في بلد تركته الديكتاتورية وحروبها حطاماً، تفرض المسؤولية على الحكومة استغلال عائدات النفط الهائلة لوضع استراتيجيات إعادة بناء البنية التحتية موضع التنفيذ، فهي أساس النهوض بالصناعية والزراعية والخدمات بل وحتى الدفاع والأمن، لكن حكومة المالكي لم تُهمل البنية التحتية للبلاد فقط، بل أيضاً البنية التحتية لاستخراج وصناعة النفط أساس الاقتصاد العراقي. حسين الشهرستاني وزير النفط السابق ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة راهناً، ظلَّ يتحدث عن المستقبل الزاهر لصناعة النفط لكن المعلومات والوثائق عن التخلف والفساد في الوزارة أصبحت تثير قلقاً حقيقياً لدى الرأي العام. ففي 26 حزيران (يونيو) الماضي نشرت «الصباح» الرسمية تقريراً ل «واشنطن بوست» الأميركية يقول: «دفعت جهود زيادة إنتاج النفط البنية التحتية المتهالكة لصناعة النفط إلى حافة الانهيار، فخطوط الأنابيب القديمة الصدئة تعمل بأقصى طاقتها وهي مُعرّضة لخطر التمزق على قاع الخليج، أما المضخات المتهالكة فتعمل وهي ترشح تحت حرارة الجو». ويضيف التقرير: «لكن العراق في مساعيه الساخنة لتحقيق هذا الهدف – زيادة الإنتاج - يتحرك بسرعة وحتى بقلّة حذر، فعلى رغم مناشدات الولاياتالمتحدة ومراقبين دوليين آخرين، لم يوقّع العراق بعدُ عقوداً تحدد كيفية التصرف لاحتواء أي تسرب أو إجراء أية إصلاحات طارئة في حال تعرض الأنابيب التي يمتد عمرها إلى 35 عاماً للانفجار تحت الماء»! لكن الشهرستاني يقول: «مستقبل منطقة الشرق الأوسط يحدده إلى حد كبير العراق خلال العقدين المقبلين لاحتياطياته النفطية الضخمة». وقد نسيَ أن يُكمل: وعائداته ستذهب أيضاً إلى جيوب مافيا الفساد في تحالف الأحزاب الدينية والكردية الحاكم. وعلى عكس توقعات الشهرستاني الاستعراضية، كشف خبراء نفط دوليون، وفق «واشنطن بوست»، جهله بقولهم «إن الحكومة العراقية تريد بسبع سنوات إنجاز ما احتاج السعوديون لإنجازه سبعين عاماً من العمل في ظروف أكثر اعتدالاً». لكن الخطورة لا تكمن هنا فقط، ففي العام الماضي تحدثت تقارير بريطانية عن استيراد وزارة النفط مادةً من مشتقات الرصاص تشترك في صناعة الوقود لكنها مُحرَّمة دولياً لأنها تؤدي إلى تلف أدمغة الأطفال الذين يستنشقون عوادم السيارات! وبعد أن أصبحت الفضيحة حديث الصحافة المحلية والدولية، ظهر الشهرستاني المشهور بتمييع أخطر الفضائح ليقول عبر الفضائية العراقية: «هذه المعلومات مبالغ فيها ولا صحة لهذه المشكلة على الإطلاق». لكن في آب (أغسطس) 2010 قالت «الغارديان» البريطانية: «تم إجراء تسوية قضائية مع المدير التنفيذي لشركة أنوسبيك المتورطة بإدخال الوقود السام إلى العراق وإندونيسيا. وألزمت التسوية تغريم مدير أنوسبيك ديفيد ترنر بسبب دوره في دفع رشى تصل لملايين الدولارات لمسؤولين في العراق وإندونيسيا ساعدوا الشركة بإدخال هذا النوع من الوقود لبلديهما. وكان هذا النوع من الوقود قد تم منعه في البلدان الغربية بعدما ثبت أنه يلحق أضراراً بالغة بأدمغة الأطفال الذين يستنشقون عوادم السيارات. وكان هدف ترنر من وراء تقديم الرشى هو زيادة مبيعات شركته من هذه المادة لبلدان منها العراق. واعترفت شركته بأن تقديم الرشى لمسؤولين محليين كان هدفه الحصول على مساعدتهم في منع هذه البلدان من استخدام بدائل أكثر أمناً»! وعلى رغم أن أحداً لا يستطيع تكذيب القضاء البريطاني، ففي وزارة المالكي والشهرستاني تصبح الحقائق أكاذيب والأكاذيب حقائق، فعندما تصاعدت رائحة الفساد والعمولات والبنود السرية من عقود النفط في 2009 وأراد البرلمان مُساءلة الشهرستاني، بذل المالكي كل ما يستطيع للحيلولة دون ذلك الاستجواب، باعثاً برسالة لرئيس البرلمان نشرتها «الصباح» الرسمية من «أن استجواب وزير النفط حسين الشهرستاني يعطي رسالة غير مشجعة للشركات الراغبة بالدخول إلى أسواق النفط العراقية ويتجاوب مع رسالة المخربين في تعطيل آفاق التقدم في بلادنا». أي أن العراق لا يتقدم إلا من خلال وزراء عديمي الكفاءة وغارقين بالفساد! ولا يعرف المرء حقاً عن أي تقدم يتحدث المالكي! هل هو التقدم في أساليب نهب المال العام، أم في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة أم في ازدياد أعداد الأرامل والأيتام المهملين من قبل دولته؟! وفي 5 الشهر الماضي، كشف عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب، طلال الزوبعي عن حدوث حالات تواطؤ بين وزارة النفط وتجار عراقيين أسفرت عن دخول الوقود المسرطن إلى البلاد. ونقلت «المدى» البغدادية عنه «أن الحكومة الصينية منعت تصدير هذا النوع من الوقود بعد اكتشاف المواد المسرطنة فيه»، بينما أكد النائب جعفر الموسوي «أن لجنة النزاهة في البرلمان عكفت على تحليل هذه المادة وثبت علمياً أن مادة الرصاص المستخدمة التي تدخل في صناعة البنزين مسببة لأمراض السرطان نتيجة الدخان الذي تنفثه السيارات بعد استخدامها الوقود، مشيراً إلى أن اللجنة استندت إلى تحليلات لمختبرات محلية وعالمية». كما أكد النائب جواد الشهيلي «أنّ لجنة النزاهة البرلمانية حققت في موضوع البنزين المسرطن ووجدته صحيحاً، وأنّه يمثل حالة خطرة من حالات الفساد الموجودة في وزارة النفط... وأن وزارة الصحة كانت قد حذرت في تقرير قدمته إلى مجلس شورى الدولة قبل ثلاث سنوات عن تأثير المواد التي تدخل في صناعة البنزين والتي يتم استيرادها من الصين». ولأن تكريس الفساد وتمرير الصفقات المشبوهة يحتاج للتملص من القانون، أبقت حكومة المالكي العراق لغاية الآن من دون «قانون للنفط والغاز»! فكيف تمت كل تلك العقود والاتفاقيات الشهرستانية من دون إطار قانوني يبررها ويصادق عليها؟ وأي إرادة أو فلسفة تلك التي جعلت المالكي يستبعد العشرات من كبار خبراء النفط العراقيين الذين يعملون في أهم المؤسسات النفطية الأميركية والأوروبية والعربية، ليجعل حاضر العراق ومستقبله يعتمد على اجتهادات وارتباطات شخص لا علاقة له باقتصاديات أو استخراج أو صناعة النفط اسمه حسين الشهرستاني؟! * كاتب عراقي