تتبارى محطات التلفزة اللبنانية، وقد باتت في مجملها فضائية، في التسويق لبرامجها، خلال اعلانات خاصة تكاد تتحول الى برامج في حد ذاتها. وتحشد ادارات هذه المحطات طاقات بشرية كبيرة وتقنية عالية تعمل على جذب المشاهدين في خدمة عملية المنافسة الحادة بين مختلف الشاشات، حتى باتت هي نفسها برامج قائمة في حد ذاتها. وهي تتسابق الى اللمعان بغض النظر عن الهدف التسويقي الاساسي الذي وجدت من اجله. وتحتل هذه الاعلانات نسباً متفاوتة من اوقات البث، في دلالة على شغف المحطة او عدمه "بسياسة البروموشون"، او على رغبتها في التسويق لبرنامج دون آخر، او لشخصية اعلامية دون غيرها. فإن اختارت هذا الخط التسويقي، تحولت إن ارادت الى ما يشبه "مطرقة" تسعى تكراراً الى اقناع المشاهد، في وعيه او لاوعيه بجودة ما سوف يقدم. ويستعمل اسلوب "المطرقة" هذا في اطلاق الجديد، او تدعيم القديم، او تعويم ما تراجع. وإذا كان لهذا الاسلوب تأثير واسع في المدى المنظور لدى الجمهور العريض الا انه يبقى سيفاً ذا حدين حين تتخطى قوة الاعلان ومعدلات بثه، ما سوف يقدم لاحقاً فلا يكذّب عنها المثل القائل "إن الجبل تمخض فولد فأراً". وقبل ان نتوسع اكثر في مفاعيل "البروموشون" على درجاتها يجدر التوقف عند صناعة هذا الفن واسراره. فما هي المقاييس المعتمدة عملياً في اسلوب الاقناع؟ تقوم القاعدة الاولى على دمج مفاعيل الصورة بمؤثرات الصوت اداء وموسيقى، إضافة الى اعتماد نص يصل الى حدود السيناريو في احيان كثيرة، شرط الاّ يتجاوز هذا الحشد البصري - الصوتي ثواني، لا تتخطى الاربعين. ويعتمد اختيار اللقطات المصورة عندها على اعنفها وأقواها في حال كانت جزءاً من فيلم ما، وعلى أهمها اذا اقتطعت من حوار سياسي او اجتماعي، وعلى اطرفها اذا ارادت ان تعكس اجواء استعراض للمنوعات. وللاداء الصوتي في الاعلان نسبة تعلو على السبعين في المئة لجهة الاهمية. حتى ان بعض الخبراء في هذا المجال، يعتبر ان الموسيقى بحد ذاتها هي البروموشون. من هنا نلاحظ المنحى القائم باتجاه اختيار الموسيقى القوية والعالية التي تشعر المستمع ان شيئاً ما مهماً سوف يحدث ويقابل ذلك نبرة موحدة لدى كل المحطات في الاعلان عن البرامج وهي جزء من توحيد اسلوب المحطات في هذا السياق، فيعتمد المذيع لهجة متقطعة، منخفضة تتمدد فيها الكلمات وأوتار الصوت كالمطاط، على انفعال لا يخلو من التصنع، وفي تناغم يعتمد معظم الاوقات التناقض بين قوة الموسيقى وانخفاض نبرة الصوت. ويظهر جلياً من خلال متابعة الافلام ومطابقتها مع الاعلان الذي يبث عنها، ان كمية الدراما او التشويق التي يظهرها هذا الاخير، ليست على المستوى نفسه في الحالين. ويبدو واضحاً ان ثلاثين ثانية من حوار سياسي لا تعكس بالضرورة ما جرى فعلاً خلال ساعات. ولا شك في ان لحظة طرافة في برنامج منوع لا تكفي لاختصار جوّ. وانما الدور الاساس في ترك انطباع شامل انطلاقاً من لحظات جزئية، تلعبه لمسات المخرج والتقنيات المستعملة في عملية الدمج وقد باتت متطورة وأشد احتمالاً. فعملية اختيار المشاهد المطلوبة تخضع لنوع من الحس العملي الذي يقدّر اهمية فعلها التأثيري وطريقة توضيبها، تقطيعاً وموسيقى. ولعل ما يجمع بين مختلف الاعمال في هذا الصدد هو الحس الدرامي المتقدم الذي تسعى الى ابرازه اعلانات الافلام والمسلسلات. الا ان الطريف هو انسحاب هذا المنحى على برامج اخرى من نوع مختلف، لا تحتاج الى هذه التأثيرات الدرامية الكبيرة، وانتقال اجواء من المرح، في المقابل، الى الاعلان عن برامج جدية في سعي الى الايحاء للجمهور العريض بأن روح التسلية موجودة على رغم نوع البرنامج. والنتيجة، ان لعبة التسويق للبرامج التلفزيونية تشبه التسويق لأي سلعة اخرى، ونجاحها في المطلق يقاس عملياً بنتائجها لجهة إقبال المشاهدين. وان اراد لاعبوها في اعماقهم ان يجعلوا منها برنامجاً قائماً بحد ذاته، فإنهم غالباً ما ينجحون في هذه الثواني القليلة المتكررة على مدى النهار ولا سيما في الاوقات الذهبية، في ان ينشئوا جمهوراً لاعلانات البرامج وربما ليس لها هي نفسها، فيتآلف المشاهد مع عناصر البرنامج وكأنه تابعه. اما العبرة، فهي في نسبة الصدقية خلال ما تطرحه البروموشون. ويجدر القول هنا إن البحث عن موضوعية في هذا المجال، يبدو في غير محله لأن السعي الى التأثير يبقى سيد الموقف.