زادت العنوسة في المجتمع، الأمر الذي ربطه البعض بظاهرة غلاء المهور، وعزوف الشباب عن مجرد الاقتراب من الفتيات، رغم رغبتهم الماسة في الاستقرار الأسري والنفسي، حتى الذين لا يريدون هذا ولا تلك، أيضا يرغبون في الزواج للتخلص من شبح «للعائلات فقط»، الذي طالما أبعدهم عن كثير من المزايا، وباعد بينهم وبين الكثير من المواقع والمتنزهات. وسرعان ما تفاعل المجتمع مع قواعد المغالاة، حيث انتشرت الوجاهات القبلية للحديث عن تخفيض المهور، وبدأ الإعلان يتلو الآخر يبرهن على أقل قيمة للزواج، بعضها بريال واحد، والبعض الآخر وقف مزهوا بقدرته على عدم تكلفة العريس مصروفات مرتفعة، فأهداه الزوجة في ليلة عقد القران. مع أن العديد من الأمور بدأت في الانفراج، بشأن الإقبال على الزواج، إلا أن حجم العزوف الكبير، ومقدار العنوسة الواسع الانتشار، جعلا تلك الوجاهات نقطة في بحر، الأمر الذي عزز المطالبة بالتدخلات الجراحية العلاجية لترقيع طبلة أذن فئة صمها الطمع المادي. من هنا نبعت الزيجات الجماعية، البعض كان ينظر لها على أنها مجرد تشويه سمعة: «كيف لنا الجلوس في حفل غيرنا، الأمر ينتقص من كرامتنا ومن سمعتنا»، جملة جعلت الأعوام الأولى من عمر الجمعيات الخيرية المتبنية للزيجات الجماعية، ومساعدة الشباب على الزواج، تمر بصعوبة، لكن سرعان ما انفتح الشباب على تلك الزيجات، وبدأت في الانتشار إلى الدرجة التي باتت فيها بعض الجمعيات تحتفل سنويا بألف زيجة دفعة واحدة، وأقلها تحتفل بالمئات. توقف الزفاف وفجأة لم يتوقف قطار الزواج الجماعي، لكن توقف قطار الزفاف إلى عش الزوجية، وبالأمس القريب زفت الجمعية الخيرية بجدة 500 عريس إلى منازلهم، بعدما فشلت في إقامة حفل العروسات. بررت الموقف بأن الأمهات السبب في إفشال المناسبة، وخرج نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج أنس محمد زرعة ليؤكد أن الغيرة وراء تأجيل حفل الجانب النسائي، الأمر الذي أفشل الزفاف الحقيقي: «كل أم كانت تريد أن تكون ابنتها نجمة الحفل وتكون في المقدمة، وهو ما يصعب تحقيقه في حال وجود كم كبير من العرايس، هذا الأمر اضطرنا إلى إلغاء زواج النساء لكيلا تحدث أمور لا تحمد عقباها». وراح يعدد مهام الجمعية: «الجمعية تقدم العديد من الخدمات، إلى جانب تنظيمها حفل الزواج الجماعي، ومنها المساعدات المالية والعينية، وبرامج تأهيل الشباب والفتيات على الزواج، وعدد من الخدمات المساندة والمتمثلة في الحصول على خصومات خاصة من القطاع الخاص مثل قصور الأفراح ومحال بيع الذهب والأجهزة الكهربائية والخدمات الطبية وغيرها». الجمعية مسؤولة لكن العديد ممن شاركوا في الحفل الجماعي، راحوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى الجمعية؛ لأنها فشلت - حسب زعمهم - في زفافهم إلى عش الزوجية، عكس ما ترفعه من شعار: «أهم شيء في الزواج حفل النساء، فتكاليفه باهظة جدا ويعادل أضعاف زواج الرجال، أتمنى في الأعوام المقبلة أن يقام زفاف النساء في الليلة نفسها وفي قاعة مجاورة لحفل الرجال كي ينجلي الهم كاملا». من هنا تفجر الموقف، هل نجحت الجمعيات الخيرية بعموميتها في إنقاذ الكثير من الشباب من حالة العزوبية، وساهمت في تخليص الفتيات من العنوسة، أم أن الجمعيات تلك راحت تغزل خيوط العنكبوت؟ ألم تساهم الجمعيات فعليا في زفاف الآلاف؟ مما يعفيها من خطأ لا تتحمله - بحسب مسؤول جمعية جدة - أم أن الخلل في الدعم المادي ربما وراء إلغاء الحفل النسائي، الأمر الذي يعد فشلا في تلك الحفلة - حسب ادعاءات بعض الشباب -؟ 