يشارف "حزب الله" اللبناني، على اتمام حلقات بناء مجتمعه الخاص، عبر اضافة مؤسسة اجتماعية جديدة الى مؤسساته الاعلامية العسكرية والاجتماعية السابقة، وهي "جمعية الكوثر الخيرية" التي تهدف لمساعدة عناصر او شباب المقاومة الاسلامية في الحزب على تأسيس البيت الزوجي. هذه الخطوة التي لم يسبق لأي من الاحزاب اللبنانية ان تنبه لها، على رغم ان بعضها كان يملك امكانات مادية هائلة في فترة من الفترات، قد تشير الى البعد الآخر الذي يرسمه الحزب في علاقته مع عناصره وجمهوره العريض في المدى الطويل، حيث يصبح "التكافل الاجتماعي" وهي التسمية التي يطلقها المسؤولون في الحزب على المساعدات المقدمة للعناصر والأنصار احدى الروابط والعناوين لضمان زخم العلاقة بين الطرفين، خصوصاً ان مهمة تحرير مزارع شبعا التي يأخذها الحزب على عاتقه قد لا تدوم طويلاً، وبالتالي فإن الحافز الجهادي ضد اسرائىل قد يجف في المرحلة المقبلة. ويمكن القول ايضاً ان "حزب الله" يحرص من خلال اهداف وبرنامج "جمعية الكوثر" على تنمية العلاقة "الدنيوية"، اذا صح التعبير، بينه وبين عناصر المقاومة، الى جانب حثهم على الجهاد والقتال، وذلك باراحة هؤلاء العناصر نفسياً من همّ تأسيس البيت الزوجي، خصوصاً انهم الشريحة الافضل بنظره، فعندها يتقدم العنصر للقتال وهو يعرف ان ظهره محمي من الاعباء الاجتماعية. ويوضح مدير الجمعية عدنان المقدم "ان الحزب هدف من تأسيس الجمعية الى حل مشكلات شباب حزب الله، اذ كلما كان المقاوم مرتاحاً كلما استطاع ان يعطي في مجالات اخرى. فبسبب الظروف الاقتصادية الضاغطة لم يتمكن الكثير من هؤلاء الشباب من تأسيس منزل لهم، وانتهت فترة عقد قرانهم بالطلاق، نتيجة الضغوط التي يتعرض لها هؤلاء من اهل الزوجة. وقامت الجمعية، هذا العام بتجهيز البيت الزوجي ل52 عنصراً من المقاومة، إضافة الى تنظيم حفلة زفاف جماعية لهم. معايير متعددة حكمت اختيار هؤلاء الشباب من بين خمسمئة شاب تقدموا بطلبات المساعدة، اولها تاريخ عقد القران، بمعنى ان الذين وقع عليهم الاختيار عقدوا قرانهم قبل العام 2000، إضافة الى الوضع الاجتماعي للعنصر، اذ لدى الجمعية مسح اجتماعي لكل العناصر الطالبة للمساعدة، وفي حال تساوى عنصران في المعايير تكون القرعة هي الحكم. شملت التقديمات اثاث بيت ضم صالوناً وغرفة جلوس وغرفة نوم وبراداً وفرن غاز وغسالة وسجادتين بتكلفة 3500 دولار لكل بيت، وجميع المفروشات هي صناعة وطنية عدا السجاد فقد تم استيراده من ايران، مع الإشارة الى ان الجمعية هي التي تولت مهمة اختيار الفرش وألوانه، "تخفيفاً" للإرباك والازدحام كما اشار المقدم، إلا انها راعت في الوقت عينه، أذواق العرسان بحسب مناطق سكنهم، وكبر حجم منازلهم، فمثلاً، صالونات عرسان البقاع تألفت من ست قطع، لأن السائد في المنطقة هي ان تكون غرفة الصالون في شكل ديوان كبير للاستقبال في حين ان صالونات عرسان منطقة بيروت تألفت من اربع قطع من الحجم الصغير والوسط تبعاً لمساحة الغرف. وتولت الجمعية ايضاً تأمين فساتين الأعراس "الشرعية" مع الحجاب الخاص بها للعرائس اللواتي خلت وجوههن يوم الحفلة من اي تبرج، أما بدلات العرسان، التي أمنتها الجمعية ايضاً مع