هيئة السياحة تطلق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    الإمارات.. رجل يقاضي زوجته بسبب «شيك»    المجمعة وحرمة تختتمان صالون أدب    "الأمم المتحدة" تؤكد ضرورة زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة    مدرب الأخضر يستبعد "سالم الدوسري"و"المالكي" قبل لقاء أستراليا وإندونيسيا    رابطة محترفات التنس: الأمريكية "جوف" تقصي المصنفة الأولى عالميًا    «ملتقى البناء السعودي» يكشف عن تقنيات الذكاء الاصطناعي في رفع الكفاءة وتقليل الهدر    إغلاق مؤشرات البورصة الأمريكية على ارتفاع    بيع شاهين ب 210 آلاف ريال في الليلة ال 18 لمزاد نادي الصقور السعودي    في دوري يلو .. الصفا يتغلب على أحد بثلاثية    "موسم الرياض" وهيئة السياحة يحتفلون في اطلاق"Pokémon GO"    أمين منطقة القصيم يفتتح معرض "أشلي هوم" في مدينة بريدة    أمانة القصيم تواصل أعمال تأهيل ثلاث حدائق بمدينة بريدة    عروض المناطيد المضيئة تتلألأ في سماء "شتاء جازان 25"    برعاية نائب أمير منطقة مكة المكرمة.. انطلاق مؤتمر طب العيون 2024    فان نيستلروي فخور بمسيرته كمدرب مؤقت مع يونايتد ويتمنى الاستمرار    النصر يتغلّب على الرياض بهدف في دوري روشن للمحترفين    المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي wuf12 بالقاهرة    القبض على شخص بمنطقة الجوف لترويجه مادة الحشيش المخدر    مدرب الأخضر يضم محمد القحطاني ويستبعد سالم الدوسري وعبدالإله المالكي    المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    بالاتفاق.. الهلال يستعيد الصدارة    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    لصوص الثواني !    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقائع سنوات الجهاد : رحلة الافغان العرب : من كل مكان إلى واشنطن ونيويورك . السادات وضياء الحق سهلا الهجرة : بيشاور تستقطب الجميع 2 من 5
نشر في الحياة يوم 18 - 10 - 2001

تقدم هذه الحلقة تفاصيل دراسة أميركية نشرت عام 1993 توضح كيف أن الرئيس الراحل أنور السادات شجع الاسلاميين المصريين على الانتقال الى باكستان وأفغانستان "بإيعاز من الولايات المتحدة"، وبالتعاون مع الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق الذي ساعد في إقامة مراكز التدريب، وتطورت الأمور بسرعة إذ أصبحت هناك فيالق من المجاهدين الراديكاليين خضع عناصرها لدراسات عقائدية الى جانب التدريب العسكري. ولمعت أسماء قادة هؤلاء المجاهدين ومنهم عبدالله عزام وأيمن الظواهري.
وكان السادات في تلك المرحلة أفرج عن "الاخوان المسلمين" ودعم توجهاتهم، في محاولة منه للقضاء على الناصريين وإرث عبدالناصر.
وضع فريق العمل المختص بالارهاب والحرب غير التقليدية التابع للجنة البحوث في مجلس النواب الأميركي في شباط فبراير 1993 ورقة عمل استغرق اعدادها سنوات عدة ل"دراسة ظاهرة الاصولية الاسلامية وانتشارها في عالم المسلمين السُنّة وطبيعة العلاقة بين الجماعات الاصولية".
تضمنت الورقة تفاصيل عن "قواعد الارهاب في افغانستان وباكستان واثرها في بعث ظاهرة الافغان العرب وتصدير الارهاب والدور الذي لعبه الافغان المصريون في عمليات العنف التي وقعت داخل مصر". وخلصت الى أن "الجماعات الجهادية" ترتبط بشبكات منتشرة في بلدان عدة، لكن أهم ما جاء في التقرير الاميركي التأكيد على أن السادات فتح باب الهجرة الى باكستان وأفغانستان "بإيعاز من اميركا"، وعلى ذلك "تحركت مجموعات تمثل حركة "الاخوان المسلمين" وتنظيمات اصولية متطرفة انضمت الى مجموعات من بلدان عربية عدة وجدت نفسها في ساحة واحدة وفي حوزتها احدث الاسلحة وأرقى التدريب واحتشد الجميع تحت راية الجهاد".
بالطبع فإن الملاحظة الأولى على الورقة الاميركية تتعلق بالاعتراف بأن السادات أقدم على فتح باب السفر إلى أفغانستان بناء على طلب أميركا. أما الملاحظة الثانية فتتعلق بجهل الاميركيين وخلطهم بين "الإخوان" كحركة إسلامية سلمية والتنظيمات الأخرى التي تعتمد العنف وسيلة وسبيلاً للتغيير.
