احتفلت محطة مركز تلفزيون الشرق الأوسط mbc اخيراً بمرور عشر سنوات على بدء انطلاقتها الفضائية من العاصمة البريطانية لندن، أول قناة عربية غير حكومية تخاطب الرأي العام العربي، مدشنة مرحلة جديدة من تاريخها، ومتوجهة نحو مزيد من المنافسة والتطوير، في ظل التسارع المتنامي في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا البث الفضائي. كانت محطة mbc في باكورتها، الوحيدة على الساحة، ولم يكن هناك ما ينافسها من قنوات ومحطات اخرى. فبقية القنوات هي محطات حكومية في معظمها ولا ترقى الى مستوى mbc من حيث الجرأة وجودة الإنتاج والإخراج والتقنية، إضافة الى كونها محطات محلية لا تبث فضائياً، ما جعل الساحة مفتوحة على مصراعيها امام mbc لتتصدر اهتمام المتلقي العربي وتستحوذ الإعلانات التجارية والمتابعة السياسية والخبرية، والبرامج الترفيهية، والمسلسلات والأفلام بتنويعاتها وأصنافها المتعددة، مكتسبة شهرة عربية واسعة. الآن وبعد عشرة اعوام من بدء هذه التجربة، وبعد ازدحام الفضاء العربي بالكثير من القنوات الفضائية المتنافسة بشدة في ما بينها، وبعد ان تسارعت عوالم الميديا، وغزا الإنترنت والبث الرقمي العالم العربي، بعد كل ذلك اين تقف محطة mbc؟ وكيف تقوم تجربتها بعد كل هذه السنوات، وفي ظل هذا التنافس المحتدم؟ وما هي خياراتها المستقبلية؟ وأي صورة تستطيع ان تقدم للمشاهد العربي، بل الأهم اي خطاب عربي من الممكن ان تنتجه وتخاطب به الرأي العام الدولي في هذا الوقت الحرج الذي تشتد فيه الحملة ضد العرب والمسلمين؟ وما هي خطة المحطة وأولوياتها، ومن هو المتلقي المعني بخطابها، وأي رسالة تود إيصالها؟ اسئلة حاسمة وضرورية، من المفترض ان تكون حاضرة لدى المحطة وأن تكون معنية بالرد عليها إذا أرادت ان تستمر لعشر سنوات أخرى. ان متابعة يسيرة لمسيرة mbc طوال السنوات الماضية، تبرز مدى التغير الذي طرأ على القناة وسياساتها الإعلامية، والتغير سنّة طبيعية، بل وضرورة للتقدم والاستمرارية، إذا ما كان تغيراً نحو الأفضل والأرقى، لا نحو مزيد من التردي والتقهقر. لا يمكننا القول إن جميع التغيرات التي حصلت في mbc كانت ايجابية بالمطلق، أو سلبية بالمطلق، وإنما مرت القناة بمرحلة مد واكتساح إعلامي للمشاهد العربي، اعقبتها مرحلة من الانحسار والتراجع امام قنوات اخرى، شكلت منافساً قوياً لها، واستقطبت جزءاً كبيراً من مشاهديها، والإعلانات التجارية. فبعد انطلاق المحطات الفضائية اللبنانية، وخصوصاً محطتي "المستقبل" وLBC، وقعت mbc في دوامة المنافسة الشديدة، وبدأ جمهورها ينحسر، المعلنون والراعون للبرامج يتجهون للقناتين اللبنانيتين، كما ان ظهور قناة "الجزيرة" بأسلوبها المتميز، وحواراتها الجريئة، وتغطيتها الإخبارية، كان بمثابة الضربة الموجعة لmbc وبهذا فقدت قطاعاً مهماً من الجمهور العربي كان يعتبرها المصدر الإخباري الأول، وإذا بها تتراجع امام قوة "قناة الجزيرة" ونفوذها وحريتها. كل ذلك جعل المحطة تدخل في مرحلة حرجة، وضائقة مالية ضاغطة مجبرة إياها على تغيير سياستها الإعلامية والإدارية، وتسريح عدد من العاملين وتغييرات في هيكليتها الإدارية، ما سبب نشوب خلافات بينها وبين بعض منتسبيها، وخصوصاً مع المذيعة المتألقة كوثر البشراوي التي تركت المحطة لتلتحق ب"الجزيرة". ولملاحظة هذه التبدلات لنقم بعملية رصد للدور الذي كانت تقوم بها mbc: 1- النشرات الإخبارية التي كانت تقدم بأسلوب جديد ومغاير لما هو مألوف على المحطات الحكومية، مطعماً بشيء من الجرأة والحرية، وساعد في ذلك عوامل منها احداث حرب الخليج الثانية، وكونها قناة خاصة غير حكومية، ومقرها اللندني البعيد من الرقابة. 