سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحياة في وادي بنجشير بين جبال تتفجر زمرداً مول المجهود الحربي خلال الجهاد ضد السوفيات . المقاتلون العرب أفضل تسليحاً في مناطق "طالبان"... وفي أراضي مسعود مقاتلو سياف "أثرياء"
رغم أن وزير الدفاع في الحكومة الأفغانية المخلوعة أحمد شاه مسعود حقق خلال الأيام القليلة الماضية انتصارات ميدانية في مواجهة قوات "طالبان"، بعد سلسلة من الهزائم والتراجع العسكري الذي افقده مناطق كانت تحت سيطرته، إلا أن أنصاره يحسون باكتساح "طالبان" لمعظم الأراضي الأفغانية من جهة، ويخشون ان يفقدوا السيطرة على أراضيهم، من جهة أخرى. وهذا يجعل إمكان سيطرة "طالبان" على كل الأراضي الأفغانية أمراً غير مستبعد. وعندما دخلت "الحياة" أراضي مسعود، قابلت في البداية قائد خط المواجهة الأمامي، وكان رجلاً في العقد الخامس من عمره، وهو ضابط سابق في جيش نجيب الله، اسمه عبدالخالق باينجار، مدخن شره، في الدقائق العشر التي أقلنا فيها بسيارته، التهم ما يزيد على خمس سجائر. وقال إن رتبته كانت فريقاً أول في جيش نجيب الله وانه كان قائداً للفرقة 55 في مطار تخار آنذاك. وقال بعض أعوان مسعود ل "الحياة" إن عبدالخالق "شيوعي". لا فرق ملحوظاً في أعمار المقاتلين بين صفوف "طالبان" أو صفوف مسعود. واللافت ان أعداداً كبيرة من حملة السلاح تراوح أعمارهم بين 16 و25 سنة. والدعابات محور أحاديثهم، ما لا يعطي انطباعاً أنهم على خط النار. وربما كان ادمان الحرب والقتال سبباً في ذلك. كان اطلاق النار على أشده عندما عبرت "الحياة" خط المواجهة من صفوف "طالبان" إلى صفوف مسعود، ولم تكن المسافة بين الصفين تتجاوز كيلومتراً واحداً. ولدى الوصول إلى معسكر مسعود، كان عبدالخالق يقول إن له أصدقاء في الطرف الآخر "طالبان"، وهم يتحدثون أحياناً عبر جهاز اللاسلكي ويتبادلون عبارات أخوية ثم يختمون حديثهم بتوجيه المدفعية ضد بعضهم. وقال عبدالخالق إن قائداً تابعاً لمسعود اسمه زالمي له اخوان في صفوف "طالبان"، وهما يتواجهان يومياً. وكانت "الحياة" شهدت في الطرف الآخر حواراً عبر اللاسلكي بين رجلين من الفريقين. كان دويدار القائد العسكري في "طالبان"، يضحك على الحوار، وهذه ترجمة جزء منه: هل أنت مسلم؟ - أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، هل يكفي هذا لتقبلني مسلماً؟ لكن تصرفاتك لا تدل على ذلك؟ - أنتم لا تعلمون من نحن، لقد أعلنتم الجهاد على أحمد شاه مسعود، وأنتم لا تعرفون من هو مسعود ومن هم الذين معه. ثم تحول الحوار إلى سباب... وسألت "الحياة" قائد خط المواجهة لدى مسعود، عبدالخالق: هل يفرح ورفاقه إذا أوقعوا خسائر في صفوف عدوهم؟ فقال: "نحن مجبرون على ذلك. وإلا لا أحد يحب أن يقتل أخاه المسلم". واستشهد على ذلك بقصة، وقال: "أسرنا ذات مرة مولوي في صفوف طالبان، وأخذ أحد عناصرنا ساعته عنوة، فلما رأيت ذلك، نهرته وضربته وأعدت الساعة إلى صاحبها. وبادلناه بخمسين أسيراً". الملاحظ في صفوف مسعود ان كثيرين من مقاتليه يرتدون بزات عسكرية وهو ما لا يراه المرء في صفوف "طالبان". ويتبين ان هؤلاء بقايا الجيش النظامي لحكومة الرئيس المخلوع برهان الدين رباني التي كان مسعود وزيراً للدفاع فيها. وبعد قليل وصلت "الحياة" إلى دار في مدينة شاريكار، عاصمة ولاية باروان. كان في انتظارنا مساعد مسعود، وهو أحد أبرز قادته المقاتلين وأشدهم قوة، كما سمعنا عنه. كان اسمه بأسم الله خان. شخصيته عكس شهرته، فهو رجل لطيف جداً هادئ الطباع. قال ل "الحياة" إنه درس العربية وكان يتحدثها بطلاقة، لكنه نسي كثيراً منها لأنه لم يستخدمها منذ 20 عاماً. تعلم بأسم الله خان العربية في مدرسة ابي حنيفة في كابول. وكانت مدرسة للعلوم الدينية، وكان كثير من مدرسيها عرباً، من السعودية ومصر وغيرهما. وعندما جاءت حكومة تراقي الشيوعية إلى الحكم، أغلقت المدرسة التي انتقلت إلى بيشاور في باكستان. وقال بأسم الله خان إنه لا يزال يذكر استاذه السعودي، عبدالعزيز، الذي كان يدرسهم الفقه، وكان عالماً، حسب قوله. ويتذكر بأسم الله مدرساً مصرياً سأله مرة، ما معنى ان يكون اسمه كذلك؟ فأجاب "سماني به والدي"، فأطرق المدرس ثم قال: إذا جاءك ولد في المستقل فسمه "الرحمن الرحيم" حتى تكتمل البأسملة! وطلبت "الحياة" من بأسم الله خان الإجابة على بضعة أسئلة وهي: ماذا تريدون من "طالبان"؟ - نريد منهم طرد الأجانب الباكستانيين في صفوفهم إلى خارج البلاد، وأن ينظروا إلى القوميات المتعددة في افغانستان بعين المساواة. لكنكم انتم تحصلون على دعم من دول أجنبية، مثل إيران وطاجيكستان والهند؟ - هذا صحيح، هم يدعموننا لكننا نحن الذين نقاتل. ثم ان دعمهم يتمثل بالسلاح فقط. نحن ندفع الأموال لنشتري منهم السلاح، كما أنهم يقدمون لنا دعماً لوجستياً. ومن أين لكم الأموال؟ - لا تنس ان مصارف أفغانستان كلها في يدنا. ما زلنا نحن الدولة المعترف بها عالمياً. والمصارف الأفغانية في أيدينا. وما يغطي النقد الأفغاني تحت تصرفنا. هل يقاتل مسعود عن نفسه أم عن برهان الدين رباني؟ - رباني هو رئيس الحزب ورئيس الدولة. ومسعود وزير الدفاع. وهو بالتأكيد تحت قيادته. لكن جميع معارضي "طالبان" خارج أفغانستان ولم يبق إلا أنتم؟ - نحن لأننا في خط المواجهة الأول نعتبر كل الذين خرجوا من افغانستان أعداء لنا. بمن فيهم رباني؟ - ابتسم واطرق قليلاً ثم قال رباني هو زعيمنا. إلى متى تتوقعون ان يستمر القتال في أفغانستان؟ - حتى يتنازل زعماء "طالبان" عن غرورهم ويقبلوا الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ويشكلوا حكومة موسعة. "طالبان" تحقق انتصارات متواصلة، وإذا قدر لها ان تسيطر على مناطقكم داخل أفغانستان فماذا ستفعلون؟ - سنحاول أن نقاتل من داخل بلادنا قدر استطاعتنا. وإن لم نستطع سنأخذ قواعدنا وأسلحتنا إلى دول مجاورة لنقاتل منها ومن الحدود. وكما أعطتنا باكستان موقعاً من أراضيها وواجهنا الروس، سيحدث الشيء نفسه. ما هي هذه الدول؟ - كل الدول التي هي عدوة ل "طالبان". وهي معروفة. قلت لي قبل الحوار إن في صفوف "طالبان" من كان صديقاً لكم وكان معكم أيام الجهاد ضد الروس. لماذا انضموا إلى "طالبان"؟ - لكل شخص فكره وذوقه وتفكيره. المقاتلون العرب أليس في صفوفكم الآن مقاتلون عرب؟ - كان العرب يقاتلون معنا أيام الجهاد، أما الآن فلا يقاتل معنا إلا الأفغان. العرب يقاتلون ضدنا مع "طالبان". معهم يمنيون وجزائريون وفلسطينيون وخليجيون، أكثرهم أنصار اسامة بن لادن. وهل يقاتل ابن لادن مع "طالبان" ضدكم؟ - إذا كان أنصاره يقاتلون ضدنا، فهو بالتأكيد يقاتل ضدنا. قبل أيام، هجمنا على ثلاثة مراكز للعرب. ووجدناهم بعدما قتلوا في المعركة، ولدينا أوراقهم الثبوتية. إنهم أنصار لابن لادن. ووجدنا أسلحة في مركزهم لم نجدها في مراكز "طالبان" التي سيطرنا عليها. اعداؤنا يقولون إن معنا إيرانيين وطاجيكستانيين، لكنهم لا يستطيعون اثبات ذلك. كيف تقوم قدرات "طالبان" القتالية؟ - لو لم يكن الجيش الباكستاني معهم، فإنهم لا يفهمون فنون الحرب. بنجشير... الجنة المعزولة بنجشير هي موطن مسعود ومعقله. اسمها يعني باللغة العربية "الأسود الخمسة"، وهي واد بين سلسلة جبال ممتدة بامتداد الوادي. وليس لها إلا مدخل من طرف الوادي ومخرج من الطرف الآخر. وتمتد الأشجار الوارفة على امتداد الوادي الذي تحيط بجانبيه منازل السكان. ولا كهرباء في بنجشير، لكن بضعة بيوت للمقتدرين تستخدم مولدات كهربائية صغيرة لامدادها بكهرباء ضعيفة. المنطقة تملأها الخضرة وتتدفق المياه خلالها. ومياه بنجشير من أنقى المياه في العالم. ولو سخرت الامكانات، لأمكن تصديرها إلى دول العالم. السكان في بنجشير يحبون مسعود كثيراً، فهو قدم مساعدات كبيرة لهم. وفي شوارع بنجشير الترابية الضيقة يصطف الباعة المتجولون أو أصحاب المحلات الصغيرة والمتواضعة. أحد المحلات هو عبارة عن حاوية تستخدم كعيادة اسنان وفيها طبيب شاب اسمه نور اغا، تخرج من بيشاور قبل أربع سنوات. ويقول إن معدل المرضى الذين يترددون على عيادته يومياً يراوح بين 15 و20 مريضاً. ويعتبر نور المشكلة الرئيسية التي تواجهه هي صعوبة توفير الدواء في بنجشير نتيجة للحصار المفروض على المنطقة. وعلى عكس مناطق "طالبان" حيث لا يحمل السلاح إلا المقاتلين، فإن السلاح منتشر في أيدي الجميع في مناطق مسعود، خصوصاً في بنجشير. وما يخفف من حدة الحصار على بنجشير هو ان المواد الغذائية متوفرة في المنطقة، فالطعام والماء والفاكهة موجودة في بنجشير. الزمرد وفي بنجشير تسمع أصوات انفجارات فتظنها للوهلة الأولى نتيجة الحرب، لكن تكتشف في ما بعد أنها تفجيرات في الجبال لاستخراج الزمرد، أحد أهم الموارد في المنطقة. ويستخرج الزمرد من ثلاث قرى هي: داشت ديوات وسفيت نشير وخنش. ولاستخراجه طريقتان: إما بالتفجير أو الحفر في الجبال. ويبدو ان توفر القنابل جراء القتال جعل استخراج الزمرد بالتفجير هي الطريقة المعتمدة. وقال أحمد شاه مسعود ل "الحياة" إن الناس في بنجشير يستخرجون الزمرد ويبيعونه و"نحن نأخذ ضريبة عليه 10 في المئة. والمبالغ التي كنا نحصل عليها أيام الجهاد أكثر بركة بفعل الجهاد، فقد كنا نحصل على ما يكفي خمسين في المئة من مصاريفنا العامة. أما الآن فلا تكفي ضريبة الزمرد 5 في المئة من المصاريف". ومن أين يوفر بقية المصاريف؟ أجاب: "الدولة دولة رباني تدفع الباقي". ولم يكتف الأفغان في بنجشير باستخدام المتفجرات للقتال واستخراج الزمرد، بل ابتكروا طريقة جديدة لصيد الأسماك بالقنابل، إذ يلقون القنبلة في الأنهار والأودية ويحيطونها بشباك صيد يجمعون فيها ضحية قنابلهم من الأسماك. رواتب المقاتلين في بنجشير، التقت "الحياة" شخصاً تابعاً لعبدرب الرسول سياف زعيم الاتحاد الإسلامي السني الشريك في المعارضة، وقال إن سياف يدفع لكل من اتباعه الذين يبلغ عددهم 7 آلاف، راتباً شهرياً يعادل مئتي دولار، وهو مبلغ مرتفع جداً قياساً إلى الوضع الاقتصادي في أفغانستانوباكستان أيضاً. أما مسعود فأكد ل "الحياة" أنه يدفع للمقاتل من اتباعه ما يعادل خمسة دولارات شهرياً فقط. وعند سؤال كم يدفع حليفه سياف لمقاتليه، قال مسعود: "اتباعي يقاتلون بالروح وليس لأجل المال". في الوقت نفسه يتلقى مقاتلو "طالبان" عشرة دولارات شهرياً، فيما لا يزيد راتب الوزير في حكومة الحركة عن ثمانية دولارات. ورغم محبة أهالي بنجشير لمسعود وقادته، إلا أن الزائر يلاحظ فرقاً في تعاملهم مع الناس العاديين، خلافاً لما يحدث في أراضي "طالبان". فقادة "طالبان" يتناولون وجبة متواضعة ويجتمع كل المقاتلين مع قادتهم على مائدة واحدة. أما قادة مسعود فمائدتهم "فارهة" بمقاييس أفغانستان ولا يشاركهم فيها المقاتلون العاديون. وتتضمن مائدة "طالبان" عادة، البطاطس بالطماطم مع الخبز واللبن الأفغاني. أما مائدة مسعود فتتضمن الرز والبطاطس باللحم والكباب واللبن والفاكهة. مسعود في عيون أنصاره يقاتل سياف في بنجشير تحت مظلة مسعود، في حلف غير معلن أمام وسائل إعلام. ويحرص سياف على عدم الظهور في مواجهة "طالبان" رغم أنه من قادة المجاهدين البارزين وله شهرة كبيرة، خصوصاً في العالم العربي، تحسباً لكل الاحتمالات المستقبلية. فانتصار "طالبان" على مسعود يجعل الأخير الخاسر الوحيد، أما انتصار مسعود فيطال شريكه سياف. والذين يعرفون سياف يدركون أنه داهية يملك القدرة على الاقناع، ما مكنّه من اقناع مسعود أنه كان يقاتله ويعاديه طيلة فترة الجهاد، لأنه كان متأثراً بكلام الناس عنه. ومسعود لا يخسر بالتحالف مع أي أحد ضد "طالبان"، بل يكسب تعزيزاً لجبهته. ويعترف مسعود بأن معظم الذين لا يعرفونه شخصياً يحملون انطباعاً خاطئاً عنه. ويقول إن لذلك أسباباً عدة إحداها "اني كنت بداية أيام الجهاد أسست مجلس للشورى في المنطقة، فكان الناس يقولون: لا يمكن أن يكون أفغاني بهذا التنظيم ولذلك لا بد أن وراءه من ينظمه من الدول الأجنبية". ويضيف انه "أيام الجهاد، أغلق الروس مدخلي وادي بنجشير وحاصرونا ونحن في أحد قمم الجبال، في حين كانت قوات قلب الدين حكمتيار تغلق علينا المنافذ الأخرى. وكان فصل الشتاء اشتد، فأرسلت إلى قادة الأحزاب طالباً المساعدة فاجتمع القادة وقالوا إذا ساعدنا مسعود وخرج منتصراً من هذا المأزق فسيصبح بطلاً قومياً في أعين الشعب. وقرروا أن يرسلوا لي مبلغاً من المال شهرياً كمصروف