تكثر تجارة المخدرات في مدينة بيشاور الواقعة شمال اقليم سرمد بباكستان حيث يسكن قرابة مليوني لاجئ أفغاني. فالسياسة الحكومية المتبعة في هذا الاقليم تعتمد ازدواجية في الأحكام القانونية وهي قسمت المنطقة الى قسمين: الأول تابع للسلطة الحكومية ويخضع للقانون المدني والثاني غير خاضع للقانون المدني الباكستاني وتعيش فيه قبائل الباتان. وتسمى المناطق الثانية Agency وهي عدة وتقع جميعها في اقليم سرمد. هذه المناطق يتمتع اهلها بالحرية المطلقة في المعاملات وهذا ما سهّل تجارة المخدرات عبر هذه المناطق. تهريب المخدرات عملية تهريب المخدرات الى المدينة عملية سهلة جداً لكثرة التحرك والتجوال، فعلى بُعد مسافة كيلومترات فقط من مدينة بيشاور تجد كل ما تريده من انواع المخدرات بثمن بخس. وأما تهريبها الى باقي المدن الباكستانية فسهل كذلك للسبب الذي ذكرناه آنفاً ولضعف سلطة الشرطة وانعدام وسائل الفحص والتفتيش لديها. ويتم التهريب بطريقتين احداهما طريقة شبه مشروعة حيث يتم الاتفاق مع الشرطة على نسبة معينة في مقابل ضمان التهريب الى منطقة معينة، وطريقة اخرى تتمثل في ان يتفق المهرب الأساسي مع شخص خبير يعطيه على كل كيلوغرام مئة روبية باكستانية على امتداد كيلومتر تهريب مثلاً. فالكيلوغرام هيرويين يكلف نحو عشرة آلاف روبية لتهريبه الى منطقة على بعد مئة كيلومتر. من هم المتعاطون؟ من هو المتعاطي ولماذا يدمن؟ سؤال يجيب عليه المدمن برويز خان احد الشبان الذين يتعاطون الهيرويين وعمره 27 سنة وهو من منطقة بلوسي احدى ضواحي مدينة بيشاور. يقول: "عندي ثلاث بنات وكنت بنّاءً وذات يوم ناولني واحد كنت اثق فيه سيجارة ظننتها حشيشة لكن سرعان ما طار السكر من اعصابي فأيقنت ان السيجارة انما كانت سيجارة هيرويين". ويستطرد قائلاً: "بعد ذلك انتظمت في سلك المدمنين إذ لم اتمكن من الرجوع الى الوضع الطبيعي وهذه حالي كما ترى". وهنا يتدخل في الكلام رجل طاعن في السن: "انا كنت شخصاً محترماً فقد كنت احترف التجارة لكن لما فشلت فيها لم اجد طريقاً الى الخروج من المأزق إلا هذه الهاوية الملعونة". ولما سألته هل تنوي الرجوع؟ قال: "ابداً لا اظن ان المجتمع سيقبلني بعد هذا الشوط الطويل الذي قضيته في هذا الطريق". سألت شاباً يتراوح عمره بين 25 و30 عاماً، من اين أنت ومتى بدأت في تعاطي المخدرات؟ فقال: "بشير افغاني كنت جندياً في الجيش الأفغاني، ولما حلّت بالبلد نكبة الحروب الداخلية بعد سقوط حكومة الدكتور نجيب الله أتيت الى باكستان، ولم أجد هنا عملاً ولم يكن عندي مهنة ولا رأس مال فضقت بالوضع وانخرطت في هذا". ولما سألته هل تحلم بالعودة؟ قال: "العودة صعبة والظروف لا تسمح بذلك". الحصول على الهيرويين يتطلب مالاً، لكن من اين يأتيهم هذا المال؟ مكرم خان يجيب: "في البداية يكون معنا القليل منه ولكن سرعان ما نصرفه، وبعد فترة قصيرة يفكر كل واحد في تحديد الطريقة التي يمكن ان يكسب منها مالاً. الشحاذة والسرقة أنسب الطرق لكسب المال". انواع المخدرات والمخدرات في بيشاور انواع، وعلى المتعاطي ان يختار ما يتناسب مع طبيعته او ما يتاح له ابتياعه من السوق. 1- الهيرويين او الأفيون: وهو اخطر الأنواع. يُحرق ثم يتم تنشّقه وهو من اكثر الانواع شيوعاً بين الفئات المختلفة لسهولة العثور عليه ولتدني اسعاره. 2- الكوكايين: وهو مادة مائعة يتم تعاطيها من طريق ادخال هذه المادة عبر ابرة الى الشرايين وهو مخدر غير شعبي نظراً الى ارتفاع اسعاره في الاسواق المحلية. 3- الحشيشة: الأكثر شيوعاً بين الأوساط الصاعدة. كما يكثر تعاطيها من جانب السائقين ظناً منهم ان ذلك يساعد على تنشيط الذهن للسيطرة الكاملة على السيارة في اواخر الليل. 4- الترياق: وهو المادة الخام للهيرويين والكوكايين، ويستخدم كعقاقير لعلاج بعض الأمراض. كيف يصنع الهيرويين؟ يزرع الخشخاش ثم عندما ينضج تتفتح زهراته وتختلف ألوانها من أحمر الى أبيض وأصفر وعندما تذبل الزهرة وتسقط اوراقها تتجمع الزهرة وتنطوي على نفسها وفي هذه الحال تكون قد استعدت لإفراز مادة الترياق التي يصنع منها الهيرويين. العمل يبدأ بعد الغروب فيأتي سيل من الناس يجيدون العمل في هذه النبتة وبحوزة كل واحد منهم ثلاثة سكاكين حادة يمسكها بين أنامله ويضرب اطراف الزهرة بها، وعندما تُضرب الزهرة تُترك الى ما قبل شروق الشمس في اليوم الثاني. وتفرز الوردة القاتلة مادة بيضاء مثل اللبن يتحول لونها الى الأحمر الداكن ثم الى اللون الأسود، وعندها تجمع هذه النقاط وتكون جاهزة للتجارة والاستخدام. تنتقل هذه المادة الى الاسواق والمعامل من طريق مهربين محترفين، ثم تصنع منها انواع مختلفة من الهيرويين تتوزع في الأسواق المحلية والعالمية لينعم بها الأشقياء. اسواق تجارة الهيرويين على بعد كيلومترات الى الغرب من بيشاور منطقة تسمى كارخانوماركيت يتم فيها بيع وشراء المواد المخدرة على مرأى ومسمع الحكومة والشارع، وهي منطقة تابعة لأقليم سرمد جغرافياً، كما تخضع لقانون الAgency حيث يتمتع اهلها بحرية كاملة حتى في تجارة المخدرات. وهناك منطقة اخرى تقع جنوب غربي مدينة بيشاور على بعد 15 كيلومتراً يتم فيها ايضاً بيع وشراء المواد المخدرة بكل حرية، اضافة الى اماكن وأشخاص معروفين لدى المدمنين داخل المدن. وفي بيشاور يتم التعاطي في الشوارع العامة او وراء العمارات او في فناءات المدينة. فالمدمن بملابسه الممزقة وهيئته يجلس حيث شاء وحيث يجد الهيرويين.