2- نوعية البرامج الحوارية، والثقافية المتميزة، وطريقة اداء المذيعين والمقدمين لها، واستضافتها شخصيات عربية وعالمية لها سمعتها ومكانتها. 3- البرامج العائلية، فالمحطة رفعت شعاراً مؤداه انها "قناة الأسرة العربية"، والمسلسلات العربية والمدبلجة التي اكتسبت شهرة كبيرة، وجذبت جمهوراً واسعاً. هذا بالطبع جنباً الى جنب مع برامج الترفيه والألعاب والتسلية، والبرامج الرياضية. إن ما تقدم أكسب المحطة مزيداً من الشهرة والجماهيرية، ولكن كما أسلفنا مع قدوم "الجزيرة" توجه الكثير من جمهور البرامج السياسية باتجاه "الجزيرة"، ومع قدوم قناتي "المستقبل" وLBC اتجه جمهور التسلية والمسلسلات والأفلام والغناء الى هاتين القناتين، مع بدء بث القنوات الفضائية الرياضية المختصة، وشرائها حقوق بث الكثير من المنافسات الرياضية العربية والعالمية، بدأت ازمة المحطة تشتد، وبدأ مدخولها المالي في النقصان، وفقدت الكثير من الإعلانات التجارية والمعلنين، الذين توزعوا على بقية القنوات المنافسة لها. وقد حاولت المحطة تلافي هذه الأزمة، وبسبب ذلك وقعت في كثير من السلبيات ومنها: 1- أخذت المحطة في تقليص البرامج ذات الطابع الأسري، وتخطت الكثير من الخطوط الحمر التي كانت لا تتجاوزها. 2- نتيجة لذلك انحسرت البرامج الثقافية وتراجعت في شكل لافت، بل ان بعضها اختفى تماماً مثل برنامج "السهرة المفتوحة"، الذي كانت تقدمه المذيعة كوثر البشراوي، واختفى برنامج "مساء الخير يا عرب"، الذي كان برنامجاً شاملاً ومتنوعاً وجميلاً، ومتناسباً مع الأسرة العربية، وحتى الحلقات التي تبث الآن لبعض المقابلات الثقافية التي يجريها الكاتب والصحافي محمد رضا نصر الله، هي حلقات مصورة منذ فترة زمنية ماضية ويعاد بثها وتكرار بعض حلقاتها في كثير من الأحيان. في مقابل هذا الانحسار الثقافي والفكري، راحت المحطة تسد ثغراتها عبر المزيد من برامج التسلية والأغاني، ونجحت في ذلك عبر برنامج "من سيربح المليون" الذي يقدمه الإعلامي جورج قرداحي، وبرنامج "ميوزيكانا"، الذي يعرض اغاني الفيديو كليب الأجنبية التي كان من الصعب ان تشاهدها على شاشة mbc سابقاً، لكن رغبتها في ملاحقة القنوات الأخرى، جعلها تقدم هذا البرنامج... وفي هذا الصدد لا يمكن اغفال دور المذيعة رزان مغربي عبر برنامجي "بوبس آند توبس"، و"ألو رزان" والتي كانت بمثابة طوق نجاة للمحطة استطاعت من خلاله عبر نموذج "رزان"، أن تنافس صبايا "المستقبل" وLBC 3- ولمنافسة قناة "الجزيرة" راحت المحطة تطور من اسلوب نشراتها الإخبارية، وتقدمها في شكل وحلّة جديدتين وتكثف من تقاريرها، وتنوع في الشخصيات التي تستضيفها. عشر سنوات من بدء بث mbc بنجاحاتها، وإخفاقاتها. ومرحلة حاسمة وحساسة تدخلها المحطة بخاصة بعد احداث الحادي عشر من ايلول الماضي، فهل تستطيع المحطة ان تجدد من كيانها وتستعيد ثقة المشاهد العربي بها عبر إنتاج برامج متنوعة هادفة ومسلية، تحترم عقلية المشاهد وذوقه وأخلاقه وتراعي طبيعته العربية، متجهة نحو مزيد من الحرية وملتزمة بالشعار الذي رفعته بصفتها تلفزيون ومحطة كل العرب والأسرة العربية، أم تظل متمسكة بطوق نجاة "رزان" وأخواتها؟