أكدت الورقة ان باكستان "ساعدت في اقامة المعسكرات والاشراف على التدريب وسرعان ما تطور الأمر لتصبح هناك فيالق من كل بلد عالية الكفاء والقدرة القتالية أخضعت لدراسات عقائدية موحدة اشرفت عليها هيئة تنسيق عليا نشطت في جلب متطوعين جدد وارسال فصائل من هذه التشكيلات الى اوطانها لتصبح نواة العمل الارهابي، ولمعت بعض هذه الاسماء بشدة مثل الدكتور أيمن الظواهري والشيخ عبدالله عزام الذي اغتيل عام 1989".
وخلص التقرير الاميركي الى أن الافغان العرب "صاروا يجيدون فنون حرب العصابات وكذلك الحرب النفسية وانهم صاروا قوة لا يستهان بها وأسهم الانتهاء من الجهاد في افغانستان في ايجاد كتائب مجاهدة معدة لا بد أن تجد ميداناً جديداً وعدواً تجابهه".
وإذا كان ذلك هو حديث الاميركيين انفسهم، فإن عضواً من كوادر "الاخوان" سافر موفداً من "الجماعة" الى مدينة بيشاور حيث اقام هناك نحو سنة ونصف السنة يمثل دليلاً دامغاً على وقائع واسرار ظلت خافية لسنوات، أكد العضو السابق في جماعة "الإخوان المسلمين" المهندس سيد حسن رواية الاميركيين حول استجابة السادات للطلب الاميركي بدور مصري في الحرب الأفغانية، وتحدث عن واقعة لقاء السادات بالتلمساني، ثم روى وقائع سنوات الاخوان في بيشاور. ووصف مأساة "الأفغان العرب" بأنها "كانت تعبيراً وإفرازاً كبيراً للخطأ الفظيع الذي ارتكبته الأمة الإسلامية بالاستنفار لدحر الغزو الروسي لأفغانستان بالإنابة عن الأميركيين بالدم والمال الإسلامي". معتبراً ان اميركا "استدرجت السوفيات إلى المستنقع الأفغاني. فهم لم يقعوا فيه إلا بعد أن شعروا أن هناك ضوءاً أميركياً أخضر كما حدث لاحقاً مع صدام حسين حين اعتبر أن الاميركيين أضاؤوا له الطريق ليغزو الكويت".
شكلت الولايات المتحدة حلفاً عقب الغزو السوفياتي لأفغانستان وفضلت أن يبقى الأمر سراً لضرب الروس في أفغانستان، حيث عُقد اجتماع في إسلام أباد حضره الرئيس ضياء الحق والمدير العام للاستخبارات الاميركية ومدير فرع آسيا ومدير الاستخبارات الباكستانية حميد غول، ومندوب عن المجاهدين تم فيه توزيع الأدوار ورسم الخطط لتحرير أفغانستان وسحق السوفيات.
روى حسن ل"الحياة" وقائع ومعلومات تتعلق بدور "الاخوان" في القضية الافغانية وهو كان استقال من ال"جماعة" بعد عودته من بيشاور عام 1989، محتجاً على ما رآه وسمعه وعاشه هناك من تصرفات، وكان سافر الى بيشاور في آيار مايو 1988 وظل هناك حتى نهاية 1989 لكن صلته ب"الإخوان" وعضويته في الجماعة وضعته في مواقف وعى من خلالها ما جرى قبل ذلك بسنوات، وكان شاهداً على تجربة الاخوان في افغانستان وهنا شهادته كاملة.
اعتُمدت باكستان لتكون القناة التي يتم من خلالها ضرب السوفيات، وكانت كل الخيوط تتجمع عند الجنرال غول، وهو ظل، طوال فترة الجهاد وحتى مقتل ضياء الحق، مسؤولاً عن توصيل الدعم العالمي إلى الأحزاب الأفغانية.
جندت الدول الإسلامية ذات العلاقة الجيدة مع أميركا اجهزتها الإعلامية لخلق مناخ مؤيد لدعم الأفغان، خصوصاً الإعلام الرسمي الذي عمل لتجييش مشاعر الناس لصالح القضية الأفغانية حتى تُجمع الملايين من الاموال لتوجه إلى الأفغان فمُولت الحملة الاميركية لضرب السوفيات بأموال المسلمين، ولم تدفع أميركا شيئاً، بل إن عدداً غير قليل من الدعاة غُرر بهم وراحوا ضحية الخطة الاميركية التي ساهمت أنظمة عربية وإسلامية في تحقيقها. وظهرت مواقف دول تتسابق لإرضاء الاميركيين ومازلنا نذكر كيف دعا السادات عائلة صبغة الله مجددي إلى الجامع الأزهر لعقد مؤتمر للإعلان عن نصرة القضية الأفغانية ووصف السادات العلاقة بين المصريين والافغان بأنها كالعلاقة بين الأنصار والمهاجرين في سنوات الإسلام الأولى.
