كانت نهاية الشيخ عبد الله عزام عام 1989 مأسوية، تماماً مثلما كانت نهاية الرئيسين انور السادات وضياء الحق. وشكل غيابه علامة فارقة بالنسبة الى الافغان العرب ومصيرهم، الى درجة ان بعضهم يرى أن كل ما جرى بعدها من مطاردات وكراهية الانظمة لهم وتحولهم الى إرهابيين في نظر حكومات بلادهم وما نتج عن كل ذلك من أحداث كان سببه غياب عزام الذي كان اكثر رموز "الأفغان العرب" قدرة على ضبط إيقاع حركة الاصوليين. في العدد الاول من نشرة "المرابطون" التي اصدرتها "الجماعة الاسلامية" من بيشاور تحدثت زوجة عزام أم محمد عن وقائع وملابسات حادثة اغتيال زوجها التي ما زالت تثير الجدل حتى اليوم فقالت: "بعد خروج زوجي وأولادي من البيت بخمس دقائق فقط سمعت صوت انفجار شديد فأحسست في قلبي شيئاً خرجت من المطبخ ودخلت الحجرة التي كانت تجلس فيها إحدى الزائرات وزوجة ولدي محمد فسألتهن هل سمعن صوت الانفجار فأجبن بالنفي وسألنني هل تعتقدين أن الانفجار في المسجد، قلت: لا أظن لأنه أبعد من المسجد فقلن لي توكلي على الله فخرجت من الحجرة ولكنني لم أستطع ان ارجع الى المطبخ فتوجهت الى الحجرة الاخرى حيث يوجد الهاتف واتصلت بمكتب الخدمات فأجابوا انهم لا يعلمون شيئاً فأغلقت الهاتف واتصلت بالمستشفى فقلت لهم ماذا حدث للدكتور عبدالله عزام فقالوا لي لقد استشهد. قلت الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون، واتصلت مرة اخرى بمكتب الخدمات وقلتُ لهم ارجو ان تخبروني بالتفصيل ماذا حصل ولا تخفوا عن شيئاً فنحن لها وما جئنا من بلدنا إلا من أجلها فقال: الشيخ في خطر، قلت له بل استشهد ولكن أريد أن أعرف هل الانفجار في المسجد أم في السيارة فقال لي في السيارة فقلت الحمد لله إذن الاولاد الثلاثة الكبار استشهدوا معه، فالحمد لله صبر جميل والله المستعان. اللهم أجرني في مصيبتي وأبدلني خيراً منها. وعندما سمعنني البنات وأنا أحمد واسترجع قلن لي ما الخبر؟ ماذا حصل؟ اين ابانا؟ هل هو بخير؟ قلت لهن نعم إنه بخير عند ربه فبكين. قمت إليهن وقلت لهن: قلن الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون. وقلن اللهم اجرنا في مصيبتنا وأبدلنا خيراً منها وأخذت أهدئهن وأقول لهن: لماذا جئنا الى هنا لقد جئنا من اجلها، وبعد ذلك توضأت وصليت الظهر وجاء "ابو الحسن" أخذنا إلى "بابي" حيث مقبرة الشهداء حتى نودعهم". انتهت الحرب الأفغانية وانقلب قادة المجاهدين على بعضهم بعضاً، ووجد "الأفغان العرب" انفسهم بين خيارين كلاهما مر: الأول أن يقسموا أنفسهم بين فصائل المجاهدين الأفغان فيتقاتلوا ويتصارعوا ويصوبوا فوهات مدافعهم وبنادقهم إلى بعضهم بعضاً، أو أن يرحلوا تاركين تلك الأرض "الخصبة" التي زُرعوا فيها وترعرعوا في صحرائها وبين دروب جبالها. فاختار غالبيتهم الحل الثاني ورحل واتخذ من مدينة بيشاور مأوى، غير أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فالحكومة الباكستانية شعرت بقلق بالغ من وجود هؤلاء على أراضيها، خصوصاً بعدما ارتفعت أصوات المسؤولين في دول عدة في مقدمها مصر تحذر من تحول بيشاور إلى مركز لإدارة الإرهاب. أما الذين فضلوا البقاء لفترة حتى تستقيم الأمور، فانقسموا إلى ثلاثة أقسام: فريق صغير بقي في كنف مسعود ورباني في كابول. وفريق آخر انضم الى معسكرات حكمتيار وقاتل معه حتى ضد رباني، وهؤلاء انفض معظمهم عنه احتجاجاً على دخول الشيوعيين والشيعة في حلفه. وبقي بعد مواجهته "طالبان" نفر محدود جداً والفريق الثالث وهم الأكثرية كانوا محايدين. في هذه الأجواء انصرف بعضهم الى الأعمال التجارية أو بقي في المعسكرات مع هذا القائد أو ذاك، وأجبرت الحملات التي شنت ضد المقيمين في بيشاور عدداً منهم على العودة مجدداً إلى افغانستان بحثاً عن أسباب العيش والأمن