على الرغم من أن العقلية الغربية بشكل عام لا ترجح الترويج للشعوذات وعوالم الأشباح.. غير أن الولاياتالمتحدة تظل، وربما على مستوى الخيال الشعبي استثناء وحيدا عبر ما تروجه صناعة السينما الضخمة في هوليود أو عبر مسلسلات التليفزيون والدراما بشكل عام. لكن ربما يكون خيال صانعي هذه الأفلام بمثابة نوع من التأكيد على خلو الواقع من هذه الخيالات، وأن ما يعرضونه لتسلية الناس وإثارة مشاعرهم ليس إلا فيضا من جنوح الخيال في ذروة تجلياته. ولهذا يظل لغز ابن لادن عصيا على فهم الكثيرين، ليس في الولاياتالمتحدة فقط، وإنما في أرجاء واسعة من العالم. فكيف تحول أسامة بن لادن إلى شبح؟ لا تستطيع القوات الأمريكية الوصول إليه.. ولا تحديد مكانه رغم كل إمكانياتها في ملاحقة خصومها، خاصة وأن لها تاريخاً طويلاً في ذلك، لعل هوليوود أيضا كان لها دور في تأكيد قدرة الولاياتالمتحدة على ملاحقة خصومها أيا كانت قوتهم أو درجة ذكائهم. ولعل هذا ما يؤكد أهمية كتاب «حروب الشبح» للكاتب الصحفي الأمريكي «ستيف كول».. مدير تحرير صحيفة «واشنطن بوست». وبشكل شخصي تدهشني مثل هذه الكتب بسبب الجهد الرائع المبذول فيها للحصول على المعلومات والدقة الشديدة التي تعالج بها التفاصيل ففي هذا الكتاب، لا يهتم الكاتب بمجرد الإشارة إلى معلومات أو وقائع، وإنما تمتد إلى سرد الجانب التاريخي لكل شخصية يتم تناولها والمرجعية البيئية والثقافة التي نشأ فيها، كما يرسم الملامح النفسية للشخص وللمكان - بما يجعل القارئ وكأنه يعيش اللحظة التاريخية التي يرصدها المؤلف. ومن المؤكد أن المناخ الذي يوفر المعلومات للصحافة والإعلام بكل حرية له دور كبير في إنتاج مثل هذه الكتب المهمة لكن، هناك، في الوقت نفسه جهدا كبيرا يبذله الباحث أو الكاتب في تدقيق هذه المعلومات ومراجعتها وتحليلها مما يجعل من القراءة متعة يحرص على توفيرها أغلب الكتاب في الغرب. ولا يتوقف الجهد المبذول في كتابة الكتاب، وإنما يتعدى ذلك إلى عشرات المقابلات التي يجريها الكاتب مع مصادر معلومات مختلفة. ولكن ستيف كول ينوه في بداية هذا الكتاب إلى أنه استعان في إعداد الكتاب بباحث شاب هو «جريف ويتي» وهو متخرج من جامعة برينستون عام 2000 كان قد تخصص في دراسة التاريخ، ومراسلا لصحيفة «ميامي هيرالد» ويوضح المؤلف أن دور جريف ويتي كان دور الشريك الكامل في إعداد كل مراحل الكتاب بالإضافة إلى رحلات قام بها إلى أفغانستان ودبي وعدد من الولاياتالأمريكية لإجراء مقابلات مع عشرات من المصادر الذين أثروا هذا الكتاب بالمعلومات. وفي الفصل الخامس من الكتاب يقدم «ستيف كول» تقييما للوضع بين المجاهدين الأفغان والاتحاد السوفيتي بعد مرور نحو ثلاث سنوات من الغزو السوفيتي لأفغانستان وهي الفترة ذاتها التي استمرت خلالها الولاياتالمتحدة في تقديم الدعم للمجاهدين عبر فرع وكالة المخابرات الأمريكية في باكستان وعملائها من الأفغان أو الهنود والباكستانيين. ففي يناير عام 1984 قدم مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية «ويليام كاسي» تقريرا موسعا للرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان عن الوضع في أفغانستان.. وكان المجاهدون الأفغان حتى ذلك الوقت، ومنذ بدء العمليات قد قتلوا وجرحوا نحو 17 ألف جندي سوفيتي، ويسيطرون على 62 بالمئة من المناطق الريفية في أفغانستان وبفعالية كانت تحتاج من إدارة الاتحاد السوفيتي أن تضاعف حجم قواتها ثلاث