يتشبث بعض يهود اليمن بأرضه ورزقه وحرفته التي ورثها عن آبائه، والبعض الآخر يخشى إذا هاجر الى إسرائيل ان يصبح فيها مواطناً من الدرجة الثانية... اعدادهم في كل الأحوال، في تناقص مستمر سيؤدي الى تلاشيهم. يهود اليمن الذين طالما أثاروا الضجة في وسائل الإعلام كيف يعيشون؟ وما هي احوال شبابهم وتطلعاتهم. تشير بعض الإحصاءات الرسمية الى ان عدد اليهود المتبقين حالياً في اليمن لا يتجاوز ال500 شخص بينما تقدر احصاءات اخرى العدد ما بين 1500 الى 3000 على الأقل. ويتمتع يهود اليمن بحقوق المواطنة الكاملة ويكفل لهم الدستور والقانون الحقوق والواجبات، لكن اكثرهم حائر بين الهجرة الى إسرائيل حيث تنتظرهم المعاملة القاسية على رغم المغريات الأولية من قبل المنظمات الصهيونية، وبين البقاء في اليمن حيث يزداد الأمر صعوبة مع الشعور بالعزلة وضآلة العدد. يبدو يوسف سالم وهو شاب مقيم في صعدة متفائلاً. ويقول: "أوضاعنا في صعدة طيبة ونحن مرتاحون في عملنا، وإن واجهتنا صعوبات فهي بسبب هجرة اخواننا الى إسرائيل وأميركا وبريطانيا". ويضيف: "لا نريد ان نترك صعدة أو اليمن، ولكن اذا استمرت عملية الهجرة فسوف نسافر بالطبع، فاليهودي مرتبط بأخيه ولدينا طقوس العبادة وعادات الزواج والموت، والآن تتزايد حالات الهجرة، وقد نسافر جماعة واحدة. وفي منطقة ريدة تعيش اسرة يحيى يعيش المكونة منه وزوجته وأربعة اولاد، صبيّان وابنتان ولكل منهم مهمة يقوم بها، فرب الأسرة يعمل في صياغة الفضة ويملك محلاً يحظى بإقبال واسع والأولاد يساعدونه في المحل. وهناك الكثر من شبان اليهود يمارسون مهنة قيادة سيارات الأجرة على الخطوط الطويلة بين المدن اليمنية متفردين بقصة شعر مميزة. وكان احد شبان اليهود ويدعى عازر ابراهيم اول اليهود المقتحمين عالم السياسة في اليمن إذ رشح نفسه الى انتخابات المجالس المحلية التي جرت مطلع العام الجاري عن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم ولكنه، في ظروف غامضة، سحب ترشيحه بعد ان صرح عضو في اللجنة العليا للانتخابات بأنه يشترط بعضو المجلس المحلي ان يلتزم بالشعائر الإسلامية و هو ما لا يتوافر في عازر ابراهيم. ويتركز يهود اليمن في مناطق ريدة وأرحب وأملاح وجبارة وحيدان وغريب فضلاً عن صعدة القريبة من الحدود مع السعودية. ويعمل معظم اليهود في صياغة الفضة والحرف التقليدية، ويلبسون الزي اليمني كما يمضغون القات، شاركوا بالتصويت في انتخابات الرئاسة الأخيرة لأن الدستور اليمني يمنحهم حق المواطنة الكاملة. ويتحدث شبان اليهود عن الرئيس علي عبدالله صالح بإيجابية كما ينظرون الى الوحدة اليمنية كأعظم إنجاز في العصر الحديث. ويتبرأ يهود اليمن من الممارسات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان ويصرون على التذكير بأنهم يمنيون وربما يعود ذلك الى شعورهم بالخوف من إظهار مشاعرهم الحقيقية، كما يقول البعض. بساط الريح ومن المعروف ان 150 ألف يهودي هاجروا من اليمن عام 1948 الى إسرائيل في عملية مشهورة سميت "بساط الريح" ضمن صفقة كبيرة مع إمام اليمن آنذاك احمد بن يحيى حميد الدين. وكشفت الباحثة السورية الدكتورة كاميليا ابو جبل في اطروحة علمية عن يهود اليمن ان الإمام يحيى ملك اليمن