الأحذية، فقد كتب على ياقاتها عبارة "مدد يا علي"، تيمناً ببركات الإمام علي بن ابي طالب، في حين نقشت على الأزرار عبارة "إلا ان حزب الله هم الغالبون"، وقد استغرقت التحضيرات لتأثيث المنازل وحفلة الزفاف الجماعية ستة اشهر. زفاف جماعي نظمت الجمعية حفلة الزفاف الجماعية لهؤلاء الشباب قبيل الانتخابات النيابية في العام 2000، في ملعب مبرة الأيتام في منطقة طريق المطار بحضور شخصيات رسمية ومسؤولين في الحزب. ويشير المقدم الى أن الجمعية ترددت في الإعلان عن الحفل، كي لا تُحسب المناسبة كترويج للحزب قبيل الانتخابات، ولكن استقر الرأي في ما بعد على الإعلان عنها بهدف تقديم نموذج حضاري للعالم عن شباب المقاومة الذين يعرفون "كيف يفرحون كما يعرفون القتال". من الأسباب الأخرى التي دفعت الجمعية لتنظيم عرس جماعي كما يوضح المقدم، توفير نحو 1500 دولار على عنصر المقاومة عليه دفعها كتكلفة لحفل الزفاف، وقد خُصص لكل ثنائي 24 طاولة رُتبت في شكل حرف U كي لا يعتقد اي من أهل العريس او العروس انهم لقوا اهتماماً أكبر، وطبع نموذجان من بطاقات الدعوة: الأول باسم مسؤولي الحزب، والثاني باسم اهالي العروسين، اما الضيافة فكانت "بوفيه كاملاً" مع قالب حلوى، اضافة الى التصوير الفوتوغرافي والزهور، وسادت موسيقى هادئة. وفي نهاية الحفلة كانت "برمة العروس" من الأهل ثم انتقل الجميع الى احد فنادق العاصمة للإقامة ثلاثة ايام. يشير المقدم الى أن تقديمات الجمعية في هذا العام ستشمل نحو مئة عنصر، وستكون مساعدة في بناء منازل في الأطراف، لأن اسعار الشقق في بيروت مرتفعة. وسترتبط تقديمات الجمعية بمدى قدرتها المادية. في المقابل، لا تتدخل الجمعية في اي معايير أو صفات لاختيار زوجات العناصر، أو تشجعهم على الارتباط بأرامل رفاقهم الشهداء، لما لهذا الموضوع من آثار اجتماعية، ولما يحتاج هذا الأمر من "روحية عالية ونوعية خاصة من الرجال" كما يقول المقدم، لأن الارتباط بهذه الحالة يكون بعائلة وليس بفرد، وهذا قرار شخصي يأخذه الشاب في المقاومة بنفسه. بلغت التكلفة الإجمالية لمشروع الجمعية 180 ألف دولار اميركي، واستقبلت الجمعية بعد حفلة الزفاف الجماعي الكثير من التبرعات، إضافة الى ان لائحة المشجعين صارت كبيرة، اما مؤسس "جمعية الكوثر" وراعيها فهو السيد عيسى الطبطبائي. في منزل عروسين من "حزب الله" الداخل الى منزل "أبو الحسن" وهو الاسم الحركي "لأحد عرسان الزفاف الجماعي الذي تولت جمعية الكوثر الخيرية تنظيمه، يفاجأ بكميات الضوء الكبيرة في البيت، وهذا على غير عادة معظم بيوت العائلات الملتزمة دينياً، والتي غالباً ما تقفل الستائر الخارجية للشرفات للحفاظ على خصوصية المنزل وأهله، خصوصاً إن كانوا من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت حيث الازدحام العمراني كبير، والأبنية متقاربة. واللافت ايضاً طريقة مزج ألوان الأثاث وطلاء الجدران في محاولة لمجاراة الموضة، فيتألف الصالون من اربع قطع، اثنتين على الطراز المودرن وباللون الأزرق الغامق ما يتناقض مع طلاء الحائط الشبيه بلون قرص الشمس عند الغروب، ويقابلهما اثنتان على الطراز الشرقي، وتحتل الوسط منضدة كبيرة، اما الزاوية الأخرى من الصالون