أو أربع مرات لكي تتمكن من السيطرة على الموقف. وكانت القوات الروسية قد فقدت ما بين 350 إلى 400 طائرة وفقا لتقديرات جهاز ال «سي آي إيه» كما قام المجاهدون بتدمير نحو 2750 دبابة روسية بالإضافة إلى نحو 8000 ناقلة وسيارة. وبلغت تكلفة الحرب في الجانب السوفيتي حتى ذلك الوقت 12 مليار دولار أمريكي. بينما كانت تكلفة هذه الخسائر بالنسبة للولايات المتحدة هي 200 مليون دولار أمريكي دفعها دافعو الضرائب الأمريكيين و200 مليون أخرى حصلت عليها الولاياتالمتحدة من بعض حلفائها في المنطقة. وفي العام نفسه كان هناك لغط كبير حول إنفاق وكالة المخابرات الأمريكية في الولاياتالمتحدة، وكان أعضاء الكونغرس من المحافظين أنصار رونالد ريغان قد ارتفعت نبرة اعتراضهم على البنود المخصصة من الميزانية للحرب الأفغانية. وفي واشنطن التقى «كاسي» بالعديد من رجال الكونغرس وتابع ملاحظاتهم، وانتقاداتهم، حول الوسطاء الذين يقومون بتمرير السلاح إلى الأفغان أمثال عبد الحق. ثم التقى كاسي بماكماهون.. الذي كان ضابطا بفرع الوكالة بالشرق الأدنى وتناقش معه. وفجأة تناثرت أقاويل من وزارة الدفاع الأمريكي «البنتاغون» تشير بأن المجاهدين ربما يكونوا أكثر فاعلية إذا قام الجيش الأمريكي نفسه بدور أكثر فعالية. وكان ذلك يعني انتقاداً غير مباشر لجهاز المخابرات الأمريكية، لكنه انتقاد من النوع الثقيل لأنه يعني ببساطة فشل المخابرات في مهمتها، وأن الجيش الأمريكي هو البديل في هذه الحالة. وعلى الفور بدأ كاسي في التحرك.. وكان يقول لنفسه إنه، ربما، بالفعل أن الانتقادات التي توجه للوكالة تستحق أن ينظر لها بعين الاعتبار. وهكذا كتب مذكرة إلى ماكماهون أوضح له فيها أنه بسبب المبالغ المنفقة على العملية والانتقادات الحادة التي تتعرض لها فإن برنامج أفغانستان سيتم إعادة تقييمه بالكامل. وكان أول قرار لكاسي هو تعيين رئيس جديد لفرع الوكالة في إسلام أباد بدلا من «هوارد هارت» . وفي الصيف تم اختيار «ويليام بيكني» من فرع الوكالة في باريس حيث كان يعمل نائبا لرئيسها إلى إسلام أباد خلفا لهارت. وكان بيكني قد عمل في كل من غينيا وتونس قبل ذهابه إلى باريس، وكان، مقارنة بهارت عميلا أو ضابطا يتسم بضبط النفس، أقل عنفا وتجهما من سابقه. كما أنه لم تكن لديه نزعات اقتناء الأسلحة. وبالإضافة لكل ذلك فقد اتسم بيكني بأنه متوازن، قادر على ضبط وإيجاد الموجة المناسبة ويجيد توجيه وبناء فرق العمل. وكانت إحدى مهامه الأساسية هي استقبال رجال الكونغرس في إسلام أباد والتحدث معهم بهدوء وإيضاح ما يجري بحيث يقنعهم في النهاية بان كل شيء يسير على ما يرام، وأن عليهم أن يبقوا أنفسهم بعيدا عما يجري في المخابرات، أما التعامل مع البنتاغون فهي دائما من المسائل التي يجب الحذر فيها لأن ميزانية الوكالة مرتبطة بوزارة الدفاع، ولهذا لابد من التعامل معهم بحذر وبأكبر قدر من التوازن. وانتهى الأمر بتخصيص مبلغ 250 مليون دولار أمريكي من ميزانية وزارة الدفاع لعام 1985 إلى وكالة المخابرات الأمريكية كتمويل لمشروع دعم الأفغان، وهي ميزانية تعادل ما تكلفه المشروع كله على مدى أربع سنوات. وكتب «كاسي» وثيقة جديدة رفعها إلى الرئيس الأمريكي ريغان.. أكد له أن الهدف الذي ستقوم الوكالة بتحقيقه ليس أيا مما اتفق عليه سابقا، وإنما أصبح يتمثل في طرد السوفييت من أفغانستان. وبعدها انتقل إلى إسلام أباد في نهاية عام 1984 وقرر أن يذهب بنفسه إلى