لجأ الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف الى حيلة سبقه اليها سلفه الراحل الجنرال ضياء الحق لإزاحة بعض الضباط غير المرغوب بهم من القيادة العسكرية، اذ رقّى ثلاثة من الجنرالات الاوفياء له الى رتبة فريق اول، وهي الرتبة الارفع في القوات المسلحة الباكستانية، ليتجاوزوا بذلك عدداً آخر من مستحقي الترقية فلا يعود امام هؤلاء سوى طلب احالتهم على التقاعد. ومن شأن هذه التعديلات التي كان اهمها تعيين رئيس جديد للاستخبارات العسكرية، احداث تغييرات كبيرة في استراتيجية القيادة الباكستانية على الصعيدين الداخلي والخارجي مع المستجدات غداة الضربات التي وجهها التحالف الغربي بقيادة الولاياتالمتحدة الى اهداف عسكرية في افغانستان المجاورة. وفي هذا الاطار، جاء تعيين الجنرال احسان الحق القائد السابق لفيلق بيشاور رئيساً للاستخبارات العسكرية محل الجنرال محمود احمد الذي "أُحيل الى التقاعد بناء على طلبه". وعرف عن محمود احمد قربه الى حركة "طالبان". وتردد انه غير راض عن الاتجاه الى التخلي عنها، على رغم ان وساطته الاخيرة لدى زعيم الحركة ملا محمد عمر والتي قادته الى قندهار الشهر الماضي، فشلت في تحقيق اهدافها باقناع الاخير بالتخلي عن بعض تشدده. ويمثل التخلي عن الجنرال محمود احمد، تحولاً كبيراً في طاقم القيادة العسكرية التي اعتمد عليها مشرف. ومعروف ان احمد كان لدى قيام الانقلاب العسكري بقيادة مشرف، قائداً لفيلق روالبندي، وتولى شخصياً مهمة الاستيلاء على مقر رئاسة الوزراء واعتقال رئيس الوزراء السابق نواز شريف. لذا كافأه مشرف بتعيينه على رأس الاستخبارات. لكن "ميوله الاصولية حالت دون استمرار الاعتماد عليه"، بحسبما أبلغ "الحياة" مصدر مطلع في إسلام آباد. وكان رئيس الاستخبارات المحال على التقاعد عضواً في مجلس الأمن القومي الذي يضم الى مشرف، عدداً من الوزراء وقادة الفيالق التسعة الذين طاولت التعديلات الأخيرة أربعة منهم وأتاح ذلك لمشرف احكام سيطرته على المجلس الذي يشكل الهيئة الارفع مستوى للحكم في باكستان، من دون ان يواجه بمعارضة لسياسته التعاون مع الولاياتالمتحدة الى اقصى حد. ولوحظ ان التعديلات حصلت قبل دقائق من بدء الضربات على افغانستان، كما تلت اجراءات أمنية مشددة ترافقت مع وضع زعيمي تنظيمي دينيين قيد الاقامة الجبرية، في محاولة لاحتواء التظاهرات المناهضة للاميركيين التي شهدت شوارع مدن باكستانية عدة، استمراراً لها امس. وهذه المرة الاولى في تاريخ الجيش الباكستاني التي يتم فيها ترقية ثلاثة جنرالات دفعة واحدة الى رتبة فريق اول، لكن احدهم وهو الجنرال محمد عزيز خان، رُقي الى منصب فخري وهو رئاسة هيئة الاركان المشتركة. وبذا لم يعد يتعاطى مع المستجدات اليومية وبات حضوره اجتماعات القيادة العسكرية غير ضروري، إلا إذا ارتأى الرئيس ذلك. وكان محمد عزيز خان عضواً تلقائياً في مجلس الامن القومي كقائد لفيلق لاهور، كما كان احد المقرّبين الثلاثة الى مشرف، ولعب دوراً كبيراً في الانقلاب العسكري. واطيح في التعديلات ايضاً الجنرال مظفر عثماني الذي كان قائداً لفيلق كراتشي خلال الانقلاب، وسمح في حينه لطائرة مشرف بالهبوط في مطار المدينة، متحدياً بذلك ارادة نواز شريف. وأُحيل عثماني ألى التقاعد بعدما كان رُقي في الفترة الاخيرة الى منصب نائب رئيس الاركان. وتولى منصب نائب رئيس الاركان وهو في التراتبية الرجل الثاني في الجيش بعد مشرف، نجم جديد في القيادة العسكرية هو الجنرال محمد يوسف الذي كان رئيساً للقيادة العامة للجيش. وشملت التعيينات اعفاء الجنرال محمد مشتاق حسين من منصبه قائداً لفيلق كويتا، وعيّن مكانه الجنرال عبد القدير بلوش. ولاحظت المصادر التي تحدثت اليها "الحياة" ان التغييرات استهدفت احكام السيطرة على مناطق رئيسية في البلاد، والحيلولة دون قيام اضطرابات، ذلك ان "استغناء مشرف عن عثماني ومحمود احمد ومحمد عزيز خان يعدّ تضحية كبيرة منه لا يمكن ان تحصل الا في ظروف استثنائية وخاصة". وقالت المصادر ان التغييرات ستستكمل في غضون ايام معدودة، ليبدأ القادة العسكريون الجدد رسم معالم مختلفة للتوجهات المتعلقة بالامن القومي والسياسة الخارجية. وفي هذا الاطار يتوقع ان يفضي التغيير الجديد الى قطع الصلة نهائياً بحركة "طالبان" خصوصاً بعدما تلقى مشرف تطمينات اميركية وبريطانية في ما يتعلق باستمرار إسلام آباد في لعب دور اساسي على الساحة الافغانية، عبر اختيار شخصيات بشتونية ترضى عنها للمشاركة بنسبة كبيرة في صيغة الحكم المقبلة في كابول. لكن مصادر افغانية في باكستان أبلغت "الحياة" انه أياً كانت المشاركة البشتونية في الحكومة الافغانية المقبلة، فان وجود الملك السابق ظاهر شاه سيغطي بلا شك على حضور الآخرين، ما يشكل سداً في وجه النفوذ الباكستاني، نظراً الى الجفاء المتبادل بين الجانبين. ويتوقع ان يعكف الرئيس الجديد للاستخبارات العسكرية المكلفة تقليدياً الحلف الافغاني على عقد اجتماعات مع شخصيات افغانية توافدت الى بيشاور اخيراً، من اجل تنسيق سياسة موحدة، تمهيداً لترشيح هذه الشخصيات الى مناصب في كابول مستقبلاً، لكونها تمثل العرق البشتوني. ويبدو ان ثمة تفاهماً حصل بين اسلام اباد من جهة، وواشنطن ولندن من جهة اخرى، على ان يحصل البشتون على نسبة تفوق الخمسين في المئة من التمثيل في الحكومة الافغانية المقبلة على ان تتوزع النسب الباقية على ممثلي العرقيات الاخرى واهمها الطاجيكية والاوزبكية والهزارة الشيعة.