كان دور "الإخوان" في القضية الأفغانية اشد خطورة من الدور الذي اضطلعت به الحكومات، فمن الطبيعي أن تسعى الأنظمة إلى إرضاء الاميركيين، أما "الإخوان" فارتبطوا لدى الناس بمعاني التضحية وكانت الثقة بهم عالية.
ساقت "جماعة الإخوان" الأمة وراءها لتحقيق هدف نبيل لنصرة المجاهدين الافغان وفُتحت السفارات وقدمت الحكومات الإسلامية الدعم للراغبين في السفر إلى أفغانستان، إلى درجة أن بعضها منح دعماً لهؤلاء وبطاقات سفر مجانية، واستمرت في صرف رواتب الموظفين حتى بعدما انقطعوا عن أعمالهم بدعوى السفر لنصرة المجاهدين.
في ظل ذلك المناخ ولدت ظاهرة "الافغان العرب": أمة مضللة من حكوماتها وجماعات ترفع راية الإسلام، شارك الطرفان في تحقيق هدف الاميركيين ومصالحهم. لم يذهب إلى أفغانستان منذ البداية إلا خيرة شباب الأمة الإسلامية، هؤلاء الذين استثارتهم الهمة وارادوا التضحية من أجل قضية الإسلام. وإضافة إلى هؤلاء كان هناك العملاء فالساحة كانت تعج بمئات من عملاء أجهزة الاستخبارات لأكثر من دولة على رأسها أميركا.
وشاهدت ضباطاً في استخبارات دول عدة كلهم ظهروا في صورة المجاهد ذي اللحية الطويلة والملابس الافغانية.
ظاهرة "الأفغان العرب" إفراز سيئ لزواج لا يمكن أن يتم بين مصلحة الإسلام والسياسة الخارجية الاميركية، وكل ما نتج عن القضية من مشاكل لاحقاً بما فيها ما يحدث حالياً من تطورات، كان نتيجة لهذا الزواج غير الطبيعي. وبعد اندحار السوفيات أدارت اميركا ظهرها إلى الأفغان العرب والمجاهدين وانقلبت على هؤلاء واصدرت أمراً بقتل ثلاثة أشخاص.
روى حسن ما قاله له عبدالرسول سياف إن الاميركيين سعوا الى قتل ضياء الحق واسامة بن لادن والشيخ عبدالله عزام. وقبل أن يقتل ضياء الحق بشهر واحد كان حسن التقى سياف الذي قال له إن ضياء الحق كان يتوقع أن تكون نهايته على أيدي الاميركيين، رداً على محاولاته جمع قادة المجاهدين وتوحيد صفوفهم ورفضه مساومة الاميركيين على الغدر بهم، وانه ضياء الحق لا يذهب إلى أي مكان إلا في صحبة السفير الاميركي في إسلام أباد، وبالفعل قتل ضياء الحق ومعه السفير في طائرة واحدة. وعلى رغم أن ضياء الحق جاء إلى الحكم بعد انقلاب عسكري بمباركة اميركية إلا أن فهمه كرجل عسكري للمصالح الاستراتيجية لباكستان وحرصه على توحيد المجاهدين جعله يرفض الغدر بقادة المجاهدين من أجل إرضاء الاميركيين. كان طبيعياً بعد هزيمة السوفيات أن تقام دولة إسلامية في أفغانستان، أيقن الاميركيون أنها لن تكون أداة في أيديهم. طوال فترة الجهاد الأفغاني نجحت اميركا في خلق التناقضات بين الأحزاب الأفغانية فقادة المجاهدين كانوا أعضاء أساساً في حزب واحد، وكل الأحزاب التي نشأت لاحقاً خرجت منه برعاية الاميركيين. وكانت عودة اسامة بن لادن بعد انسحاب السوفيات نتيجة لتلقيه تحذيرات ومعلومات عن خطط اميركية لاغتياله. أما عبدالله عزام فرفض وأصر على البقاء في بيشاور وبعدها بأسابيع قليلة قُتل.
ووفقاً لحسن فإن علاقة "الإخوان" بالقضية الأفغانية والسادات سارت على محورين، الأول: أميركي - ساداتي، والآخر: إخواني - ساداتي. كانت مصر أحد الأركان المهمة التي رأى الاميركيون أن تلعب دوراً رئيسياً في دعم جهودهم في أفغانستان، ولم يكن سراً أن السادات وضع مصر طرفاً في القضية الأفغانية بناء على رغبة اميركية فلم يكن ذلك الطلب الوحيد الذي يستجيب له السادات، الذي كان يواجه معارضة كبيرة من المنتمين إلى التيار الإسلامي بمختلف فصائله رداً على زيارته القدس وتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل واحتضانه شاه إيران.