أفغانستان بعد أن شاهد معسكرات تدريب المجاهدين في باكستان وشعر بأنها مجرد مهام روتينية ليست ذات قيمة كبيرة، والتقى هناك بالمسئول عن مراكز التدريب ويدعي أخطر. وفي نهاية هذه الرحلة كان «كاسي» قد قرر دخول العمليات مرحلة جديدة اعتبرت من أخطر العمليات في تاريخ مواجهات جهاز المخابرات الأمريكية والسوفيتية، وكانت تتركز ليس على مجرد سيطرة المجاهدين على الوضع في أفغانستان، وإنما بدء مرحلة جديدة يدخل فيها المجاهدون إلى الاتحاد السوفيتي نفسه. وبدأ العمل على مستوى آخر، فقد كان على معرفة بالمنطقة وخاصة منطقة آسيا الوسطى من البلطيق إلى أوكرانيا كما أنه عرف من بعض الخبراء والمتخصصين أن المنطقة التي تضم عرقيات أوزبكستان وتركمان والطاجيك وكازاخستان لهم مشاعر إيجابية ورغبة حقيقية في الإسلام. بالشكل الذي سبب قلقا للحكومة السوفيتية لمعرفتها بأن هؤلاء يحاولون الحصول على نسخ من القرآن وتسجيلات لأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. وأعطى كاسي أوامره بحيث يقوم مجموعة من أهل أوزباكستان الذين تم نفيهم إلى ألمانيا بترجمة نسخة من القرآن إلى اللغة الأوزباكستانية.. وطبع منها خمسة آلاف نسخة ووزعها على المجاهدين في أفغانستان، وعلى مجموعة من أهل تلك المنطقة في آسيا الوسطى داخل حدود الاتحاد السوفيتي. ومع حلول منتصف عام 1985 كان الأمريكيون يتابعون أخبار نموذج لقائد أفغاني حقق شعبية كبيرة، وكان على عكس القادة الآخرين يرفض اصطحاب المجاهدين إلى معسكرات التدريب في باكستان ويحرص على أن يقوم أتباعه بتنفيذ مجموعة من التدريبات الاستراتيجية تحت إشرافه المباشر. وكان هذا الشخص أحد القادة الذين تولوا قيادة المجاهدين الأفغان داخل حدود الاتحاد السوفيتي، وهو ما دفع ويليام بيكني لإبداء رغبته في اللقاء بهذا الشخص الذي عرف أن اسمه هو «أحمد شاه مسعود» . ويتتبع كول السيرة الذاتية لأحمد شاه مسعود الذي ولد عام 1952 في بلدة صغيرة تعرف باسم وادي بانشير، لأب كان يعمل ضابطا في جيش الملك ظاهر شاه. وانتقلت العائلة إلى كابول عندما كان أحمد شاه في الحادية عشرة من عمره. ورغم أن البلدة التي ولد بها كان أغلب أهلها من الأميين إلا أن أباه وأمه كانا من القلائل الذين اعتبروا استثناء من هذه القاعدة. كان الأب قد أتم تعليمه حتى تخرج عسكريا، أما الأم فلم تكن تجيد القراءة والكتابة لكنها تنحدر من أسرة يعمل أغلبهم في المحاماة، فتعلمت القراءة والكتابة بنفسها وأصرت على تعليم أولادها وبناتها الأربعة بشكل جيد. كما كانت حريصة على أن يتعلموا الأشياء التي تجعلهم يمارسون الحياة ويكونون بها رجالا مثل الفروسية والاحتكاك بالناس والتفاعل معهم والرماية. وكانت سيدة ذات شخصية قوية ما جعل أبناءها يخشونها ويعملون لها ألف حساب. في نهاية الستينات كان أحمد شاه قد أنهى دراسته العليا وأوشك على الالتحاق بالجامعة.. وفي ذلك الوقت كان الأب قد تقاعد عن العمل العسكري وانتقل بعائلته للسكن في بيت كبير أنيق في أحد أرقى أحياء كابول، ويتكون من سبع غرف ويطل على مشاهد بانورامية بديعة، كان مسعود قد أكمل دراسته الثانوية في مدرسة «ليسيه الاستقلال» إحدى المدارس الفرنسية المخصصة للنخبة. وكان مجيداً للغة الفرنسية إضافة لتفوقه بشكل عام وهو ما أتاح له فرصة الحصول على منحة للدراسة في إحدى الجامعات الفرنسية. وكانت هذه بمثابة فرصة جيدة للابتعاد عن أجواء كابول المتربة وأحيائها الفقيرة، لكن أحمد