تجردت السلطات الاسرائيلية أمس من كل شيء فأقدمت على منع حافلة كانت تقل مسنين فلسطينيين من مناطق 48 من عبور جسر الشيخ حسين لعلمها بأنها تتجه للقاء أقارب لهم في سورية ضمن مشروع التواصل بين أبناء الشعب الواحد ممن قطعت النكبة أوصالهم وأواصر قرابتهم الذي ينظمه مكتب النائب العربي في الكنيست الدكتور عزمي بشارة. وكان وقع الصدمة على العجائز، الذين تلهفوا للقاء أشقائهم وأفراد أسرهم المشردة، كبيراً وموجعاً الى درجة أن بعضهم أجهش ببكاء مرير معبراً عن خشيته أن لا يمد الله في أعمارهم حتى يلتقوا الأقارب والأحباب خلف الأسلاك الشائكة بعد طول غياب وانتظار. وفوجئ المسافرون العرب الخمسون، مسنات ومسنين، بموظفي وزارة الداخلية الاسرائيلية يتقدمون اليهم ويبلغونهم بأوامر اصدرها وزير الداخلية تمنعهم من متابعة طريقهم الى الأردن ومنه الى سورية. وذهل المسافرون فقد اجتازوا نقطة التفتيش والجمارك ولم يبق الا ثوان يواصلون بعدها مشوارهم. واصر أحدهم على حقه في مغادرة البلاد الى الأردن لكن أحد رجال الأمن في المعبر وعناصر الشرطة دفعوه بالقوة خارج الصالة غير آبهين بوضعه الصحي وبحال باقي المسنين وحرمة النساء بينهم. وبشكل استفزازي استدعى مسؤولو الأمن في المعبر سائق الحافلة وأحد المسافرين للتحقيق معهما لأكثر من ساعة فيما كان باقي المسافرين محشورين في الحافلة ينتظرون الفرج، ولم يأت. وقالت عايشة جبر، وهي في الثمانينات من عمرها: "رمونا من مطرح لمطرح... ركبتي توجعني... بقساوتهم منعوني من رؤية أخي ولم أره منذ هجيج فلسطين". ووقف الشيخ حامد صبح من احدى قرى الجليل، وهو لم ير أشقاءه منذ 56 عاماً، واجماً يكتم غضبه وحزنه ويلعن بصمت "أولاد الحرام" الذين حالوا دون التقائه باخوته وأهله: "لم يحترموا شيخوختنا... يا عيب الشوم". ووصف محمد سالم ابو ليل من قضاء الناصرة معاناته وألمه قائلا: "يستكثرون علينا نشوف أهلنا بعد أكثر من 50 عاماً. لقد قاموا بعمل اجرامي... تحدثوا عن العرب في اسرائيل كجسر سلام واليوم هدموا الجسر". ورأى "التجمع الوطني الديموقراطي" الذي يتزعمه النائب بشارة في الخطوة الاسرائيلية اجراء عنصريا وقمعيا يندرج ضمن حملة التحريض المتصاعدة ضد الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل منذ هبة القدس والانتفاضة وفي سياق المخططات الرسمية للتضييق على حياة عرب الداخل وعلى قواهم السياسية الفاعلة. ويتعرض "التجمع" منذ اكثر من عام الى حملة متواصلة حيال تنامي نشاطه السياسي في أوساط المواطنين العرب ما حدا بالكنيست الاسرائيلية الى تشريع قانون، الاسبوع الماضي يمنع زيارة "دولة معادية" من دون اذن وذلك على خلفية العلاقة المميزة للنائب بشارة مع سورية وتنظيم زيارات الأقارب ذات الطابع الانساني. واليوم يتوقع ان تقرر لجنة الكنيست بغالبية اصوات واضحة نزع الحصانة البرلمانية عن النائب بشارة بزعم تحريضه ضد الدولة العبرية وتضامنه مع "منظمات معادية" على خلفية خطاب القاه في مناسبة الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان والانتصار الذي حققته المقاومة اللبنانية وحزب الله، وذلك بتوصية من المستشار القانوني للحكومة اليكيم روبنشتاين الذي طالب اللجنة برفع الحصانة ايضاً على خلفية تنظيم المكتب البرلماني للنائب بشارة زيارات الأقارب الى سورية.