10 آلاف ريال هاني بن قبوس، شاب في مرحلة ما قبل الزواج «الملكة» ، لجأ إلى الجمعية الخيرية لمساعدة الزواج: «لأن أكثر من شخص دلني عليها، وكنت أظن أنهم يساعدونني بإعطائي مبلغا من المال والأثاث، ذهبت مترددا خجولا، عندما وصلت لهم قدموا لي ملفا، عبارة عن استمارات لا بد أن تشغل فراغاتها وتحتوي على الشروط والطلبات، وعرفت أن الجمعية تعطي العريس 10آلاف ريال، منها ثلاثة آلاف ريال غير مستردة، والباقي تسدده على أقساط، مع إحضار كفيل غارم يضمن تسديد المبلغ الذي أعطوني إياه، وهو أكثر ما أزعجني، ويقوم الكفيل بعمل وكالة من المحكمة للجمعية للسداد عني في حال تعثري عن السداد، ومن شروطهم في الكفيل أيضا أن يكون موظفا حكوميا، ورغم أنني أعرف موظفين لكنني أخجل أن أطلب منهم هذه الخدمة». تزكية بلا صلاة ويشير العريس المرتقب إلى شرط آخر: «أن أحضر تزكية من إمام المسجد لضمان تأديتي للصلاة، فإذا كان المسجد خاصا توقع وتختم من إدارة المسجد، وإذا كان المسجد عاما توقع وتختم من وزارة الأوقاف، إمام المسجد قد لا يعرف جميع المصلين لأن العدد كبير فكيف يوقع للذين لا يعرفهم، والأدهى من ذلك أنه مدون في نفس استمارة المسجد: «هذه شهادة ستسأل عنها أمام الله». وكأنهم يتعاملون مع لصوص، فأنا أصلي ولكن هذه العبارة أخافتني حتى من الزواج نفسه، فيما من شروطهم أيضا لفتح الملف لا بد أن تأخذ دورة التأهيل الأسري وهي دورة إجبارية، وهذه الدورة قيمتها 150 ريالا، وإذا قدمت عن طريق الجمعية تحسب قيمتها 80 ريالا، ولكي يتأكدوا أنك عن طريق الجمعية لا بد أن تحضر معك تزكية المسجد، وبدون التزكية تدفع الرسوم كاملة». وزعم أن أغلب الحضور في دورة التأهيل الأسري كان قادما من الجمعية، وعند وقت الصلاة، لم يصل بعضهم، مما أزعجه كثيرا، وتساءل: «من يتحمل الذنب إذا؟ ومن وجهة نظري إذا كان الرجل متهاونا في الصلاة فقد تكون زوجته حريصة عليها فهي في هذه الحالة تستحق المساعدة، وقد تساعد زوجها مستقبلا في أداء الصلاة، ومن ناحيتي أغلقت موضوع المساعدة من الجمعية نهائيا بسبب هذه الإجراءات المملة والمعقدة من أجل مساعدة لا تغني ولا تزوج». أين الدور؟ ويرى العريس المرتقب خالد إبراهيم أنه لا فائدة تذكر من الزواج الجماعي، إذا لم تكن هناك مساعدة محسوسة من قبل الجمعيات الخيرية: «ما فائدة إقامة احتفال بالزواج دون زوجاتنا، نعرف أن الوصول إلى عش الزوجية ليس سهلا، حيث لم يقض من مهمة الزواج سوى 20 % وبقي 80 % هل يستطيع إنجازها أم لا ؟ بل إن هناك عرسانا بعد حضورهم الزواج الجماعي انفصلوا عن زوجاتهم لعدم قدرتهم على تكاليف احتفال آخر للنساء، وقد يكون للرجال أيضا، بالإضافة إلى تكاليف الشقة والأثاث والمصاريف الأخرى، من هنا أصبح الزواج الجماعي يشكل مادة إعلامية فقط لبعض الجمعيات، يعلم أنها استطاعت تزويج المئات، وكان الأجدر بها التعامل دون حساسية مع قضايا الشباب، والإعلان عن العجز المادي، وعزوف رجال الأعمال والداعمين، علنا نصل إلى نتيجة عبارة عن دعم مقدر، يفتح بوابة الأمل، لكثير من الشباب». وأوضح أن الجمعية الخيرية لم تزوج الشباب: « بل عملوا احتفالا للزواج وكل من تكفل بالاحتفال من قاعة وعشاء وهدايا هم فاعلو الخير، ولم يكن للجمعية أي دور تقدمه للعريس سوى مبلغ 7000 ريال ويسدد لهم عن طريق الأقساط، وكلها أموال تأتي من فاعلي الخير، فلماذا الاعتراض على قلة الدعم، حتى بعض الأثاث يتكفل به فاعل خير أيضا، فماذا فعلت الجمعية ؟». فرحة لم تتم ويتحسر محمد خالد أحد العرسان المشاركين في الزواج الجماعي الأخير في جدة من عدم إتمام الفرحة: «فرحتنا لم تكتمل خاصة أننا نحتفل دون زوجاتنا، الأمر