هناك. فشكّل هؤلاء واولئك نواة لتجمع عربي موزع على افغانستان. وعمل بعضهم في مساعدة المجاهدين الطاجيك والكشميريين وسوى ذلك. كان بن لادن عاد بعد انسحاب السوفيات فيما بقي الظواهري وباقي قادة "الأفغان العرب" داخل أفغانستان، اما من عاد الى بلاده، فنفذ ما أمر به من عمليات. ووقع بعضهم في قبضة الشرطة لكن الكل عاش اياماً واسابيع وشهوراً بالغة الصعوبة. وهنا نص شهادة واحد منهم القت السلطات المصرية القبض علىه وآخرين أحيلوا على محكمة عسكرية في قضية عرفت باسم "العائدون من افغانستان والسودان". روى المتهم زكريا احمد بشير وقائع سنوات الجهاد والمعاناة فقال: "بعدما تخرجت من كلية التجارة جامعة القاهرة لم يكن لي عمل مناسب اشتغل فيه ولم أكن منضماً إلى أي جماعة رغم أنني كنت اعرف عن "الجماعات الاسلامية" و"الجهاد" لكن لم أنضم الى أي منها وفكرت أنا وصديق لي اسمه احمد ياسين أن نبحث عن عمل في الخارج، وقررنا السفر الى السعودية للبحث عن عمل هناك مثل مصريين كثيرين وسافرت مع ياسين عام 1991 بتأشيرة عمرة وبجوازات السفر الصحيحة عن طريق البر ووصلنا الى السعودية بعد حوالي 6 أيام تقريباً بحثنا عن عمل في مكةوجدة ولكن لم نوفق، وفي أثناء وجودنا في مكة تقابلنا بشخص اسمه جميل الرحمن وهو افغاني، كان يلقي دروساً في مسجد ويدعو الشباب الى الجهاد في افغانستان، واقتنعنا بما يقول وتعرفنا هناك على شخص اسمه طاهر وهذا اسم كنية وياسين كان يعرفه وقلت له انني أنوي السفر الى أفغانستان "للجهاد" هناك بعد ما سمعت كام درس من جميل الرحمن في هذا الموضوع فابلغنا انه ممكن يساعدنا وأنه يعرف ناس بتخلص تأشيرات باكستان ويساعدون الشباب في عملية السفر الى افغانستان وطاهر أخذ منا جوازات سفرنا وأحضر لنا تأشيرة السفر لأفغانستان، عرفنا بشخص اسمه ابو بكر عقيدة، وهذا ايضاً اسم كنية، وقال لنا لما توصلوا الى باكستان تروحوا بيت فيه ناس عملهم أن يستقبلوا العرب الذين يأتون للجهاد ويوصلوهم لمكان اسمه "بيت الانصار" وقال لنا بعد وصولكما البيت ستخبران الموجودين فيه انكم تتبعون "المرابطون" واعطى كل واحد منا 300 روبية باكستاني ما يعادل 30 جنيهاً. وأتذكر أنني لاحظت أن القدم اليمنى لأبو بكر عقيدة كانت مبتورة ورأيته مرة أخرى بعد سنة تقريباً في باكستان وفيه ناس اتصلت من "بيت الانصار" بناس ثانية وقالوا لهم فيه اثنين وصلوا وبيقولوا إن همه تبع "المرابطون" فاتضح لي أن "المرابطون" هو اسم خاص ببيت ثاني تابع لپ"الجماعة الإسلامية" وجاء شخص اسمه هيثم وده طبعا اسم كنية وأخذني ومعي ياسين من "بيت الانصار"، الى "المرابطون" فوجدت فيه شباب كلهم من المصريين والبيت ده مكانه في باكستان في منطقة اسمها "حياة اباد" وكلها عرب لكن المعسكرات التابعة ل"الجماعة" كانت في افغانستان وأثناء وجودي في بيت "المرابطون" شاهدت هناك حوالي ثمانية اشخاص كان أهمهم ابو حازم وعرفت اسمه الحقيقي بعد ذلك وهو مصطفى حمزة بعد ما نشرت الصحف المصرية عن قضية "العائدون من افغانستان" التي قبض فيها على أشخاص كان يتولاهم حمزة وشاهدت أيضاً محمد شوقي الاسلامبولي ورفاعي احمد طه وده اسمه "ابو ياسر" واحمد حسن عبد الجليل الذي قتل الشهر الماضي في اسوان وابو الشهيد الذي قابلته بعدها في مصر وسلمته سلاحاً وواحد اسمه محفوظ وده اسم كنية وسيف وأسد ابنا الشيخ عمر عبد الرحمن ومجموعة ثانية باسماء كودية كلهم ضبطوا في قضية "العائدون من افغانستان" مثل حمزة ومحمود، وتدربت هناك في معسكر في افغانستان تابع "للمرابطون" اسمه "معسكر الخلافة" على استخدام الاسلحة الخفيفة الكلاشنكوف والرشاشات الخفيفة والمدافع الهاون وفكرة نظرية عن المتفجرات واستعمال المسدسات وبقيت في المعسكر حوالي شهرين. وكان يقوم بتمريننا شخص يدعى صهيب واسمه