كان التنسيق يتم في الخفاء بين مسؤولين رسميين بينهم السادات نفسه، وقادة جماعة "الإخوان المسلمين"، وعلى رأسهم المرشد عمر التلمساني. ولأن الأمور الاستراتيجية المهمة لا تتداولها أوساط "الإخوان" إلا بين قادة التنظيم فإن كثيرين لم يعلموا باللقاء الذي جمع السادات والتلمساني وتم خلاله الاتفاق على السماح ل"الإخوان" بالسفر إلى افغانستان للمشاركة في دعم "الجهاد الأفغاني"، لكن الاتفاق نص على أن يقتصر عمل "الإخوان" هناك على الأمور الإغاثية والانسانية وأن تكون مشاركة أحدهم في أعمال القتال أو التدريب على المهام القتالية واستخدام السلاح خطاً أحمر، إذا تجاوزوه سيدفع الاخوان الثمن.
أراد السادات استغلال الثقة التي يتمتع بها "الإخوان" في أوساط الطبقات الشعبية في تجييش مشاعر الناس لمصلحة القضية الأفغانية وتأييد خطواته الداعمة للمجاهدين الأفغان حتى لا يبدو الأمر كأنه استجابة لرغبات اميركية، وفي الوقت نفسه اعتبر "الإخوان" الأمر فرصة لتوسيع نشاطهم بالخوض في غمار جديد وصقل شباب الجماعة وكوادرها وإظهار أنفسهم أنهم يحققون احد شعاراتها: "الجهاد سبيلنا"، على رغم أن الاتفاق لم يكن يتضمن أبداً شيئاً عن الجهاد، لكن التفسيرات التي طرحها قادة التنظيم وقتها على الاعضاء أن "الجهاد" يكون بطرق عدة، وأن الظروف تسببت في أن يقتصر نشاط "الإخوان" في أفغانستان على أعمال الاغاثة الانسانية.
ومثلما وظفت القضية الأفغانية لصالح اميركا والأنظمة الحاكمة استثمر "الإخوان" القضية لصالح عناصرهم ووصل الأمر إلى حد أن أعداداً منهم سافروا إلى بيشاور تحت غطاء المساهمة في العمل الإغاثي، لمجرد أنهم لا يجدون عملاً في مصر وكما كان حال عدد كبير من شباب الشعب المصري الذين يسعون للسفر إلى الدول الخليجية للعمل بحثاً عن رفع مستوى معيشتهم، فإن اعداداً من "الاخوان" سافروا ولم يكن لهم عمل حقيقي هناك، وكثيراً ما صرح قادة المجاهدين أنهم لا يريدون أفراداً من العرب، بل يرغبون في أن تسلم لهم قيمة كلفة تسفير الشخص وإقامته لأن الأمر عندها سيكون أفضل.
لكن ذلك لا ينفي أن بعضاً ممن ذهبوا إلى هناك كانوا بالفعل مخلصين لقضية الإسلام. سافروا وفي نيتهم العمل من أجل الشعب الأفغاني ونصرته. ذهب إلى بيشاور من "الاخوان" أصحاب اختصاصات لم تكن أصلاً مطلوبة هناك. حل الحزب مشكلة البطالة لدى عناصره، وكانت أموال الجهاد التي تسدد من أموال الايتام تصرف لهم، والتبرعات تأتي من الدول العربية.
سافر حسن من أفغانستان إلى الإمارات، وجمع أموالاً كثيرة كان مفروضاً أن توظف في مشاريع لخدمة الأفغان، ذهب إلى هناك وكان واحداً من "الإخوان" لكنه حين عاد رفض تسليم التبرعات إلى المسؤول في بيشاور وكان طبيباً دون الثلاثين، أحضر شقيقه الأصغر وسلمه مسؤولية إدارة الأموال. لم يكن هناك أي ضابط إداري أو مالي لعملية جمع التبرعات أو الانفاق، لم يكن هناك ايصالات، عندما رأى حسن الأمر كذلك، أسس "منظمة" وسجلها لدى السلطات الباكستانية وأبلغ السفارة المصرية في إسلام اباد.
كان "الإخوان" بدأوا تسفير عناصرهم بعد الاتفاق مع السادات وكانت التعليمات الصادرة إلى السفارة الباكستانية وأجهزة الأمن المصرية أن يتم تسهيل سفرهم . وظل الأمر كذلك الى أن وصل "الإخوان" الى مجلس نقابة الاطباء عام 1984 وأسسوا "لجنة الإغاثة الإنسانية". صار السفر يتم من خلالها. سافر بعض الناس وبدأوا عملاً اغاثياً، وتزامن ذلك مع وصول اعداد منهم من دول عربية اخرى، وكل من كان يحضر الى بيشاور يسلم نفسه الى مسؤول "الإخوان" هناك، وما فعله حسن فعله قبله وبعده آخرون.
لم يقتنع، مثلاً، عبدالله عزام بالعمل في اطار "الاخوان" وفقاً لتلك الأسس، وكما يقول المهندس حسن استقل عزام بالعمل وحده، منذ البداية وفتح "مكتب خدمات المجاهدين"، وكذلك الشيخ فتحي رفاعي وهو من "الإخوان" في مصر سافر، وعندما وجد الأمر كذلك انفصل، ومارس نشاطاً وحده خاصاً بمناهج التعليم الافغانية وكذلك حسن الذي أسس "مكتب تعمير افغانستان".