الذي سيضطرنا إلى إقامة حفل آخر، وبتكاليف أعلى لكي يفرح الطرفان، هناك بعض العرسان المتزوجين في الزواج الجماعي يستطيعون الزواج بمفردهم، والذي يشجعهم على حضور هذا الزواج أنه لا يوجد هناك زواج للنساء، لأن أهل زوجته سيرفضون حضور ابنتهم في هذا الزواج، ويشارك أيضا في السحب على الجوائز، بينما نجد هناك عرسانا يتمنون لو كان الزواج بحضور زوجاتهم وبموافقتهن، والتخلص من هذا الهم الثقيل وطي صفحة الزواج إلى الأبد، وعدم فتح هذه الصفحة كل حين وآخر، وأتمنى من الجمعية إعادة النظر في رسم الابتسامة على شفاه الزوجين؛ لأننا نعرف قيمة وجود إطار خيري يساهم في زواج الشبان والفتيات، لكن الأمر يحتاج إلى تفعيل، وآليات تدفع عجلة الكيف وليس الكم». استثناء المعوقين وتعترف المعوقة حركيا سميرة إبراهيم آل سلامة، بأهمية الجمعيات الخيرية في مضمونها، لكنها تنتقد ما اعتبرته قلة العمل الجاد من أجل الهدف المنشود: «لا ننكر أهمية الجمعية الخيرية في مساعدة الشباب، لكن حالتي للأسف برهنت على وجود خلل يجب فتح ملفاته، وعدم دس الرؤوس في الرمال، أملا في توفير العلاج المناسب، حيث تقدم لي عريس بعد طول غياب لكوني عاجزة عن الحركة، لكنه غير مقتدر ماديا، وقدرت وضعه الاقتصادي السيئ جدا، فهو لا يستطيع توفير مسكن لنا فضلا عن تكاليف الزواج الأخرى، عندها تقدمت أنا وهو إلى الجمعية بغرض المساعدة وتفاجأت من ردهم بأن الجمعية لا تساعد من يتزوج بالثانية، إذ سبق لزوجي الزواج من قبل، وطلبت منهم استثنائي وذلك لوضعي الصحي والمادي، فكما تعلمون بأن زواج المعاقة نادر جدا، ومع ذلك رفضوا طلبي أو حتى مساعدتي». وتشير إلى أن الطلاق أصبح يهدد حياتها بعدما من الله عليها بأحد العرسان نظرا إلى عدم قدرتهما على فتح منزل يؤويهما من غدر الزمان: «أتمنى من الجمعية الخيرية للزواج أن تستثني المعاقين من الشروط التعجيزية التي تفرضها». 50 ألف ريال ويقترح مسعود بركات أن يكون الحد الأدنى لدعم الشباب لا يقل عن 50 ألف ريال لكل عريس، أو تتكفل الجمعية بتأثيث منزل العروسين: « طالما أن العريس سيحسب من إنجازات الجمعية، وبالتالي يكون لكل شيء مقابل، فالعريس وبكل صراحة سيضحي بموقفه الاجتماعي؛ لأن مجتمعنا ينظر إلى الزواج الجماعي أنه للفقراء والمعوزين فقط، فكيف يضحي الشخص منا بسمعته الاجتماعية دون أي مقابل يذكر أو يحرك عجلة من عجلات الزواج المتعثرة». ويستغرب بركات من شعارات الجمعية وهي تزويج مئات الشبان والفتيات: «مع العلم أنهم متزوجون من قبل، ومن شروط الجمعية لعمل الزواج الجماعي أن يكون العريس قد عقد قرانه من قبل على عروسه، وأيضا في الزواج الجماعي لا نشاهد إلا 500 عريس فقط فأين ال 500 الباقون ؟ وهل ترى الجمعية أن ما تقدمه للعرسان هو الزواج الحقيقي الذي يحسب ويكتب في سجلاتها؟». فخ الأقساط من جانب آخر ترفض أم جعفر قبول عريس ابنتها طالما أنه شارك بمفرده في الزواج الجماعي، وتتساءل ما فائدة إقامة حفلتين طالما أن العريس سيضطر لعمل زواج آخر للنساء: «لو أعلم أن الزواج الجماعي سيخلص ابنتي وعريسها من تكاليف الزواج والشقة والأثاث لكنت أول المباركين لهذا الزواج، فأنا كأم أتمنى أن تبدأ ابنتي وزوجها حياتهما دون أي استدانة من أحد، ولكن على العكس تماما لا يقدم الزواج الجماعي أي حلول للعرسان للتخلص من هم وتكاليف الزواج، وأعتقد أن الزواج الجماعي يشبه مراكز التسوق التي تجذب الزبائن لتقدم لهم الهدايا من خلال السحب عليها، دون فائدة تذكر للعرسان سوى مبلغ بسيط مقدم لهم، ويرد عن طريق الأقساط، فنحن نهرب من الأقساط ونقع فيها عن طريق الجمعية» .