الحقيقي شعبان رجب علي عيد الذي قبض عليه ايضاً في قضية "العائدون من افغانستان" وكان معي في المعسكر نفسه أحمد ياسين وبعد المعسكر عدت مرة أخرى إلى بيت "المرابطون" في "حياة اباد" وبعد ذلك ارسلوني إلى الجبهة في "برويس" في افغانستان وحاربت هناك في صفوف الافغان وكنت في اثناء فترة الاقتحامات ضمن الواقفين على المدفعية حتى هطل الثلج لأن الشتاء كان دخل فعدت إلى معسكر "الخلافة الاسلامية" وكان الأخوة هناك يشيّدون مسجداً فاشتغلت معهم ثم ارسلوني إلى منطقة اسمها "جلال اباد" في افغانستان لم أقم فيها بعمل أي شيء، وكانت الحرب تدور لكن فيه هدوء بسبب الثلج والبرد وأنا طلبت من ابو حازم أن اشتغل فقال لي إذا وجدت عملاً سوف ابعث لك وبعدها بعث لي وقال إنه وجد لي عملاً وكان وقتها مر سنة بالضبط على وصولي الى افغانستان وتحديداً في رمضان سنة 1992 ولما ذهبت لابو حازم قال لي انت تأخرت وبحثت بنفسي على عمل ووجدت فرصة في مكتب اسمه "مكتب التعمير" في باكستان ليس له علاقة ب"الجماعة الاسلامية" واشتغلت هناك لمدة سنة وخلالها احضرت زوجتي من مصر وكنت أحصل من "مكتب التعمير" على 14 ألف روبية كل شهر وكنت أعمل محاسباً والناس اللي في المكتب هناك ماكنوش يعرفوا انني اتبع "الجماعة الاسلامية" المصرية وحصلت مشاكل بعد ما علموا بذلك فاضطررت أن أترك العمل هناك، وانتهت الحرب في افغانستان لصالح المجاهدين وبدأت حرب ثانية بين المجاهدين فأرسلت زوجتي الى مصر، وكنت ناوي احج وابحث عن عمل وحاولت الحصول على تأشيرة للحج لكن السفارة السعودية في باكستان طلبت مني موافقة السفير المصري لكن السفارة المصرية رفضت وأدركت أن نزولي إلى مصر معناه اعتقالي لأني سمعت انهم بيعتقلوا كل العائدين من افغانستان وساعتها قرأنا أن قانون الارهاب الذي تم إقراره في مصر يعاقب اي شخص يحارب مع دولة ثانية بأثر رجعي فبدأت أفكر ان أذهب إلى أي دولة ثانية للعمل، وبدأ الوضع في باكستان يبقى صعباً بيمسكوا اي واحد عربي موجود هناك ويرحلوه على بلده ومصر بدأت تعمل اتفاقات مع دول عدة لتسليمها أي شخص يثبت أنه أقام في باكستان فجلست نحو اربعة اشهر في بيشاور وكنت منتظراً أن أذهب الى اليمن للعمل لكني انتقلت الى منطقة اسمها كوته في "بروجستان" وأنا اللي عثرت على هذا العمل بنفسي وعملت لمدة تسعة اشهر وكنت احصل كل شهر على 480 دولاراً وكانت علاقتي بالجماعة في الوقت ده بسيطة جداً وبعدين عرفت ان مصر ضغطت على باكستان كي ترحل المصريين الذين يعملون في مؤسسات هناك أو على الأقل طردهم، وبدأت المطاردة في باكستان على اشدها فتم الاستغناء عني وبدأت ابحث عن أي ثغرة، مرة أخرى للسفر ولم أجد أمامي غير السودان وذهبت إلى مسؤول "الجماعة الإسلامية" واسمه الكودي عمر، وهو كان القيادي الوحيد الذي بقي في باكستان، وقتها وقال لي اذهب إلى السودان ربما تلتقي مع اخوة ممكن يشوفوا لك هناك سكة تدخل بها مصر عبر الحدود والسفر من باكستان الى السودان بدون تأشيرة وسافرت بجواز سفري المصري الى الخرطوم ووجدت في انتظاري هناك هيثم الذي كنت قابلته في "بيت الانصار" وأخذني إلى بيت في شارع الغابة في الخرطوم كان ساكن فيه حوالي خمسة أو ستة من الاخوة. وكان يتردد على الشقة ابوپحازم أي مصطفى حمزة، وقعدت في الشقة يومين وبعدين اخذوني إلى مزرعة في منطقة خارج الخرطوم وكان فيها محمود الفرارجي واسمه الكودي أبو حذيفة وعرفت اسمه الحقيقي بعد ما نشرت الصحف المصرية أخيراً انه قتل مع اخوة آخرين في مدينة 6 اكتوبر وجاء علينا احمد حسن عبد الجليل واسمه الكودي "بحيري" وعرفت اسمه الحقيقي بعد ما نشر في الجرائد انه قتل في اسوان وكانوا بيقولوا عليه الاستاذ لأن هو كان بيدرب الاخوة في افغانستان واحنا هناك في المزرعة جاء اخ اسمه محفوظ دربنا على تزوير