وحتى منتصف الثمانينات لم يكن الراديكاليون المصريون وصلوا بعد وكان سبقهم الى هناك اصوليون عرب من جنسيات أخرى وبعد ذلك التاريخ اسست "الجماعة الاسلامية" وجماعة "الجهاد" معسكرات اقيمت داخل الاراضي الافغانية وغالبية عناصر التنظيمين كانوا من غير المتزوجين في المرحلة الاولى من الحرب. أما عناصر "الإخوان" فذهبوا مع أسرهم وعائلاتهم، وكانوا يقيمون في شقق وفيلات.
تستطيع ان تعيش في باكستان بأقل من مئة دولار شهرياً، وروى حسن واقعة ينطبق عليها المثل المصري "شر البلية ما يضحك"، فقال إن ابن احد قادة "الإخوان" ممن كانوا في افغانستان حين تزوج ارسلوا إليه العروس وذهب جمعٌ الى المطار فاستقبلوها وأقاموا لها زفة وكأن الأمر يجري في مدينة مصرية.
توطدت الصلة بين "الإخوان" وسياف كون قادة المجاهدين الباقين رفضوا مبايعة مرشد "الإخوان"، عندما وافق سياف لأنه ليس معه احد أو جيش أو مواقع أو معسكرات، بدأ "الإخوان" في معاونته بشدة، وذهبت غالبية التبرعات اليه في حين كان الاتفاق بين الاستخبارات الاميركية وباكستان يقضي بأن يتولى حكمتيار الحكم بعد تحرير افغانستان، وعندما كانت العمليات العسكرية تدار بتنسيق مع الاستخبارات الاميركية عبر باكستان، كانت الأسلحة تصل الى المجاهدين الافغان بتمويل من دول عربية، وكانت اعمال الإغاثة تتم عبر الجهود الاهلية التي اضطلع بها "الإخوان" وغيرهم، ووجهت غالبية اموال "الاخوان" الى سياف للصرف على الاعاشة والاغاثة والخدمات التي يحتاج إليها آلاف الافغان المهجرين والنازحين والفارين من ويلات المعارك.
كان بعض العرب يقيم في فيلات تسقط المياه من اجهزة المكيفات فيها على رؤوس افغان يقيمون في الشوارع، وتسببت تلك التصرفات في بروز روح عدائية ضد العرب والمصريين لدى بعض الافغان، الى درجة أن اطباء مصريين خطفوا ولم يُطلقوا إلا بعدما دُفعت فدية لخاطفيهم.
تحدث حسن عن كيفية ادارة العلاقات بين اعضاء "الإخوان" في بيشاور وأكد أن الجماعة أسست تنظيماً عالمياً هناك حيث تم تسكين العناصر في تنظيم واحد بدءاً من الاسر ومروراً بالشُعب ونهاية بمكتب اداري ومسؤول للتنظيم، التحق حسن بأسرة ضمت عراقياً وسورياً ويمنياً، وكان لكل اسرة مسؤول ولكل شعبة مسؤول، حتى كبار السن كانوا يخضعون لتوجيهات مسؤول "الإخوان" هناك. تولت لجنة الاغاثة التابعة لنقابة الاطباء تسفير اعضاء فيها لكل فترة للعمل في العيادات والمستشفيات الباكستانية، خصوصاً في بيشاور لخدمة الجرحى والمهجرين، وكان لمقرر "لجنة الإغاثة الإنسانية" القطب البارز في "الإخوان" الدكتور عبدالمنعم ابو الفتوح دور كبير، لكن المشكلة كانت تتعلق بأعداد أخرى ذهبوا الى هناك من دون داعٍ وصاروا عالة على الافغان انفسهم. وفي مرحلة لاحقة تطورت جهود الاغاثة لتشمل حفر آبار المياه ومعالجتها وتشييد المساجد، وعلى رغم أن التعليمات كانت تقضي بألا يشارك "الإخوان" في القتال، الا أن بعض المخلصين منهم خالف الأمر وتسلل إلى الجبهة وشارك في المعارك وعادوا قبل أن يفتضح أمره.
حتى منتصف الثمانينات لم يكن للإسلاميين الراديكاليين المصريين حضور مهم في أفغانستان، فهم كانوا إما في السجون المصرية حيث استمرت إجراءات محاكمة المتهمين في قضيتي اغتيال السادات فترة طويلة أو في حال كمون وترقب، انتظاراً لهدوء الأحكام في القضيتين. لكن عدداً قليلاً من المصريين ممن لم يكونوا مدرجين في لوائح أجهزة الأمن كأعضاء في تنظيمي "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية"، تمكنوا من الوصول إلى باكستان إلا أن هؤلاء التحقوا مباشرة ب"مكتب خدمات المجاهدين" للشيخ عزام بعدما وجدوا أن نشاط "الإخوان" تركز على أعمال الإغاثة، على رغم أن عزام ظل محسوباً على "الإخوان" ربما لصلاته التاريخية القديمة بهم، وهو لم يصد أحداً رغب في الجهاد والانتقال إلى الجبهة، وكان مكتبه بوتقة انصهرت فيها تيارات اصولية مختلفة يجمع بينها الرغبة في "الجهاد"، ولم يسع أبداً إلى تجنيد عناصر من "الإخوان" المصريين حرصاً منه على عدم توريطهم في أمور لا ترغب فيها خصوصاً أن أعداداً غير قليلة من "الإخوان" من جنسيات أخرى ممن لم يحظر عليهم المشاركة في القتال انضموا إليه وقاتلوا في الجبهة تحت قيادته.