للمنطقة. وبدأوا بستة ملايين روبية باكستانية، ثم قلص حكمتيار وخالص سياف المبلغ حتى بلغ مليون ومئتي ألف. وعندما جاءنا مندوب سياف بالمبلغ ورأى وضعنا خجل كثيراً من ضآلة المبلغ". ويعترف مسعود بأنه يعاني حالياً من قلة الذخيرة، رغم وفرة المعدات العسكرية لديه. ويقول: "لو كان لديّ سلاح كافٍ لكانت كابول في يدي. لديّ سلاح ولكنه ليس بالقدر الذي يمكنني من السيطرة على كابول، ولا تنسى أن خط المواجهة الأول مع الطالبان يبعد عن كابول 25 كيلومتراً فقط. ولو استطاعوا "طالبان" لابعدوني عنه". وشخصية مسعود آسرة بالنسبة إلى الغريب، فكيف بالقريبين منه. ويكفي أنه الوحيد الذي تصدر لمواجهة "طالبان" بقوة حتى الآن بعدما تخلى حكمتيار عن المواجهة، وكذلك حزب الوحدة الشيعي والجنرال عبدالرشيد دوستم قائد الميليشيات الأوزبكية. وكما أن مسعود مشهور بقدراته العسكرية واجادته فنون القتال، فإنه يجيد الحوار والتحدث بالقدرات ذاتها. درس الهندسة في جامعة كابول، لكنه طرد منها لمناهضته حكومة داود خان آنذاك. وكان ذا ميول عسكرية حتى قبل دخوله الهندسة، إذ أن والده كان أحد جنرالات الحكم في عهد ظاهر شاه. وكان والده هو الذي صرفه عن تعلم الفنون العسكرية إلى الهندسة. وكان مسعود من أميز القادة العسكريين أيام الجهاد الأفغاني. وقبل الجهاد كان ممن يتخذون بيشاور قاعدة لهم لمهاجمة حكومة داود والتحصن في بنجشير ثم العودة إلى بيشاور. ويقول البعض إن جنرالاً بريطانياً هو الذي درب مسعود على القتال ابان الرعاية الأميركية والبريطانية للمجاهدين الأفغان لمواجهة الغزو الروسي. وتم اختياره هو بالذات لتوفر الذكاء والنباهة فيه. ولم يكن مسعود يوماً قائداً لحزب، فأيام الجهاد كان تحت لواء برهان الدين رباني في "الجمعية الإسلامية". وبعد الجهاد، أصبح وزير الدفاع في حكومة رباني. ورغم ذلك، فإنه لم يكن يوماً مرؤساً يأتمر بأوامر رئيسه، بل كان مستقلاً تماماً. ويقول المحللون إنه يتخذ من رباني غطاء سياسياً لتصرفاته وأهدافه. واشتهر مسعود بالتحالفات التي تغضب الآخرين منه أحياناً، وتملأ خيالهم استفهاماً. فهو تحالف مع دوستم ضد "طالبان"، بعدما كانا عدوين لدودين اقتتلا في كابول عام 1992 قتالاً عنيفاً. كما أنه يتحالف مع سياف حالياً ضد "طالبان"، بعدما كانا أيام الجهاد أعداء. وها هو الآن يتحالف مع إيران. ومن غرائب مسعود أنه وقع هدنة مع الروس أيام الجهاد، ففسرها محبوه على أنها قوة، إذ أرغم الروس على توقيع هدنة. وقال اعداؤه وفي مقدمهم حكمتيار إنها سمحت للروس بالتقاط أنفاسهم وترتيب صفوفهم بعدما أعياهم قتال المجاهدين. وهو ما دفع حكمتيار إلى وصف مسعود بأنه "عميل للروس". ويقول الحاج تاج الدين، وهو والد زوجة مسعود، بلهجة يعتصرها الألم: "كان مسعود يريد بعد انتهاء الجهاد ان يزور الدول التي ساعدت المجاهدين، كالسعودية وباكستان، ليشكرها على دعمها طيلة سنوات الجهاد. كما أنه لم يخرج طيلة فترة الجهاد من أفغانستان، ولذلك كان يتمنى بعدما ينتهي الجهاد أن يزور العالم، لكنهم لم يتركوا له فرصة لتحقيق أهدافه".