البطاقات والدوائر الكهربائية والعبوات المفرقعة وقعدت في المكان ده حوالي شهرين. بدأت فكرة عودتي الى مصر بعد ذلك، وقبل سفري الى مصر بيوم حضر لي ابو حازم وشرح لي الخطة اللي أنا هارجع بها الى مصر وقال لي إن أبو حذيفة سيسافر معي، وقال لي ان فيه واحد سوداني سيقودنا من الخرطوم واعطاني ألفين دولار وأنا كان معي الف دولار بتوعي والالفين اللي هو اعطاهم لي أنا اخذت الف وأبو حذيفة اخذ الف وأبو حازم اعطاني ايضاً اربع بطاقات واحدة شخصية وثلاث عائلية كلهم لا يوجد لهم صور كما اعطاني بطاقة شخصية عليها اسم مجدي الحمراوي ودي كان عليها صورتي واعطاني اختاماً لتزوير البطاقات وفي اليوم التالي سافرت أنا وأبو حذيفة وذهبنا إلى مطار الخرطوم مع اسد ابن الشيخ عمر عبد الرحمن ووصلنا لمطار الخرطوم وسلمنا للرجل السوداني وكنت أول مرة اشوفه ومعرفش اسمه وركب معنا طائرة من الخرطوم من غير جوازات وهي كانت طائرة داخلية وفيها ركاب عاديون ونزلنا بها في مطار في بلد قريب من شمال السودان لا أعرف اسمها واخذني انا وأبو حذيفة الى بيته جلسنا عنده ليلة واحدة. وأخذنا الى ناس وقال لي هؤلاء الذين سيسفرونك إلى مصر وهم كانوا اربعة سودانيين ركبت أنا في سيارة نصف نقل مع اثنين وأبو حذيفة ركب سيارة أخرى مع اثنين ومشينا في طريق صحراوي وكان من المفروض أن نصل بعد ثلاثة ايام لكن كان واضحاً ان السودانيين لم يكن لديهم دراية كافية بالطريق فوقفوا وسط الصحراء وتحدثوا مع راعي اغنام ثم جاءت سيارة نصف نقل فيها ثلاثة مصريين تحدثوا مع السودانيين الأربعة ونقلونا إلى سيارتهم ووصلنا إلى اسوان بعد ثلاثة ايام". وإضافة إلى بشر ألقت السلطات المصرية القبض على عشرات من "الأفغان المصريين" وسقط آخرون في دول أخرى وبدأت تفاصيل ووقائع رحلة "الأفغان العرب" تنتشر بين الجميع، خصوصاً بعدما عاد بن لادن مجدداً إلى أفغانستان بعد حرب الخليج حيث لعب دوراً مهماً في تأمين رحيل مجموعات من "الأفغان العرب" إلى دول أخرى، مستغلاً صلاته وعلاقاته وأمواله ونفوذه وشبكته الممتدة في تلك الدول. كما أن اعداداً من الإسلاميين عملوا في شركات يملكها في بعض الدول الآسيوية والافريقية. ولذلك لم يكن غريباً ورود معلومات عن وجود أفغان مصريين في دول مثل اندونيسيا والفيليبين وتايلاند أو الاكوادور والارجنتين وباراغواي، ومثّل اليمن ملاذاً لكثيرين من "الأفغان المصريين" بعد خروجهم من أفغانستان وباكستان. واستقطب أعضاء في تنظيم "الجهاد الإسلامي اليمني" مجموعات من المصريين ووضعوهم تحت حماية القبائل في مناطق بعيدة عن المدن الكبيرة كصنعاء وعدن، وقبل زعماء القبائل حمايتهم بعدما تعهدوا عدم التورط في أي أعمال ضد الحكومة المصرية. غير أن النشاط التنظيمي للإسلاميين المصريين في اليمن أو غيرها من الدول الأخرى لم يكن ليتم علانية، كما أن التدريب على استخدام السلاح والمتفجرات كان في مناطق نائية بعيدة عن العمران. في تموز يوليو 1994 سأل مراسل "الحياة" في القاهرة الناطق السابق باسم "الجماعة الإسلامية" طلعت فؤاد قاسم عن المحطات والأماكن الموجودة فيها عناصر التنظيم بعد خروجهم من بيشاور، فأجاب: "الحكومة المصرية ضيقت على الإخوة في المنيا واسيوط تضييقاً شديداً ودفعتهم الى القاهرة والاسكندرية والمحافظات الأخرى، ففي وقت من الأوقات كان نشاطنا محصوراً في محافظتي المنيا وأسيوط ولكنهم ضيقوا على الشباب الذي اتجه لينشر الدعوة في القاهرة والاسكندرية وانضم اليهم الكثيرون بعد ذلك. ضيقوا عليهم في باقي المحافظات واضطروهم إلى أن يرحلوا إلى خارج البلاد، فذهبوا إلى افغانستان وباكستان وهناك وجدوا فتحاً من الله تعالى على كل المستويات، والآن يضيقون عليهم، فبدأوا في الرحيل إلى بلاد أخرى وسينتشرون في كل مكان". عكس حديث قاسم