وحين زار مرشد "الإخوان" محمد حامد أبو النصر باكستان ذهب إلى بيشاور وتفقد أحوال "الإخوان" هناك. ووفقاً لرواية المهندس سيد حسن، فإن ضياء الحق منح طائرته الخاصة لمرشد الاخوان كي يجول في أنحاء البلاد. ولم يكن أبو النصر الوحيد من بين قادة "الإخوان" الذين ترددوا على بيشاور، فالمرشد الحالي السيد مصطفى مشهور زارها أيضاً وتفقد أحوال "الإخوان" فيها حين كان يتولى موقع نائب المرشد.
شاهد آخر
وروى الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي يعتقد أنه عضو في مكتب "إرشاد جهاد الإخوان المسلمين" ل"الحياة" ما جرى نافياً بعض ما جاء في رواية حسن.
أكد ابو الفتوح أن توجهات السادات اتفقت مع الرغبة الاميركية في مساندة "المجاهدين الأفغان" لدحر السوفيات. لكن القيادي الاخواني نفى علمه بوجود صلة بين "الإخوان" كتنظيم وما كان يجري أفغانياً، وهنا شهادته:
"بدأت علاقتنا بالقضية الأفغانية عام 1984 بعدما فاز أعضاء في جماعة "الإخوان" في انتخابات نقابة الأطباء وكانت القضية بدأت قبلها حين أعلن السادات وحكومته مساندة الشعب الأفغاني، تجاوباً مع التوجه الاميركي، لم يكن "الإخوان" طرفاً في الأعمال القتالية، ولكن حين كان الخلاف يدب بين قادة المجاهدين الافغان فإنهم كانوا يلجأون عادة إلى علماء المسلمين في أماكن مختلفة وبينهم قادة في "الإخوان"، لحل الخلافات ومثلما ذهب حامد أبو النصر الى باكستان ذهب أيضاً الدكتور يوسف القرضاوي لأداء الدور نفسه وذهب غيرهما كثيرون. لكن لم يكن أحد من "الإخوان" المصريين شارك في القتال فالتعليمات كانت تقضي بذلك، خصوصاً أن كل من ذهب إلى بيشاور عبر "لجنة الإغاثة الإنسانية" التابعة لنقابة الأطباء، لم يكن تحركه النوازع الشخصية، بل ذهب جميعهم لأداء مهام محددة ولم يكن لأي منهم دور في التعامل مع المجاهدين أو قادتهم.
أما مسألة توافق سعي "الإخوان" أو غيرهم إلى إغاثة ودعم المهجرين والمنكوبين الأفغان مع المصالح الاميركية في دعم القتال ضد السوفيات فلا ذنب لنا فيه. وكل "البلاوي" التي حدثت هناك كانت صناعة اميركية. والبيت الأبيض لم يساند المجاهدين من أجل سواد عيونهم أو نصرة للإسلام أو لوجه الله، بل لتحقيق مصلحة اميركية في ضرب السوفيات. لم يكن ل"الإخوان" دور في أي قتال جرى على الأراضي الأفغانية والأعمال القتالية كانت تشرف عليها دول أميركا وباكستان ومصر، فالسادات أمد المجاهدين بالأسلحة واقتصر دورنا على جمع التبرعات وإنفاقها على أعمال الاغاثة الصحية والتعليمية والإنسانية. لم يكن لدى "الإخوان" أساساًَ قدرات قتالية أو خبرات معلوماتية ليشاركوا في القتال، ولجان الإغاثة حرصت على أن يتم عملها في إطار رسمي وكنا ننسق مع السفارة المصرية في باكستان. واللجنة التابعة لنقابة الأطباء أسسها وزير الصحة السابق الدكتور صبري زكي ومن ذهب ضمن وفودها بذل جهوداً كبيرة وعمل ليل نهار ولم يغادر العيادات والمستشفيات إلا نادراً.