شاه فاجأ أسرته برغبته في البقاء في كابول والدراسة بها. وقرر الدراسة في معهد كابول التقني. حيث أبدى ميولا لدراسة الرياضيات والعلوم.. لكن حلمه الأكبر كان الالتحاق بالجيش مثل والده. كانت العائلة قد حرصت على نشأته كمسلم ملتزم بتعاليم الإسلام ومناوئا للأفكار الشيوعية. وبعد انتهاء العام الأول من دراسته أخبر أسرته على انتمائه لجماعة سرية اسمها منظمة شباب المسلمين. ولم تكن التعاليم الدينية التي تلقاها أحمد شاه تماثل ما نشأ عليه أبوه، وإنما كانت مجموعة من الأفكار الدينية التي أخذت طابعا متشددا تعلمها عن مجموعة من المدرسين الأفغان الذين تعلموا في بعض البلاد الإسلامية، وخاصة في الأزهر بمصر، وبين هؤلاء كان عبد الرب رسول سياف وبرهان الدين رباني اللذان احتكا بالجماعات الراديكالية الإسلامية في مصر وتأثرا بأفكارهما.. وعندما عاد هؤلاء المدرسون إلى كابول منتصف الستينات أثروا بأفكارهم في طلبتهم وبينهم أحمد شاه مسعود وهي الأفكار التي تتأسس على كتابات سيد قطب التي أصبحت بمثابة «المانيفستو» الذي تعلمه آخرون من أنصار الجماعات الإسلامية في مصر وعدة دول عربية وإسلامية أخرى.. ومنهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وفي عام 1973 اختار أعضاء التنظيم الجديد في جامعة كابول زميلهم جلب الله (قلب الله) حكمتيار زعيما لهم رغم وجوده آنذاك في السجن متهما بقتل شخص أعلن انتماءه لأفكار ماوتسي تونغ. وتعلق مسعود بتعاليم رباني. الذي ما أن يسمعه يخطب حتى يهرع للاستماع إلى خطبه. وعند بدء الانقلاب الذي قاده محمد داود (ابن عم الملك ظاهر شاه) مدعوما من الشيوعيين في عام 1973 كان مسعود عضوا أساسيا نشطا في منظمة شباب المسلمين بينما أعلن رباني ضرورة أن يسلك التنظيم آنذاك مسلك الجهاد المسلح فبدأوا في طلب السلاح ومحاولة إقامة اتصالات مع الجيش الأفغاني. وعندما بدأ داود في السيطرة على الموقف ومواجهة الإسلاميين اتجه كل من حكمتيار ومسعود ورباني مع باقي أعضاء التنظيم إلى باكستان. وهناك وبصحبة خمسة آلاف شاب من أنصار التنظيم تلقوا تدريبا عسكريا تحت إشراف وبتوجيهات رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو والجنرال نصير الله بابار.. وقام بابار مع حكمتيار بعمل خطة للانقلاب على داود لتنفيذها خلال عامين، وأرسل مسعود مع فريق من المقاتلين لبدء أول ثغرة.. لكنها باءت بالفشل وعاد مسعود إلى باكستان مرة أخرى. ومع توالي اخفاقات حركات التمرد الإسلامية ضد عنف الحكومة الأفغانية قرر حكمتيار إنشاء تنظيم خاص به عرف باسم «الحزب الإسلامي» الذي أقامه على أسس طائفية تحيز فيها للبشتون الذين ينتمي إليهم مما جعل مسعود يرتبط برباني في الجماعة الإسلامية، وبحلول عام 1978 كان قد فقد الثقة في كل القيادات الإسلامية في الحركات المناهضة للشيوعية، فذهب إلى مسقط رأسه بوادي بانشير واصطحب فريقا من أنصاره وانطلق معلنا الجهاد ضد الحكومة الحاكمة المدعومة من الاتحاد السوفيتي. وعندما بدأ الغزو السوفيتي لأفغانستان كان بدهيا قيادة مسعود لأنصاره في المعركة، وبدأت اتصالاته مع أجهزة المخابرات البريطانية التي قدمت له بعض الدعم، كما اتصل به الفرنسيون ثم جهاز المخابرات الأمريكية. وقد أدهش مسعود زواره من الإنجليز والفرنسيين بسبب هدوئه وإجادته للغة الفرنسية وثقته في نفسه، وقدراته ومهاراته الذائعة الصيت في القيادة العسكرية . ولهذا فقد استطاع مسعود إقناع كل هذه الأطراف