اتساع الرقعة التي حط فيها الاصوليون المصريون خصوصاً، و"الافغان العرب" عموماً بعدما اضطروا إلى مغادرة افغانستان وبيشاور ونجح عدد غير قليل منهم في تأمين ملجأ في دول أوروبية متحصنين بحق اللجوء السياسي الذي حصلوا عليه هناك، فيما هامَ غالبيتهم في دول أخرى، غير أنهم كانوا دائماً يبحثون عن دول تعاني قلاقل واضطرابات داخلية حتى يتمكنوا من استغلال أوضاعها الداخلية، واهتراء الضوابط الأمنية للنفاذ اليها والإقامة فيها. وتمكن بعض منهم من الوصول الى دول تتعاطف مع قضيتهم أو تقاتل من أجل الاستقلال والحرية. وبمرور الوقت انتشر "الافغان العرب" في البوسنة والشيشان والصومال، إضافة بالطبع الى السودان واليمن، غير أن الجهود المصرية لإقناع تلك الدول بتخليها عن احتضان الاصوليين المصريين وتسليم المطلوبين منهم لمحاكمتهم ظلت دائماً تثير مخاوف لدى الإسلاميين أنفسهم، إلا أن المقيمين في دول أوروبية ظلوا على قناعة باستحالة "أن تخضع الحكومات الأوروبية للطلبات والضغوط بتسليمهم". واللافت أن طلعت فؤاد قاسم نفسه اختفى في 6 آب أغسطس 1995 خلال وجوده في كرواتيا حيث وصل قادماً من الدنمارك حيث كان يعيش هناك لاجئاً سياسياً، وذكر زملاؤه أنه اعتقل، حين كان في طريقه إلى البوسنة وأنه سُلم إلى عناصر تابعة للاستخبارات الاميركية التي سلمته الى مصر، لكن كرواتيا نفت ذلك ولم تعلق مصر أو الولاياتالمتحدة على الأمر. كان بن لادن والظواهري واتباعهما لجأوا إلى السودان عام 1993 بعد تفجر الصراع بين قادة المجاهدين لكنهم غادروا هذا البلد وعادوا مجدداً الى افغانستان، بعدما خشوا من خضوع الحكومة السودانية للضغوط الدولية، أو أن تفكر في تكرار عملية الإرهابي الدولي كارلوس، سعياً منها إلى الحصول على مكاسب. أما من حاول العودة إلى مصر عن طريق الدروب الصحراوية فتم القبض عليه أو اتجه إلى ليبيا واحتمى لدى عناصر من "الأفغان الليبيين" الذين نشأت بينهم وبين الإسلاميين المصريين علاقات وطيدة أثناء وجود الجميع في أفغانستان وباكستان. كما أن آخرين توزعوا على دول افريقية تعاني قلاقل واصبحوا عناصر فاعلة على المستوى التنظيمي ولم ينشغلوا بتدبير أحوالهم وتأمين أنفسهم عن إكمال شبكتهم التي ظهر بعد ذلك مدى خطورتها. وكانت إقامة هؤلاء في الدول التي هاجروا اليها شرعية، ولذلك لم يتوقفوا عن الانتقال من مكان إلى آخر ومن بلد إلى بلد. واختلف الأمر بالنسبة إلى من تمكن من الحصول على حق اللجوء السياسي أو إقامة دائمة في دول أوروبية. وكشفت عمليتا تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في نيروبي ودار السلام اللتين وقعتا في وقت متزامن في آب أغسطس 1998 أن افريقيا احتضنت عدداً من "الافغان العرب" وأن بعضهم شارك في القتال إلى جانب قوات عيديد ضد القوات الأميركية قبل خروجها من الصومال. كما ان آخرين من "الجماعة الإسلامية" و"جماعة الجهاد" اتجهوا إلى كينيا وبوروندي والكونغو وتشاد وأوغندا ونيجيريا، ومعهم مئات من "الافغان العرب" من جنسيات اخرى. وتبين أن القائد العسكري لتنظيم "القاعدة" علي الرشيدي المعروف باسم أبو عبيدة البنشيري الذي غرق في بحيرة فكتوريا في أيار مايو 1996 جال في افريقيا وأسس قواعد مهمة في أكثر من دولة، مما اكد ان بن لادن وربما الظواهري كان يعمل لتكوين الشبكة من العناصر لاستغلالها وقت الحاجة حين يأتي موعد الانتقام. غير أن العوامل والظروف الدولية دفعت "الأفغان العرب" إلى إجراء تغييرات في "الخريطة" من دون المساس بكفاءة شبكتهم، فإحدى قواعدهم ضربت بفعل انقلاب الاميركيين على الدكتور عمر عبدالرحمن والقبض عليه والزج به في السجن. أما "اتفاق دايتون" فتكفل بإخراج "المجاهدين العرب" من البوسنة والهرسك. لكن كل من خرج لم يتجه إلى مصر وحدها بل كانت هناك