فتضم طاولة كبيرة للطعام وكراسي حولها بلون الجوز. هذا التناقض غير المركز في الألوان يظهر ايضاً في اثاث غرفتي الجلوس والنوم بلون البيج الغامق وطلاء الجدران الأخضر الفستقي واللافت في منزل ابو الحسن هو عدم وجود للوحات الآيات القرآنية او للقرآن الكريم في الغرف بشكل لافت، على عادة الملتزمين دينياً، ولم نلمح ايضاً صورة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، على رغم ان ابو الحسن يتحدث بفخر عن هدية السيد نصرالله له لمناسبة زواجه والتي هي القرآن الكريم "ونهج البلاغة". اختيار كل شريك للآخر خضع لمدى تدين وإيمان كل منهما ومحاولته للوصول الى الكمال في تطبيق احكام الدين، ويقول ابو الحسن الذي يبلغ من العمر ثلاثين عاماً، انه اتخذ من قول النبي "اختر زوجتك لدينها ونسبها وجمالها ومالها" قاعدة لاختيار زوجته، فالميزان الأول هو طريقة عيشها ومحاولة تطبيق ما يريده الله، فتديّنها بالنسبة اليه رسالة تمكّنها من الصبر وتحمّل المسؤولية واستعياب نمط حياته كمقاتل كثيراً ما يغيب عن بيته وأولاده، فالارتباط بعنصر من المقاومة يعني "ان تجاهد عبر دعم زوجها وتربية اولادهما على مبادئ حزب الله" كما يقول. تبلغ زوجة ابو الحسن من العمر نحو عشرين عاماً، وتعمل متطوعة في التعبئة التربوية ل"حزب الله" ولا تتقاضى اجراً، وعلى رغم ان الزوجين ينتميان الى "حزب الله"، إلا انهما لا يعتبران الانتماء عاملاً لاختيار الزوج، بل عامل للتقريب بينهما. في المقابل، تشير زوجة ابو الحسن ان احتمال نمط حياة مقاتل في المقاومة ليس سهلاً، سواء بتغيّبه المفاجئ والطويل احياناً عن المنزل، او بتصرفاته. فهو ليس عسكرياً يحمل بندقية بل انه يقيم من خلال المقاومة علاقة مع الله على الزوجة ان تواكبها وتجاريها صبراً وعناية اكبر بهذه الاحاسيس جميعها ومن نواحٍ مختلفة. وتلخص زوجة ابو الحسن هذه العناية بحديث يشير الى ان جهاد المرأة هو في حسن تبعها لزوجها. يواكب الزوجان تطورات العصر سواء عبر الانترنت او الكومبيوتر والموضة والأزياء داخل المنزل، ويصف ابو الحسن حبه لزوجته بأنه حب في سبيل الله، عميق وفطري ومحكوم بأحكام الدين الاسلامي، الذي في رأيه يضبط ويمنع الكثير من الخلافات التي تحصل بين زوجين، وتمنحهما المقدرة على استيعاب كل طرف للآخر. يقيم الزوجان اللذان تعود جذورهما الى الجنوب اللبناني، في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية التي تربّيا فيها، واختارا السكن فيها بعد الزواج، لأن سعر الشقق السكنية هناك اقل من مثيلاتها في مناطق بيروت الاخرى، وليس لأن هذه المنطقة غالبية سكانها هم من المسلمين الشيعة. في المقابل، لا يرتاد الزوجان دور السينما، على رغم حبهما لأفلامها، لأن زي التشادور الذي تلبسه زوجة ابو الحسن لا يتقبّله المجتمع داخل صالة السينما، كما انهما لا يحتفلان بالأعياد ذات الطابع الغربي، كعيد العشاق او الزواج. لكن ابو الحسن يقول انه تقصّد عقد قرانه في عيد الغدير لأنه مناسبة دينية لها مكانتها بالنسبة اليه، كما ان عيد زواجه يصادف عيد ولادة السيدة الزهراء والخميني، معتبراً ان الثقافة الاسلامية تفيض بالحب والمناسبات السعيدة والتي يمكن ان نفرح بها ونحتفل.