بمده بالمعونة اللازمة، من الأدوية والمقويات لأفراد الجيش إلى أجهزة الأشعة لتحديد طبيعة الكسور لدى الجرحى وأجهزة الاتصال لكي يقود جماعته عن بعد، والأهم من هذا كله الصواريخ المضادة للطائرات التي يقذفها الجنود من على أكتافهم. وكان ما تلقاه مسعود كفيلا بتحريك الأمور إلى درجة غير متوقعة إذ بدأ الاتحاد السوفيتي يطلب المفاوضات.. وهذا ما جعل مسعود يقول لاحقا انه لولا هذه الإمدادات والمعونات لاستمرت هذه الحرب على مدى 40 عاما أخرى. وبين عامي 1985 و1986 رصدت وكالة المخابرات الأمريكية متغيرا جديدا يتمثل في انضمام الكثير من العرب إلى معسكرات تدريب الأفغان والقتال معهم ضد الاتحاد السوفيتي. وكانت التقارير تشير إلى ظهور اسم ابن لادن، ولكن ليس كمقاتل، وإنما كداعم رئيسي حيث قرر منح مبلغ 300 دولار لكل عربي يقرر الجهاد في أفغانستان بالإضافة إلى دعمه لتمويل السلاح والتدريب وغيرها. وقد تزامن وصول أسامة بن لادن إلى بيشاور مع عائلته (زوجته وأول أبنائه) في نفس توقيت وصول رئيس جديد لفرع الوكالة الأمريكية للمخابرات في باكستان «ميلتون بيرون» وذلك في يوليو عام 1986، وهو العام ذاته الذي قرر فيه أيمن الظواهري الانطلاق إلى بيشاور بعد إطلاق سراحه من السجون المصرية حيث كان أحد المتهمين في قضية اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات. كما بدأت تقارير المخابرات الأمريكية ترصد دوائر العلاقات بين أسامة بن لادن وعبد الله عزام. وبالإضافة إلى المكتب الذي أسسه ابن لادن في الولاياتالمتحدة لدعم إيفاد المجاهدين العرب إلى أفغانستان أنشأ معسكرا تدريبيا عسكريا للمجاهدين في بيشاور وأسماه «عرين الأسد». وفي عام 1986 كانت المحادثات في الكرملين قد أخذت طابعا حادا للنقاش حول جدوى الوجود العسكري في أفغانستان وكان الرئيس السوفيتي الجديد الذي تولى الحكم قبل عشرين شهرا من نوفمبر 1986 يتساءل عن جدوى هذه الحرب التي تبدو بلا نهاية وكان قرار غورباتشوف الاستراتيجي في 13 نوفمبر 1986 هو محاولة إنهاء الحرب خلال عام أو عامين على أقصى تقدير. يقول ستيف كول ان هذا النقاش كان واحدا من أهم المباحثات التي حددت سير الحرب الباردة عبر تاريخها لكن جهاز« السي آي إيه» لم تكن لديه معلومات عن هذه المباحثات في ذلك الوقت. وبدأت المفاوضات السرية بين غورباتشوف ونجيب الله الرئيس الأفغاني المدعوم من روسيا آنذاك والتي كان غورباتشوف يحاول فيها إقناعه بمحاولة السيطرة على الوضع لمدة عام أو عامين آخرين بحد أقصى حتى يتم وضع السيناريو المناسب لإنهاء هذه الحرب.وفي تلك الفترة أيضا بدأت الاتصالات بين موسكووواشنطن، لكن واشنطن أكدت أنها لا دخل لها بأية عمليات تجرى داخل الأراضي الروسية، بل إن رئيس فرع المخابرات في باكستان «بيرون» اتصل بنظيره الروسي «يوساف» وحدثه بشكل ودي يرجوه ألا يبدأ حربا عالمية ثالثة، بينما أعلن ضياء الحق ليوساف أنه سوف يسحب أنصاره من المجاهدين فورا.وفي 17 إبريل عام 1987 قامت طائرات مروحية روسية ومقاتلات بضرب معسكر ابن لادن في «جاجي»، ووجد ابن لادن نفسه وبصحبته 50 فردا من المجاهدين في مواجهة مئتي مقاتل روسي وهي المواجهة التي استمرت على مدى أسبوع كامل، وقتل فيها 12 فردا من المجاهدين وأصيب ابن لادن خلالها في ساقه.. واضطر للانسحاب.. لكنه لفت انتباه الإعلام لأول مرة وبدأ يحقق سمعة دولية لوجوده كمقاتل بين المجاهدين الأفغان. (وكالة الأهرام للصحافة)