دائماً بدائل سواء في افريقيا أو آسيا أو أوروبا أو حتى أميركا. وجاءت حادثتا سفارتي الولاياتالمتحدة في افريقيا لتسببا في ضرب وجود "الافغان العرب" في أكثر من بلد فاعتقدت اجهزة الأمن في أكثر من دولة أن شبكتهم تصدعت، لكن تبين ان قدرتهم فائقة في سد الثغرات، وانهم تمكنوا من تأسيس قواعد لهم في دول افريقية وآسيوية وأوروبية، خصوصاً أن عناصر من الاصوليين برعوا خلال السنوات الماضية في تزوير جوازات السفر والأوراق الرسمية، ما مكّن أعداداً كبيرة من زملائهم من اختراق الإجراءات الأمنية وتوسيع المساحة التي يتحركون فيها. ودشن تسليم ألبانيا في حزيران يونيو العام 1998 ثلاثة من ابرز قادة "جماعة الجهاد" إلى السلطات المصرية مرحلة جديدة اهتزت فيها بعنف خريطة توزيع "الأفغان العرب" في الخارج، ما أجبرهم على إعادة ترتيب أوراقهم وتحريك عناصرهم من مواقع إلى أخرى، خشية القبض عليهم. كما تم إجراء تغييرات في اسماء وأوراق عناصر أخرى تقيم في دول معينة لحمايتهم. لكن ذلك أدى إلى الوقوع في أخطاء كان من نتيجتها القبض على آخرين وتسليمهم إلى دولهم. ولذلك فإن قطار تسليم المطلوبين اندفع بسرعة شديدة عقب تسلم مصر الذين كانوا يقيمون في ألبانيا، فوقع واحد في بلغاريا ثم آخر في الأكوادور، وثالث في الأوروغواي، وأعداد أخرى في الإمارات والكويت. أما كيف نشأت العلاقة بين بن لادن والظواهري من جهة، وحركة "طالبان" من جهة أخرى، فيمكن رصد ذلك من خلال عرض ورد في نشرة "المجاهدون" التي تصدرها "جماعة الجهاد" وفيها قصة ظهور "طالبان" ثم اجتياحها الاراضي الافغانية وتغلبها على احزاب المجاهدين ثم احتضانها "الافغان العرب". جاء في "المجاهدون": "اثر بعض حوادث قطع الطريق واختطاف عدد من النساء، تحرك بعض طلاب العلوم الشرعية وعلى رأسهم الملا محمد عمر في قندهار، واستفتوا العلماء في محاربة اللصوص لعجز والي قندهار عن فعل أي شيء معهم وانشغاله بأموره، وأمور رجاله وتنظيمه فأفتوهم بذلك. تحرك الملا عمر وأحد عشر رجلاً معه الى قرية "سنج حصار" حيث قتلوا عدداً من اللصوص ثم اسروا عشرة منهم ووجدوا امرأتين مقتولتين، اعترفوا بقتلهما، فأقاموا عليهم الحد، بقتل الجمع المشترك في الجرم وغنموا أسلحتهم وابتدأوا بمطاردة اللصوص. ثم تجمع بعض قطاع الطرق على حدود قندهار مع باكستان في منطقة بلوشستان لمحاربة طلاب العلم فأغار عليهم الطلبة ففروا الى باكستان، وغنم الطلبة كميات كبيرة من المعدات والاسلحة المختلفة لكن الملا عمر عاد ومعه الطلبة الى قندهار وطلبوا من واليها ان يستقيل لعجزه وان يسلم اليهم مقاليد الامارة وعتادها، ليحاربوا اللصوص فأبى. فحاربوه وخلعوه واستولوا على الامارة وأعلنوا تطبيق الاحكام الشرعية في قندهار. وفي وقت لاحق انضم أحد كبار قواد رباني وجنوده بما معهم من العتاد الى الملا عمر وناصروهم وقويت شوكتهم، وأرسلوا القضاة الشرعيين والولاة ورجال الامن الى مختلف القرى والانحاء في قندهار ونصبوا الملا عمر أميراً على الطلبة. وأرسل رئيس الحكومة آنذاك برهان الدين رباني وفداً يهنىء الملا عمر والطلبة على قمع اللصوص، وحملهم هدية من أربعة آلاف مليون روبية ليستعينوا بها فردوها مع الوفد معتذرين عن قبولها، وطالبوه بإبعاد الشيوعيين من صفوفه ومكاتب حكمه في كابول، وإخراج النساء من المكاتب ومنع الاختلاط، وانهاء مظاهر الفساد والفجور وإعلان تطبيق الشريعة. في ذلك الوقت وصل الى الولايات المجاورة بما حصل من الأمن والاطمئنان في قندهار، فأرسل أهالي ولاية جوزجان المجاورة وفداً وكذلك فعل أعيان ولاية هلمند الكبيرة، وطالبوا الطلبة بتسلم مقاليد السلطة فيها وتطبيق الشريعة. فأرسل الملا عمر بعض الطلبة وبدأوا بتنظيم صفوف الطلبة هناك، وقاموا بحملة واسعة لجمع السلاح، ثم أرسل أهالي ولاية "زابل" وفداً كذلك وسيطر الطلبة على الولايات الخمس الجنوبية الغربية. وأرسل أهالي "غزني" يريدون من الطلبة ان يرسلوا وفداً لبحث بسط سيطرتهم علىها. فغضب حكمتيار الذي كانت له قوات هناك، فأرسل لقادته أوامر بمقاتلة الطلبة، وحاول الشيخ جلال الدين حقاني التوسط وأرسل الى حكمتيار يرجوه أن لا يقتتل الناس، وكان شهر رمضان 1995 قد حل وخرج الشيخ حقاني بنفسه في وفد للتوسط. ولكن الوفد التقى بفلول قوات حكمتيار الذين اشتبكوا مع الطلبة وهزموا بعد معركة قصيرة ودخلت "غزني" في نطاق سيطرة "طالبان". فرِحَ رباني بهزائم حكمتيار، وأرسل مرة اخرى وفداً لتهنئة "الطلبة" الذين بدأوا يعدون العدة للتوجه نحو كابول والاستيلاء على ما بينهم وبينها من ولايات. وانضمت ولاية "بكتيا" بزعامة حقاني صلحاً للطلبة، وكذلك فعل كومندانات "جلال اباد" بالاتفاق، وكانت الكتلة الرئيسية منهم تابعة لحزب المولوي يونس خالص الذي ناصر الطلبة. كما وافق زعماء الكتلة الاخرى التابعين لعبد رب الرسول سياف وعلى رأسهم القائد سازنور على تسليم المدينة للطلبة، ورفضوا أوامر القادة بقتال الطلبة بل أن سازنور ارسل استقالته الى سياف لما أصرّ عليه قائلا انه لن ينهي تاريخه بقتال طلاب العلم الشرعي الذين ينشرون الأمان، ويحكمون بالشريعة. أرسل الطلبة لقادة الاحزاب وعلى رأسهم رباني ومسعود وحكمتيار وسياف، أن يصطلحوا على حل بينهم، وأن يعلنوا تطبيق الشريعة، ويخرجوا الشيوعيين من صفوفهم، وينظفوا دوائر الدولة من مظاهر الفجور والاختلاط، وباءت محاولتهم في جمع شمل الأحزاب بالفشل ثم تصدت قوات حكمتيار للطلبة، وهكذا اسقطت مواقعه الحصينة في "ميدان شهر" و"شهر سياب" و"لوجر" واطلق الطلبة قوافل إغاثية عدة للأمم المتحدة وغيرها، كان حكمتيار احتجزها ليضيق على أهل كابول، ويجبر رباني ومسعود على الاستجابة له. سعد رباني مجدداً بهزائم حكمتيار واستقبل مسعود وفد الطلبة، وقال لهم إنهم موافقون على مطالب السلطة، وسلمهم "مسدسه" رمزاً لموافقته على تسليم سلاح قوات رباني للطلبة، وطلب منهم عرض مطالبهم، فقدم الطلبة لرباني مطالبهم رسمياً وهي: ابعاد الشيوعيين الذين تسلموا المناصب والوزارات والمسؤوليات الحساسة. وبين الطلبة لرباني ان أسباب الحرب الاهلية تغلغل كبار الشيوعيين وضباط "الخاد" وعملاء موسكو في الفريقين، وطلبوا منه محاكمة الشيوعيين وإعدام نجيب وكبار المسؤولين السابقين وإبعاد جميع النساء والسافرات من دوائر الدولة، وإعلان تطبيق الشريعة صراحة وازالة مظاهر التبرج والغناء والموسيقى والمنكرات ودور السينما ووقف تدخل السوفيات والهند وايران في شؤون الحكومة الافغانية. كان رد رباني ايجابياً ووعدهم خيراً. وحسب رواية طالبان فإن المستشارين الشيوعيين أوغروا صدور الاحزاب ورباني وخوفوهم منهم، وحرضوهم عليهم فغدر مسعود بوفد الطلبة واغتال مئتين وخمسين طالباً منهم في مذبحة واحدة، كان معظمهم من حفظة القرآن، ووقعت الحرب بين الطلبة ورباني ومسعود وانضمت قوات حزب يونس خالص وكذلك الشيخ حقاني وقواد حزب الانقلاب الاسلامي ومئات من العلماء والطلبة الى "طالبان"، والتحق معظم قادة سياف بهم، وكذلك بعض قواد حكمتيار. دخلت "طالبان" كابول بسهولة نادرة، وذلك نتيجة الرعب والذعر الذي دب في قوات مسعود بعدما دب الخلاف بينهم وبين الحامية التابعة لحكمتيار، والتي كشفت ظهر كابول بلا قتال حيث كان مسعود وحكمتيار يتبعان الكيد لبعضهما على رغم مواجهة "طالبان" الذين طاردوا كبار الشيوعيين وألقوا القبض على بعضهم وأعدموا الرئيس نجيب الله بعدما أخرجوه عنوة ضاربين بعرض الحائط حماية وحصانة مركز الأممالمتحدة هناك، وعلقوه مشنوقاً. ورد قائد "طالبان" على مسؤول الاممالمتحدة عندما قال له إنكم خرقتم قوانين الاممالمتحدة قائلاً: "لدينا نحن