الأفغان لم يكونوا في حاجة إلى مقاتلين، بل إلى اسلحة وأموال. شاهدت في معسكرات المجاهدين الأفغان رجالاً يريدون المشاركة في الجهاد لكن ينقصهم السلاح. أما الإسلاميون الراديكاليون فسافروا إلى هناك لأسباب تخصهم ولتحقيق أهداف معينة، والمسألة كلها "صناعة اميركية"، سعت من ورائها واشنطن الى ضرب انظمة عربية وإثارة قلاقل في بعضها، إضافة إلى الإساءة إلى الإسلام نفسه وكان ذلك نموذجاً للسلوك الاميركي في تصدير الأفكار والمشاكل، وهكذا حدث ما حدث في مصر والجزائر بعد عودة "الأفغان العرب" لاحقاً.
والشيخ عبدالله عزام منذ أن ترك العمل في إطار جماعة "الإخوان المسلمين" عندما كان يقيم في الأردن لم تعد له أي علاقة بالجماعة. وفي بيشاور لم يعمل أحد من "الإخوان" معه، وكنت أتردد على بيشاور ضمن عمل اللجنة من دون أن آراه. "الإخوان" لم يتأثروا بما جرى في أفغانستان ولم ينساقوا وراء الشعارات فيما وقع الراديكاليون في الفخ نتيجة للثقافة الفاسدة التي كانوا يتعاطونها، وكذلك نتيجة لاسلوب الدولة في تعاملها مع هؤلاء الشباب على أنهم خصومٌ وأيضاً موقف الراديكاليين من الدولة، واعتبارهم أن كل من يعمل في إطارها كافر. ولأن صفحة "الإخوان" في التجربة الأفغانية ظلت ناصعة، فإن أحداً منهم لم يوقف في المطار عند عودته ولم يعتقل واحد منهم أو يرحل من أفغانستان إلى دولة أخرى ليتحول إلى مطارد أو إرهابي.
وكما ذهب "الإخوان" عادوا وتكررت جهود لجان الإغاثة في البوسنة وأماكن أخرى كثيرة.
انتهت شهادة عبد المنعم ابو الفتوح لكن تبقى حقائق أخرى ف"الاخوان" لم يسلموا طوال تجربتهم الافغانية من هجوم الاسلاميين الراديكاليين عليهم وانتقاداتهم الحادة التي وصلت الى حد تكفيرهم، وظلوا على عادتهم ولم يردوا بل إنهم استثمروا عمليات العنف التي ارتكبها عناصر "الجهاد" و"الجماعة الاسلامية" وسعوا إلى اقناع الحكومة منح الاخوان مساحة على خريطة العمل السياسي باعتبارهم بديلاً لهؤلاء الذين ذهبوا الى افغانستان كإسلاميين وعادوا منها ارهابيين، في حين عاد "الاخوان" كما ذهبوا مجرد "اخوان مسلمين".
الظواهري والاخوان
في مدينة بيشاور وزع عناصر "الجهاد" كتاباً اصدره الدكتور أيمن الظواهري عنوانه "الحصاد المر" في حين وزع عناصر "الجماعة الاسلامية" كتاباً آخر وضعه محمد عصام دربالة الذي يقضي فترة عقوبة السجن المؤبد في قضية اغتيال السادات، ولا يختلف الكتابان في تحريم الديموقراطية التي يؤمن بها "الإخوان المسلمون" واعتبارها ديناً جديداً تجب محاربته، غير أن الظواهري كان أكثر حدة في نقده ل"الإخوان"، بل إنه وصل الى حد تكفيرهم. في "الحصاد المر". أراد الظواهري ان يوضح رأيه في "الاخوان" عندما اشار إلى ان "الإخوان المسلمين تنازلوا عن ركن التسليم بحاكمية الله واتبعوا اصول الجاهلية الديموقراطية ونبذوا الجهاد". وفي موضع آخر لاحظ أن "الجماعة"، خصوصاً في السنين الأخيرة "دأبت على شجب العنف وإعلان الالتزام بالشرعية الدستورية، وهذه الجماعة تستغل حماس الشباب المسلم لتضمه إلى صفها بل لتدخله في ثلاجتها ولتحول مجرى حميته الى المؤتمرات والانتخابات".
