في عقد الثمانينات من القرن المنصرم ذاعت شهرة اغنية "الليلة يا سمرا" للمغني المصري النوبي محمد منير. وأحب اللبنانيون كغيرهم من العرب الأغنية، ونسبوا موسيقاها الى الغرب كعادتهم في نسبة الموسيقى ذات الإيقاعات السريعة، الى أن تبين ان المغني يستوحي موسيقاه من تراث منطقته النوبة.ومهما يكن من امر التصنيف، فمحمد منير، في عقد الثمانينات كان نجماً شبابياً، يسمعه الشبان في سياراتهم وسهراتهم، بدا متفرداً ومتميزاً ب"نوبيته". وانتشرت عبارة "يا سمرا" مثل انتشار عبارة "يا رايح وين مسافر" لرشيد طه. والحال ان محمد منير من خلال روحه الغنائية، يعبر عن الخصائص المتميزة لبيئته الثقافية. وهو اسهم في اخراج موسيقى قومه من الدائرة الضيقة، الى حيث وجد لها مستمعين من امصار اخرى. ولعل كل موسيقى الجماعات المعبرة عن واقع معين، تحتاج الى من يطورها في الإطار الجمالي، لتدخل في الأفق الواسع بعيداً من الجمود. فالمغني العالمي الفيس بريسلي مثلاً أحدث ثورة في موسيقى "الجاز" لينقلها من التعبير الحزين الى الإيقاع السريع الراقص، ولتتحول الى "روك" يستلهمه الشبان من الأجناس والألوان كافة في العالم. قال محمد منير في حديث صحافي إن العالمية في الغناء ليست لغة وإنما هي روح وإبداع، والمصريون بعد ان اصدر كاسيت "انا قلبي مساكن شعبية" باتوا يطلقون عليه لقب "مطرب الشعب" أو "صوت الشعب"، وهو قال انه يغني لكل طبقات الوطن، ولا يجد فرقاً بين مساكن الشرابية حي شعبي ومساكن مارين منطقة ارستقراطية، لكن اهل النقد يسعون لكي يجترحوا تراثاً ينسبونه الى الشعب. ولا ندري اذا كان تصنيف محمد منير في لائحة "مغني الشعب" يشوبه الغموض والتشويه، فالكثير من الكتّاب بحسب ما لاحظ الناقد الراحل نزار مروة جاء فهمهم للأغنية الشعبية على غرار فهم الطبقات الأرستقراطية لتعابير "المطاعم الشعبية" أو "الأحياء الشعبية" أو "المجدرة" بالمعنى اللبناني، وغيرهما من التعابير التي يشتم منها احتقار الفقراء والترفع عن احاسيسهم. حتى ان احدى الصحافيات كتبت أن شريط محمد منير "أنا قلبي مساكن شعبية" يُشرى في السوق المصرية كما يُشرى الفول والطعمية الفلافل والكشري، الأكلة الشعبية الأشهر في مصر. لكنها استدركت في نهاية مقالها بأن منير استقطب ايضاً فئات اخرى وأناساً آخرين من غير الفقراء. محمد منير يفتتح شريطه الجديد بأغنية من الفولكلور المصري "سو يا سو حبيبي حبسوه"، ويقول "حبيبي عايز له سكر ومنين اجيب له السكر" التعبير الذي يتردد معناه في اكثر من اغنية فولكلورية في العالم العربي، وهو يتسم بالبساطة المحببة. اللافت في "قلبي مساكن شعبية" ان محمد منير يغني وردة، في اغنية "حكايتي مع الزمان" لحن الراحل بليغ حمدي وهي اغنية أثرت في وجدان المغني، بحسب ما قال، الى جانب اغنية "شيء من بعيد" وهي اغنية فيلم "النداهة" الذي اخرجه حسين كمال للفنانة ماجدة، ولحنها محمد الموجي، ويعود إليها منير في توزيع موسيقي جديد. نحسب ان منير يحاور هاتين الأغنيتين، في معنى من المعاني. الأغنية "المغايرة" في الشريط من ناحية الكلمات هي اغنية "أنا قلبي مساكن شعبية" فهي غريبة عن النمط السائد من الأغاني العربية الغارقة في الحب ومشتقاته، وهذه الأغنية كتبها الشاعر السوداني محجوب شريف، وتتسم باللحن النوبي. وهناك ايضاً أغان جميلة تتراوح نكهتها بين الفولكلوري والنوبي. محمد منير يختار المواضيع الشعبية الاجتماعية في اغانيه، واختياره هذا يدعمه التوزيع الموسيقي والتنويع في الآلات الموسيقية الغربية وخصوصاً النفخية منها والإيقاعات. "أنا قلبي مساكن شعبية" ألبوم لمحمد منير يكمل دزينة من الألبومات هي في القلب من "علموني عينيكي" و"بتولد" و"شبابيك". وصولاً الى "وفي عشق البنات".