قوانين الله فوق الأممالمتحدة"، ثم انضم قلة من فرق الاحزاب بقيت مع مسعود الى قوات دوستم التي صارت الكتلة الرئيسية وأيدت باكستان "طالبان" بقوة وساعدتهم ودافعت عنهم ورأت فيهم تعديلاً للكفة في مواجهة حلف ايران والهند وروسيا. وحين عاد اسامة بن لادن الى افغانستان مجدداً عام 1996 بعدما ترك السودان لم ينزل اصلا على "طالبان" وانما كان في جوار أحد كومندات الحزب الاسلامي بزعامة الشيخ يونس خالص في منطقة "ننكهار" وعاصمتها "جلال اباد"، وبعد أشهر عدة دخلت "طالبان" جلال اباد واستتب لهم الأمر فيها. ومرت وفود مسلمة على بن لادن مجددة الجوار، وكان مما قاله أحد قادة "طالبان" لبن لادن: "يا شيخ بلادنا هذه ليست أرض الافغان، إنها أرض الله، وجهادنا هذا لم يكن جهاد الافغان وإنما جهاد المسلمين وهؤلاء شهداؤكم في كل البلاد تشهد قبورهم وانتم بين أهليكم وذويكم، ونحن نبارك التراب الذي تمشون عليه". في المقابل أعلن بن لادن أنه يؤيد فتوى الشيخ حقاني والشيخ يونس خالص، في أن قتال دوستم مع طالبان "هو جهاد بين المسلمين والكفار الملحدين، وان دعمه بالنفس والمال واجب". هكذا كان رأي "جماعة الجهاد" في التطورات التي قادت "طالبان" الى السيطرة على الحكم في افغانستان وتجربة "الأفغان العرب"، لكن آراء أخرى طرحت بينها ما ورد في العدد الأول من نشرة "طلائع الفتح" التي وصفت "الافغان العرب" بأنهم صاروا "كالأيتام على مأدبة اللئام" واعتبرت أن غياب الوعي السياسي وفقدان القيادات الرشيدة "دفع هؤلاء الشباب المخلصين خير فلذات اكباد هذه الأمة الى الضياع والتيه، فبعضهم وإن كان قلة تورط في القتال الداخلي الافغاني بعد سقوط نجيب واكثرهم خرجوا من باكستان إلى الصومال والبوسنة والشيشان وطاجيكستان وبلاد الواق واق بلا هدف، فمن يدفع ثمن التذاكر ويوفر الكفالات ويُحرك هؤلاء المساكين كأحجار الشطرنج، يظنون بالشيخ انه أعرف وأدرى منهم فيسلمون قيادهم له ولمن يظنون بهم الخير"، وقالت النشرة: "ان مشكلة العرب الافغان مع الطلبان معقدة متشعبة فالعرب اصلاً كانوا ينكرون تعصب الافغان للمذهب الحنفي والتقليد الاعمى والخرافات المنتشرة بين افراد الشعب الافغاني، فإذا بعض القيادات الجهادية العربية تعقد حلفاً مع اسوأ من يمثل التقليد والجهل، وفي السابق سمعنا من البعض بدافع من الغرور والجهل دعاوى بالغاء المذهب الحنفي إذا ما قامت دولة للاسلام، واليوم نرى هؤلاء وقد كتبوا المكاتيب في نشر فضائل الطالبان المزعومة، والواقع ان السطحية والجهل في تناول القضايا الاسلامية عند من يتصدون لقيادة بعض الفصائل الاسلامية هي التي تدفع الامور بهذه الطريقة، فبعض الاخوة العرب يعيشون في اوهام مثالية عن دولة اسلامية يرونها في الخيال والاحلام فإذا ما جاء البعض وأعلن عن بعض القشور الاسلامية التي تحمي تحتها ما تخفي، سارع الاخوة الطيبون الى التأييد والمباركة وقد حدث هذا في حالة الطالبان والجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر والاتحاد الاسلامي في الصومال وكذلك في قضايا الشيشان وطاجيكستان والبوسنة اندفاع عاطفي اعمى بلا حساب ولا ضوابط ... اما المشاريع الاساسية والتي تتعارض مع التصورات الاميركية والغربية فنحن أذن من طين واخرى من عجين اين فلسطين؟! اين ما يحدث الآن في السودان....؟". وفي نقد لاذع لتجربة الحركات الاسلامية في افغانستان جاء في النشرة: "ان حركة الاندفاع العفوي للأمة أوعى بكثير من الاسلاميين الذين وقعوا فريسة لقيادات ساذجة جاهلة نفخ فيها الاعلام حتى صارت بالونات هواء تصنع الفرقعات هنا وهناك ويدفع الشباب المسلم الثمن بالدم، ويفقد المسلمون عوامل قوتهم ابناؤهم واموالهم واوقاتهم في ما لا طائل منه... أفيقوا ايها الاخوة وكفى ما ضاع منا بسبب تولي الجهلة قيادتنا".