وخلص إلى ان "الاخوان" صاروا من "الكفار" وقال: "إن الاقرار بالديموقراطية إقرار بمنح حق التشريع لأحد من دون الله تعالى، كما هو مقتضى الديموقراطية ومن أقر بهذا فهو كافر ومن شرع للبشر شيئاً فقد نصب نفسه إلهاً لهم ومن قر له بهذا فقد اتخذه إلهاً ولما كانت الديموقراطية تقوم على أساس مبدأ سيادة الأمة، ولما كانت السيادة سلطة لا يوجد أعلى منها فهي المرجع الفاصل في كل أمر وشأن والى هذه السلطة فصل النزاع وحسم الخلاف فكل من أقر بهذا فهو كافر .. "الإخوان" يصرون على المناداة بالديموقراطية، بل إنهم يعلنون انها الوسيلة الشرعية لتغيير الأوضاع في البلاد وان كلمة الشعب ورأيه هو الفيصل والحكم، وقرن "الإخوان" اقوالهم بالأفعال فشاركوا في الانتخابات البرلمانية بدءاً من مشاركة مرشدهم الأول حسن البنا في الانتخابات في 1942 و1944 والى يومنا هذا، إذ يشارك "الإخوان" في الانتخابات في مصر وفي الاردن والسودان والكويت والجزائر وسورية وغيرها من بلدان المسلمين" وأعرب زعيم "الجهاد" عن أسفه لكون "الإخوان" "حشدوا الآلاف من الشباب المغرر به في صفوف الانتخابات امام صناديق الاقتراع بدلاً من حشدهم في صفوف الجهاد". وأضاف "أن جماعة الإخوان مدت جسور التفاهم مع معظم الأنظمة الحاكمة التي تعيش تحت سلطانها أفرع الجماعة وشاركت في الحكم احياناً، وكان تفاهم الجماعة مع الحكومات ... عادة في صورة صفقة نصفها الأول سماح الحكام لهم بشيء من الحرية والانتشار ونصفها الثاني اعتراف الجماعة بشرعية النظام الحاكم مع مساعدة الجماعة للحكومة في ضرب تيار معارض قوي" ثم اورد الامثلة:
- استخدام الملك فاروق للجماعة في ضرب حزب الوفد أو موازنة ثقله الجماهيري. كما عرض حسن البنا قبيل اغتياله على الملك مساعدته في محاربة الشيوعية. فالبنا كان مدركاً اللعبة.
- استخدام جمال عبدالناصر الجماعة في صنع شعبية الثورة حيث استثناها من قانون الغاء الاحزاب حتى تمكن من صنع شعبية خاصة به فضرب "الإخوان".
- استخدام السادات الجماعة في ضرب التيار الشيوعي والناصري باتفاق صريح.
لم يفرق الظواهري بين مرشد "الإخوان" الاول حسن البنا وبين أي من اعضاء الجماعة حتى من انشق عنها، فالجميع لديه سواء: "إن جميع المخالفات الشرعية التي سقط فيها "الإخوان" سبقهم اليها حسن البنا سواء في ذلك مداهنة الحكام ومدحهم والاعتراف بالشرعية الدستورية ووجوب التزام الدستور واتباع الاساليب الديموقراطية ودخول الانتخابات. فقد شارك فيها البنا شخصياً مرتين والانتهازية السياسية بالدخول في الصراعات الحزبية مع التبرؤ من العنف .. ونقول هذا للذين يدعون أن "الإخوان" المعاصرين خرجوا عن خط حسن البنا ومنهجه. هذا غير صحيح ... إن هذا المنهج الإخواني غير المستقيم لم يلق معارضة كبيرة من بين "الإخوان" انفسهم باستثناء أفراد معدودين كسيد قطب واخته امينة قطب. أما "الإخوان" الذين انشقوا على الجماعة فهم اعترضوا على منهجها أو تصرفات مرشديها ولم يكونوا اهدى سبيلاً من الجماعة الأم وسقطوا في مخالفاتها نفسها أو أشد منها كانشقاق جماعة سيدنا محمد وكانشقاق محمد الغزالي وكانشقاق جماعة شكري مصطفى المسماة بالتكفير والهجرة".
وتناول القدرة المالية الفائقة لجماعة "الإخوان" المسلمين: "ابتليت جماعة الإخوان المسلمين ببلاء عظيم أمات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين صفوفها. هذا البلاء هو الرخاء المادي الذي تنعم به الجماعة الآن بسبب علاقاتها التي انشأتها بعد هروب كثير من اعضائها في فترة القهر الناصري حتى أمسكت الجماعة بزمام كثير من منظمات الدعوة والاغاثة. وأصبحت تمتلك الشركات والبنوك الاقليمية والدولية فأصبح التحاق الشباب بجماعة "الإخوان" الآن من الوسائل المضمونة للارتزاق والعيش".
ولم يختلف رأي "الجماعة الإسلامية" في الاخوان كثيراً عن رأي "الجهاد" فكتاب دربالة استغرب "ادعاء البعض أن الشعب في مجموعه هو صاحب السيادة التامة المطلقة فما شرعه الشعب واجب الخضوع له وما حكم به واجب إنفاذه، فصار الشعب هو المشروع عندهم ولما تعذر أن يقوم الشعب بأسره بهذه المهمة ابتكروا فكرة المجلس النيابي الذي يختار الشعب أعضاءه ليتولى هذا المجلس التشريع باسم الشعب ونيابة عنه. فصار ما شرعه المجلس النيابي عندهم هو الحق الذي لا جدال فيه وهو الصواب الذي لا خطأ فيه وهو العدل الذي لا جور فيه وهو وحده الواجب النفاذ لأنه يستمد مشروعيته من كونه من عند نواب الشعب وهم بدورهم يستمدون الشرعية من كونهم من عند الشعب وبذا تتحقق سيادة الشعب!!". ولا يحتاج الامر الى كثير من الذكاء لفهم أن دربالة كان يقصد "الاخوان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.