حسب المنطق الذي يسير عليه المستشارون القضائيون للحكومة منذ السنوات (الياكيم روبنشتاين وميني مزوز)، يحظر على أعضاء الكنيست العرب أن يقدموا على ما يسمح به للصحافيين وتجار السلاح والمصدرين. المقصود هنا هو إجراء اتصالات مع «دولة معادية». في هذه الأيام تتواصل محاكمة عضو الكنيست عزمي بشارة الذي يقدم للمحاكمة بتهمة زيارته لسورية ولبنان وإلقاء خطابات تحريضية هناك، حسب ادعاء النيابة العامة. كما أن ميني مزوز يدرس إمكانية تقديم لائحة اتهام ضد عضو الكنيست احمد الطيبي بسبب دخوله «دولة معادية»، ودعوة طلب الصانع، الذي زار دمشق مؤخراً، للتحقيق. المعركة التي يخوضها المستشار القضائي للحكومة ضد أعضاء الكنيست العرب تتم باسم الحفاظ على سلطة القانون والتصدي ل «المخالفات الجنائية السياسية والأيديولوجية». المستشارون القضائيون يمارسون في الواقع هذه المبادئ بصورة تمييزية وتفريقية، وإلا لكان عليهم أن يقدموا الصحافيين الذين دخلوا إلى تلك الدول وغيرها، للمحاكمة، وكذلك الحال بالنسبة للصناعيين الذين لديهم علاقات مع تلك الدول. منذ أكثر من 20 عاماً والصحافيون الإسرائيليون يخاطرون بالسفر إلى دول عربية حتى يجرون مقابلات مع «قادة العدو». أبرزهم كان أوري افنيري وعنات سارغوستي اللذان التقيا مع ياسر عرفات في ذروة حرب لبنان، وأمنون كابليوك الذي زار كل عاصمة عربية تقريباً، وتمار غولان وفي السنوات الأخيرة الداد بيك وبوغر بوسموت الذي زار بغداد وطهران. صحيح أن الصحافيين قد توجهوا إلى هذه المهمات الصحافية بجوازات سفر أجنبية، إلا أنهم يحملون جوازات سفر إسرائيلية أيضاً. إذا كان الدخول الى دولة معادية هو مخالفة للقانون، فهم إذا قد تجاوزوا القانون. ومع ذلك قرر المستشارون القضائيون، وعن حق، أن مهمتهم كانت مهمة للناس. بسموت لم يفلت من العقوبة فقط، وإنما أصبح اليوم سفيراً لإسرائيل في موريتانيا. وفي بعض الحالات كان الصحافيون ينقلون انطباعاتهم ليس للناس فقط وإنما لرؤساء الوزراء (اسحق رابين) والجهات الأمنية. كان هناك بعض الصحافيين الذين ساعدت زياراتهم تلك في إقامة علاقات مع الجاليات اليهودية التي تمر بظروف عصيبة. السخافة في قرارات المستشارين القضائيين تبرز لسببين آخرين أولاً، لا يوجد في القانون تحديد واضح لدولة العدو. التعريف القائم يرتكز على أنظمة الطوارئ التي تحظر التوجه إلى الخارج من دون تصريح من وزير الداخلية، وعلى قانون منع التسلل. إلا أن أغلبية وزراء الداخلية لا يمارسون هذا المعيار بصورة مستقلة وإنما يسيرون مثل الدمى بيد «الشاباك». إضافة إلى ذلك لا يوجد تعريف مركزي واحد وملزم للمصطلح. وزارة الدفاع تملك قائمة من الدول التي يحظر تصدير السلاح إليها، وهذه القائمة مرنة حسب احتياجات الوزارة. كانت هناك مرات اعتقد فيها قادة وزارة الدفاع إن المصلحة القومية تتطلب تصدير السلاح لإيران. درجة الغموض في تحديد الموقف من إيران عبرت عن نفسها بصورة صارخة في محاكمة ناحوم مئير. بعض المسؤولين الكبار في الوزارة قدموا شهاداتهم خلال المحاكمة وقالوا إن إيران هي دولة معادية وفي نفس الوقت قال وزير الخارجية دافيد ليفي آنذاك في الكنيست أن (إسرائيل) لا ترى في إيران دولة معادية. أما وزارتا المالية والصناعة فلديهما قوائم أخرى غير تلك التي توجد لدى وزارة (الدفاع). الشركة أو رجل الأعمال الإسرائيلي الذين يصدرون منتجات إسرائيلية للبنان وسورية أو حتى لإيران لن يقدموا للمحاكمة بسبب ذلك. السبب الثاني هو انعدام المنهجية في تطبيق القانون ضد أعضاء الكنيست العرب أنفسهم. في العام 1994 سمح «الشاباك» والمستشار القضائي لأعضاء كنيست عرب بالتوجه إلى دمشق لتعزية حافظ الأسد بموت ابنه الأكبر باسل. وبعد موت الأسد نفسه سمح لهم بالتوجه لتقديم العزاء. لماذا يسمح إذاً بالتعزية بموت زعيم سوري ولا يسمح بالتعزية بوفاة رئيس الوزراء الحريري كما فعل احمد الطيبي قبل أشهر؟ هل تعد سورية دولة أقل «عداء» من لبنان؟ من الممكن الافتراض أن المستشارين القضائيين في الحكومة يقومون أحياناً بالتصرف وفق المحددات السياسية التي تقوم على رؤية قانونية ضيقة وتستجيب لاحتياجات السيطرة والرقابة لدى «الشاباك». أعضاء الكنيست العرب سافروا لبيروت ودمشق لكونهم ممثلين لجمهورهم. وحقهم لا يقل بالتأكيد عن حق الصحافيين والمصدرين وتجار السلاح. هم تلقوا دعوة رسمية من الحكومات والبرلمانات في الدولتين والتقوا مع نظارئهم في وضح النهار من برلمانيين وشخصيات عامة أخرى. الحصانة منحت أصلاً لهذا السبب بالضبط. الدولة التي تدعي أنها تسعى للسلام ليست ملزمة فقط بعدم المعاقبة على مثل هذا العمل والترحيب به وتشجيع أي تواصل بين الشعوب. على المستشار القضائي للحكومة و«الشاباك» أن يوقفا معركتهما ضد أعضاء الكنيست العرب وإلغاء الدعاوى والاتهامات ضد عزمي بشارة وعدم تقديم أي عضو كنيست يسافر في ظروف مشابهة في إطار أدائه لمهمته الجماهيرية في المستقبل. يوسي ملمان (صحيفة هآرتس)