في عدد سابق في "الحياة" تناولت ظاهرة "الفيديو كليب" في قراءة نقدية سريعة بعنوان "عندما يتحول الفيديو كليب الى ستربتيز شرقي"، وضربت مثالاً على ذلك "فيديو كليب" المغنية نوال الزغبي "طول عمري بحلم يا غالي". وقد أثارت المقالة الكثير من التساؤلات والمواقف، منها، لماذا اختيار نوال الزغبي من دون غيرها مع العلم أن هناك ما هو أكثر ابتذالاً في "فيديو كليبات" راغب علامة والين خلف وعمرو دياب وعاصي الحلاني وغيرهم. ربما تكون بعض الملاحظات التي سيقت في معرض الرد والتساؤل في محلها، ولا شك في أن "الفيديو كليبات" تتنافس في الابتذال والكشف عن المستور. إلا ان اختيار "فيديو كليب" نوال الزغبي لم يكن من باب العبث أو مجرد صدفة، بل كانت له أسبابه الموجبة: 1 - المفارقة الموجودة بين القديم والجديد في "الفيديو كليب" المشار اليه، بين الحداثي والتراثي، كما أشار الى ذلك الشاعر خالد محيميد. ويظهر التضاء من خلال نوعية المبنى التراثي الذي يوحي التقاليد العربية وما يحصل داخل المبنى في سلوك غريب بعيد من التراث والتقاليد، بل وصادم لها الى حد المفاجأة. وهذه النقطة تمثل مفارقة مهمة تحفر عميقاً في الوجدان. 2 - نوع الرقصة "السامبا" الغريبة نوعاً ما وغير المألوفة لدى المشاهد العربي، وهي لافتة للانتباه، لا للإثارة المعبر عنها، بل لأسلوب أدائها وتعدد الراقصين وتنوع سحناتهم من الأبيض الى الأسمر الى الداكن، والموسيقى المصاحبة، وان لم توافق رقصة "السامبا" في شكل كبير بحسب ملاحظة الشاعر خالد محيميد. فالرقصة بحد ذاتها هناك ما ينافسها لكن غرابتها وفرادتها جعلتها لافتة للانتباه، اضف الى ذلك الصبايا اللواتي يؤدينها وأسلوبهن مما حولهن الى مكامن اغراء موقوتة. 3 - كون نوال الزغبي فنانة ذات شهرة كبيرة وتأثير على قطاع واسع من الشباب، لما تملكه من وسائل جذب متعددة. فهي فتاة جميلة ومغناج وتقدم نفسها في أفضل وجه وصورة، من عناية بتسريحة الشعر، ونوعية المكياج وألوانه، وتناسقه مع التسريحة ومع اللباس الذي ترتديه، والذي هو الآخر مختار بعناية فائقة، حتى يؤدي غرضه وليتحول بحد ذاته الى رمز ذي دلالة. اضافة الى ما تملكه الفنانة من رصيد فني وغنائي كبير، والنجاح المتواصل الذي حققته عبر البوماتها المتتالية، وتحولها الى نجم بارز ورمز وقدوة لكثير من الفنانات والصبايا اللواتي يحلمن أن يكن كنوال ويمتلكن ما تمتلك من سحر وجاذبية. من خلال هذه النقاط الثلاث، يمكن القول ان اختيار نوال لم يكن من باب الصدفة، لأننا إذا انتقدنا الرمز أو "الرأس"، وبينا ثغراته وفجوات الأداء وزيف الخطاب الغنائي، نكون قد تناولنا باقي أجزاء القاعدة، وباقي المقلدين والاتباع، لأن الضربة كما يقولون وجهت ل"الرأس الكبير". ان القضية ليست قضية نوال الزغبي، وليست موقفاً سلبياً من الفن، ولكنها مأساة ذائقة تنتهك، وضرب من الديكتاتورية يمارس ويفرض على المتلقي العربي، الذي يستقبله ويستسلم له - وللأسف - بكل سذاجة وبساطة، مقدماً لذة آنية، ومتعة زائلة، على حساب عقله وقيمه وذائقته. وبما ان الحديث أتى على ذكر المغنية الشابة ألين خلف، يجدر بالمراقب ان يسجل تميز "كليبات" هذه الفنانة، لا لكونها متقدمة على من سواها من حيث الأداء والأغاني المغناة، ولكن لكون هذه "الكليبات" تمتاز بكونها من بطولة بطلة واحدة وحسب، تقوم بالغناء والرقص، والتمثيل، وجذب الانتباه وشد المتلقي، وهي الفنانة نفسها. فالمتابع "لكليبات" ألين خلف، يلحظ ان محور "الكليب" هو المغنية ذاتها، وحضورها هو الحضور الطاغي والمتميز، لا لكونها صاحبة الصوت والأداء، بل أكثر من ذلك، فالكاميرا تلاحقها وترصد تحركاتها، وتبرز غنجها. ويلاحظ حضور الراقصات والصبايا الآخريات القليل في أغانيها، مقارنة بسواها، في اصرار واضح على ان تكون البطلة الوحيدة والمتوجة في "الكليب" المصور لها، من دون ان يُشغل المشاهد بسواها، ومن دون ان تنافسها أي فتاة في مستوى الجمال أو الرقص. وربما يعود ذلك الى تركيب ذاتي تنزع فيه الفنانة للاستفراد والتملك ولفت النظر، واقصاء المنافس الآخر مهما كانت درجة منافسته. ليس المهم ان تكون، أو يكون صاحب "الفيديو كليب"، بقدر ما هو مهم ان نستطيع تفكيك خطاب "الفيديو كليب" ودراسة آليات عمله، وتأثيراته على السلوكيات الاجتماعية والبنية الذوقية والفكرية للمتلقي العربي.