الأفغانية في شكل غير مسبوق عامي 2009/2008. يتمتع الملا برادر بشخصية كاريزمية وجذابة في صفوف حركة طالبان، وعلى رغم ذلك، فإن صورته الفوتوغرافية غير معروفة ولم تنشر على صفحات أي وسيلة إعلامية محلية كانت أم عالمية، وهذا ينطبق على معظم قيادات الصف الأول لحركة «طالبان»، مما اكسب هذه الشخصيات مزيداً من الرهبة في صفوف قيادات التحالف في أفغانستان. يعتبر الملا برادر أحد القيادات المركزية لحركة طالبان، ففي الوقت الذي تحولت شخصية الملا عمر إلى طبيعة رمزية بصفته «أميراً للمؤمنين»، كان برادر يمسك بقيادة الحركة على الساحة القتالية، فهو الذي يقوم بتعيين قادة «طالبان» وحكامها، ويرأس مجلسها العسكري الأعلى ومجلس الشورى المركزي الحاكم في مدينة كويتا في جنوب غربي باكستان - والتي يعتبرها معظم القادة الكبار في الحركة مركزاً لهم بعد إقليم هلمند وعاصمته قندهار - بناء على الأوامر العامة التي يصدرها الملا عمر. وعلى الصعيد المالي للحركة، فإن برادر يسيطر على جانب كبير من خزينة «طالبان»، وتضم هذه الخزينة مئات الملايين من الدولارات التي تُجمَع من مصادر متعددة كحماية تجارة المخدرات وتقاضي الفديات وتحصيل الضرائب على الطرقات السريعة ومشاريع إعادة الإعمار و «الهبات الخيرية» التي تُرسَل في معظمها من العالم الإسلامي. وفي هذا السياق، يقول الملا شاه والي أخوند، وهو قائد ميداني في إقليم هلمند التقى الملا برادر في شهر آذار (مارس) 2008 في كويتا «إن الملا برادر يسيطر على السلطة العسكرية والسياسية والدينية والمالية في حركة طالبان، ويؤيد البروفيسور توماس جونسون، الخبير المخضرم في شؤون أفغانستان ومستشار قوات التحالف في مقال له في «نيوزويك» في 7/9/2009 أخوند بقوله إن «لدى برادر المقومات اللازمة ليكون قائداً لامعاً، إنه قادر وكاريزمي، ويعرف الأرض والشعب أفضل بكثير مما يمكننا أن نأمل نحن في تحقيقه، قد يثبت أنه عدو يصعب التغلب عليه». ويصف بعض نشطاء حركة «طالبان» برادر بأنه أقل تقلباً وأكثر استعداداً لسماع آراء مختلفة ولا يتصرف بناء على إشاعات أو مشاعر أو إيديولوجيات صارمة. ويصف القائد الميداني الطالباني في إقليم زابول برادر قائلاً: «الملا عبدالغني برادر لا يعمل على إصدار الأوامر من دون معرفة التفاصيل التي تحيط بالمشكلة، ويعمد دائماً الى تقصي ملابسات المشكلة، فهو صبور وحليم ويستمع إليك حتى تنهي حديثك، ولا يغضب أو يخرج عن طوره». ولعل هذه الصفات التي يجمع كل من عرف برادر بأنه يتحلى بها، تشير إلى مكانته الرفيعة في صفوف الحركة، ومع ذلك فإنه لا يخرج عن طاعة الملا عمر الذي يمسك بقوة بزمام الحركة في إطار الشرعية التي يتمتع بها من خلال «البيعة» التي تمت منذ إعلانه «أميراً للمؤمنين» في أفغانستان. وتبرز أهمية الملا برادر بأنه أحد مؤسسي حركة «طالبان» في بداية التسعينات من القرن الماضي إلى جانب صديقه الملا عمر ويعود له الفضل الكبير في إعادة بناء الحركة عقب سقوطها إبان الغزو الأميركي لأفغانستان نهاية عام 2001، فقد عمل على إعادة تشكيلها وبناء هياكلها التنظيمية وساهم في تحويلها إلى قوة قتالية فعالة. وعلى رغم تصنيف برادر بأنه شخصية براغماتية داخل صفوف حركة «طالبان» في مقابل الملا عمر الذي يوصف بأنه شخصية إيديولوجية متشددة، فإن ما صدر عن برادر حول مسألة الحوار مع الولاياتالمتحدة الأميركية أو الحكومة الأفغانية في كانون الأول (ديسمبر) 2008 يؤكد أن مسألة الحوار لا أساس لها من الصحة، فهو كرر مطالب الحركة الرئيسة بانسحاب كل القوات الأميركية والتابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان. وبغض النظر عن مصير الملا برادر، يقول أخوند، القائد الميداني في هلمند: «لدي شعور بأنه ليس متصلباً ومتشدداً بقدر الملا عمر». ويوافقه الملا حمد الله، وهو عميل استخباراتي طالباني من إقليم غازني، الرأي قائلاً: «إنه، أي الملا برادر، ليس متطرفاً مثل بعض قادة الحركة، وإذا ما حصلت مفاوضات، فإن الملا برادر سيكون الرجل الأنسب للحديث معه». * باحثان أردنيان في شؤون الحركات الاسلامية