قبل الثورة كان متواطئاً مع الوكالة اليهودية التي تولت ترحيل اليهود الى فلسطين. وقالت ان علاقات حميمة ربطت الإمام مع حاخام الطائفة اليهودية في صنعاء سالم سعيد الجمل. وأصدر الإمام صك غفران بعدم التعرض للحاخام. وبعد وفاة الإمام وتسلم ابنه احمد الحكم سمح بهجرة اليهود الجماعية من صنعاء الى عدن ومنها الى فلسطين بمساعدة الإنكليز في ما اطلق عليه اسم "عملية بساط الريح". وتشير بعض الوثائق الى قيام مسؤولي الطائفة اليهودية بعقد جلسات اللهو واحتساء الخمر لأبناء الإمام وتقديم الهدايا الثمينة لهم. بل ان اليهود في اليمن حصلوا على امتيازات خاصة مثل الإعفاء من الضريبة والتحكم في الأسواق التجارية والسماح لهم بصنع الخمر. وتؤكد الباحثة ان معظم الوثائق الخاصة بيهود اليمن انتقلت الى إسرائيل عبر الحاخام الجمل الذي هاجر عام 1944 واستمر في ارسال موفديه لإقناع يهود اليمن بالهجرة. وفي احد المؤتمرات الصحافية اعلن رئيس الوزراء اليمني السابق الدكتور عبدالكريم الارياني ان في اسرائيل نصف مليون يهودي من اصل يمني. فن يهودي ويتمتع الفن الشعبي اليهودي في اليمن بجاذبية خاصة، وتحفل محلات بيع اشرطة الأغاني بالكثير من الأصوات اليهودية المعروفة وأشهرها عفراء هزاع التي ماتت اخيراً في تل ابيب وكانت تعيش في اميركا وأشيع خبر عن عودتها الى صنعاء لإحياء بعض الحفلات لكن الحكومة اليمنية نفت ذلك. وأعلن مسؤولون يمنيون حينها ان اليمن ليس لديه توجه او سياسة لدعوة يهود لزيارته او زيارة يهود يمنيين الى إسرائيل لكنه اقر بحق اليهود اليمنيين كمواطنين في التنقل والسفر. وفي هذا السياق بدأ مجدداً حديث قوي حول هجرة مضادة من يهود اميركيين من اصل يمني الى جذورهم في اليمن بغرض الاستثمار في المنطقة الحرة في عدن او إعادة شراء بعض ممتلكاتهم في صنعاءوعدن لتخليدها وجعلها مزاراً سياحياً ضخماً. الجهات الحكومية في اليمن ترفض تأكيد هذه الأنباء في الوقت الذي تتحدث فيه الصحف المعارضة عن محاولات اسرائيلية مستميتة للتطبيع السياسي والثقافي مع اليمن. ويرتبط اسم اليهود في اليمن بالكثير من المناطق ومن بينها قاع اليهود في صنعاء "حالياً قاع الشهيد العلفي" وهو عبارة عن مدينة مصغرة كان يعيش فيها اليهود قبل هجرتهم. ولا تزال المنازل والبصمات اليهودية موجودة في صنعاء بما فيها السراديب العميقة التي كانت تستخدم للهروب أو للحماية فضلاً عن بعض النقوش والرسوم والمغالق الخشبية الكبيرة على شكل النجمة السداسية خلف الأبواب. شالوم شوباز ويوجد في مدينة تعز التي تبعد حوالى 256 كلم عن صنعاء قبر لشاعر يهودي اسمه شالوم شوباز، او كما يعرفه اهل اليمن الشبزي. ويقول اهالي تعز ان القبر موجود في مكان بالقرب من قلعة القاهرة في جبل صبر وكان اليهود يزورونه ويتبركون به، وأسفل القبة تقع بركة مياه يعالج فيها اليمنيون اطفالهم من الأمراض. والشبزي كان حبراً عاش بين عامي 1711 و1784 للميلاد في تعز، وكان محل احترام الجميع نظراً لما يتمتع به من علم وخبرة ومعرفة. ويقال انه كان عبرياً هاجر في الأصل من بلاد المغرب العربي وتنقل من بلد الى آخر حتى استقر به المقام في اليمن. ويحرص السياح الأجانب أن يزوروا قبر الشبزي ويلتقطوا الصور التذكارية عنده.