يسود الهدوء التام المناطق الحدودية بين ايرانوافغانستان بفعل الاقفال المحكم لها تنفيذاً لقرار السلطة السياسية. وتسجل حركة لمئات من اللاجئين الافغان نحو افغانستان من جانب اللاجئين القدامى الذين كانوا في ايران، تقابلها حركة معاكسة نحو الاراضي الايرانية لاعداد من اللاجئين الهاربين من هول الحرب الاميركية البريطانية مع حركة "طالبان". وعزا مصدر ايراني عند نقطة دو قارون الحدودية عودة مئات من اللاجئين الى الاراضي الافغانية، الى رغبة الشباب منهم في المشاركة في القتال ضد القوات الاميركية، حتى لو لم تكن لهؤلاء علاقة مع "طالبان". وقال المصدر ل"الحياة" ان القسم الآخر من العائدين يريد الاطمئنان الى حال عائلاته في افغانستان بعد الضربات العسكرية. يستقل العائدون حافلات يصل عددها الى اربع او خمس يومياً، تقل كل منها حوالى اربعين شخصاً وهؤلاء لا يفصحون عن توجهاتهم السياسية ويركزون فقط على رفض الهجوم الاميركي. وتترك السلطات الايرانية لهؤلاء خيار العودة الى بلدهم لكنها تمنع دخول اي لاجئين جدد، اذ اقامت داخل الاراضي الافغانية مخيمات عدة، على مسافة خمسة كيلومترات داخل الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين. وعلى عكس التوقعات الايرانية التي ذهبت الى انتظار تدفق مئات الآلاف او مليون لاجئ، فقد كانت اعداد القادمين قليلة، حتى ان المخيمات التي اقيمت عند نقطة "دو قارون" الحدودية في محافظة خراسان ظلت فارغة. بينما وصل الى المخيمات المحاذية لحدود محافظة سيستان وبلوجستان مئة وواحد وعشرون لاجئاً اضافياً انضموا الى عشرين الفاً هربوا باتجاه ايران منذ اندلاع الحرب الاميركية في افغانستان. وتحكم قوات الامن الايرانية قبضتها على الحدود لكن عبر رجال قوات حرس الحدود، بينما تعيش القوات المسلحة الايرانية خصوصاً الجيش والحرس الثوري حالة استنفار قصوى تخولها التدخل السريع عند وقوع اي طارئ. وتشدد المصادر الايرانية التي التقتها "الحياة" على ان الحدود الايرانية الافغانية لم تشهد اي حادث امني منذ بدء الحرب، وان الطائرات الاميركية والبريطانية التي تُغير على مدينة هرات القريبة الى ايران 100 كيلومتر من الحدود، لم تقترب من الاجواء الايرانية. وذكر ان مجموعات "طالبان" المنتشرة قرب الحدود مع ايران تتعاطى بحساسية كبيرة مع كل تطور، وذلك بسبب الجو العسكري العام الذي اشاعته الحملة الاميركية. وتواجه لجنة الهلال الاحمر الايرانية بعض المصاعب في ايصال المعونات الى اللاجئين في المناطق الخاضعة لسيطرة "طالبان"، على عكس المناطق الخاضعة لسيطرة تحالف الشمال المناوئ ل"طالبان" والمتحالف مع ايران. ولا تزال "طالبان" مسيطرة على مدينة هرات، لكن تحالف الشمال يتهيأ للانقضاض على هذه المدينة المهمة والقريبة الى ايران. ويعاني اللاجئون من صعوبات كبيرة للوصول الى المخيمات، اذ تضطر اعداد كبيرة منهم الى سلوك الطرق الوعرة في الجبال مشياً على الاقدام حتى ان بعضهم يقضي في الطريق وخصوصاً الاطفال والطاعنون في السن، اضافة الى تعرضهم لطقس بارد جداً اثناء الليل. وترتسم على وجوه القادمين الجدد حالة من الذهول لشدة قوة الانفجارات التي خلفتها صواريخ كروز وحمولة الطائرات الاميركية والبريطانية اثناء قصفها المدن والمناطق الافغانية. اما اللاجئون القدامى الذين قذفت بهم الحروب السابقة الى ايران، فيعيشون حالة من الغضب الشديد ازاء الحرب الجديدة. وهو واقع عاينته "الحياة" خلال زيارتها مخيم "تربت جم" للاجئين، ويبعد حوالى مئة كليومتر عن الحدود مع افغانستان، وتم انشاؤه قبل ثمانية أعوام ويؤوي 7500 لاجئ. ويظهر هؤلاء عدم اقتناعهم بالمبررات الاميركية للحرب. اذ قال سعيد حسيني مزار شريف ل"الحياة": "لا نؤيد طالبان. لسنا ايضاً مع الاميركيين، بل نحن على استعداد لقتالهم، ولا نرى ان نتائج الحرب الاميركية ستكون افضل مما لاقاه الاتحاد السوفياتي اثناء احتلال افغانستان. الاميركيون ارهابيون مثلهم مثل طالبان".