أفكار المارشال فالنتين فارينيكوف مثقلة بإرث الماضي، لكنها تكتسب أهمية خاصة كون هذا العسكري البارز خاض حروباً كثيرة ابتداء من الحرب العالمية الثانية، مروراً بالحرب الأفغانية التي كان إبانها نائباً أول لرئيس الأركان، ثم أصبح قائداً للقوات البرية السوفياتية قبل ان يفقد منصبه ويسجن لاتهامه بالتورط في "الحركة الانقلابية" ضد الرئيس الأسبق ميخائيل غورباتشوف، عام 1991. وفي حوار مع المارشال الذي يترأس حالياً اللجنة الروسية لحاملي وسام البطولة، قال ان على الولاياتالمتحدة الأميركية ان تنضم الى مكافحة روسيا الإرهاب في الشيشان أولاً، ودعا الى اقتصار الدور الروسي على المعلومات الاستخباراتية وتوفير الممرات الجوية. وتوقع المارشال المتقاعد ألاّ تقع حرب، على رغم الحشود الكبيرة، وأن يقتصر الأمر على العمل السياسي. دخلت الولاياتالمتحدة في الستينات الدوامة الفيتنامية وخرجت منها بهزيمة مذلة، وفي أواخر السبعينات تورط الاتحاد السوفياتي في أفغانستان وانسحب منها لينهار بعد سنتين. ما هي آفاق الحملة الحالية، إذا وقعت؟ - بين فيتناموأفغانستان بون شاسع. وأنا كنت عام 1979 نائباً أول لرئيس الأركان العامة. وحين تلقينا ايعازات من القيادة السياسية بإدخال القوات الى أفغانستان اعترضنا، لكننا امتثلنا للأوامر. ولم نفقد 57 ألفاً، كما فقد الأميركيون. كما اننا لم نهرب من هناك، بل ودعونا بالزهور وحتى بالدموع أحياناًَ. ونحن لم نكن محتلين أو غزاة. والى اليوم الآن، فإن الولاياتالمتحدة لم تكشف قرائن تدين أسامة بن لادن. لكن الوضع تغير الآن ومكافحة الارهاب صارت قاسماً تجمع عليه الدول كلها. - لماذا إذاً لم يؤيد الأميركيون جهودنا في الشيشان؟ ألم تحصل هناك عمليات ارهابية؟ الغريب ان الصمت كان الرد الوحيد على قطع رؤوس أوروبيين وعرضها في الشيشان، فيما كانت تثار ضجة هائلة ممن يزعمون ان القوات الفيديرالية الروسية تنتهك حقوق الإنسان. على الولاياتالمتحدة ان تنضم، اليوم، الى روسيا لمكافحة الارهاب وليس العكس. روسيا ايدت عملياً الاستعدادات الأميركية للحرب، فإلى أي مدى ستصل موسكو في دعمها لواشنطن؟ - اعتقد اننا يجب ان نقتصر على تقديم معلومات استخبارية. ويكفي اننا وافقنا على توفير ممرات جوية. ما هو في اعتقادك موعد بدء العمليات والنطاق الذي يمكن أن تبلغه؟ - لنطرح صوغاً آخر للسؤال: ماذا تريد الولاياتالمتحدة؟ انها بالتأكيد لا ترغب في زوال حكم "طالبان"، فهي التي أوجدت هذه الحركة ورعتها. وهي لا تريد ان تفقد اسلام آباد التي تفكر من جانبها، منذ عهد ضياء الحق، في اقامة باكستان الكبرى التي يكون في اطارها لأفغانستان حكم ذاتي. وهذا الغرض يؤيده الأميركيون في الخفاء. فهم يريدون مثل هذه الركيزة في آسيا الوسطى. كما ان الهدف الأميركي لا يمكن ان يتمثل في تصفية ابن لادن. فهو "أصغر" من حشد مثل هذه القوات، اضافة الى ان وكالة الاستخبارات المركزية كانت "تعالج" قضايا كثيرة من خلال وجود ابن لادن. ولكن الولاياتالمتحدة حشدت كل هذه القوات، ولا يعقل ان تعيدها الى قواعدها من دون ان تقوم بعمل ما. غداة دخول القوات العراقيةالكويت، واقامة ائتلاف دولي استعداداً لتحرير الأراضي الكويتية كنت أشرف على تدريبات في جنوب الاتحاد السوفياتي، وقد وصل لحضورها الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف. وفي نقاش حول ما يمكن ان يحصل قلت له ان كل الخطط الغربية يمكن ان تنهار لو قامت جحافل الدبابات العراقية بضربة استباقية، أو لو ان بغداد اعلنت سحب قواتها من الكويت. ولو حصل ذلك لجعل الاكلاف المادية والسياسية بلا معنى. هل تريد، أيها المارشال، القول ان الأميركيين سيعودون ادراجهم؟ - مشكلة الرئيس بوش انه لم يعد يدري ماذا يقول لمن اشتروا الاعلام الأميركية، أو لمن أبدوا رغبة في التطوع في الجيش. والأرجح انه يستعد لابلاغهم ان استعراض العضلات كان كافياً لتركيع العدو وتحقيق الأهداف الأخرى. من دون عمليات؟ - يحتمل ان تستخدم الطائرات على نطاق محدود لضرب مستودعات الذخيرة، ومواقع قيادة، وخصوصاً قرب قندهار. وقد يطلق عدد محدود من الصواريخ. ولكن لن يكون هناك انزال، ناهيك بعملية برية واسعة يشارك فيها 50 ألف عنصر كما قيل. فهؤلاء، لو دخلوا، ينبغي ان يكونوا سعداء في حال عثر أحد في ما بعد على جثثهم. بعض المحللين العسكريين يدرك، على رغم ذلك، احتمالات العملية البرية. وأنت كنت قائداً للقوات البرية السوفياتية وتوليت قيادة الجيش في أفغانستان. فما هي الخطط التي تتوقع ان يعتمدها الجنرالات الأميركيون لو قرروا الاقدام على ما تسميه مغامرة؟ - أولاً الأميركيون لن يتحركوا براً إلا بعد القصف بكل الوسائل المتاحة. ولكن أفغانستان لا تشبه العراق، وسيصعب عليهم ان يدمروا الهياكل الارتكازية، إذ لا وجود لها في أفغانستان. وإذا حاربوا على الأرض فالأرجح أنهم سيحاولون التقدم على محور كويتا - قندهار، حيث المناطق صحراوية، وبينها تلال ليست عالية، ما يسمح باستخدام الدبابات وسائر المعدات. وحتى هذا الاحتمال مستبعد، إذ ان الجندي الأميركي، خلافاً للسوفياتي أو الروسي، اعتاد حرب الخمسة نجوم وهو لن يجد في صحارى أفغانستان الكوكا كولا الباردة، ولن يستطيع ان يستحم كل يوم. إذاً كيف ستحقق الولاياتالمتحدة أغراضها من الحرب؟ - اعتقد ان القيادات الأميركية تعكف حالياً على درس الأكلاف السياسية والاقتصادية للعمليات الحربية. وأظن انهم، في واشنطن، لا يسقطون من حسابهم احتمال تلقي ضربات جوابية تستعمل فيها الأسلحة غير التقليدية. ولذا فإنهم سيحاولون معالجة الوضع بالسعي لتنصيب حكومة "طالبانية من دون طالبان". ولا أستبعد ان يقدموا مساعدات انسانية، وان يستثمروا هيبة رجال الدين لتكوين مجموعات ضغط مؤيدة لهم في كابول. ما هو موقع روسيا من كل ذلك؟ ألا تخشون ان تكون موافقتكم على الوجود العسكري الأميركي في المنطقة تمهيداً لبقاء الولاياتالمتحدة هناك في صورة دائمة؟ - نحن، بالتأكيد، نؤيد مكافحة الارهاب، ونرغب في تعاون دولي . ولكن الأخطار الجيوسياسية يجب ان تراعى أيضاً، وان كنت لا أعتقد ان حلفاءنا في آسيا الوسطى سوف يسمحون بوجود أميركي دائم في المنطقة. والولاياتالمتحدة تملك أصلاً قواعد في باكستان يمكن ان تستخدمها في قصف أفغانستان. كما ان حاملات الطائرات قادرة على معالجة مهمات مماثلة. ولذا لا داعي لاقامة أو استخدام قواعد في آسيا الوسطى، خصوصاً ان لدى روسيا معاهدات مع دول المنطقة وهي تستبعد وجود قواعد أجنبية هناك. دخول القوات السوفياتية الى أفغانستان بعث رأياً عاماً مناوئاً لموسكو في العالم الإسلامي. وثمة الآن في روسيا قوى متنفذة تتحدث بإلحاح عن صراع بين العالمين الإسلامي والمسيحي، وعن طرح مشاركة روسيا فيه. فما هو رأيك؟ - روسيا بلد فيه ارثوذكس ومسلمون، ولا ينبغي ان تسمح بأن يدق إسفين بينهم. والقيادة الروسية متنبهة الى هذا الخطر. ولكن ثمة في روسيا أيضاً قوى تعمل على الايقاع بين المسيحيين والمسلمين، وذلك بإيعاز من أطراف أجنبية بينها وكالة الاستخبارات المركزية. وإذا كنا نشاطر الأميركيين أساهم للمصاب الذي حل بهم فإننا يجب ان نقول ان ما حصل هو نتيجة السياسة الاستفزازية التي تتبعها الولاياتالمتحدة. والآن ينبغي البحث عن حلول جذرية للإرهاب وللمشكلات الاقليمية كذلك. وعلى قدر ما يتعلق الأمر بأفغانستان، فالهدف الفعلي يجب ان يتمثل في احلال السلام في هذا البلد، بعد ربع قرن من الحروب.