ان وصف هموم الشباب ومشكلاتهم أشبه بإبحار في محيط عميق مليء بالامواج المتلاطمة التي تتكسر عليها احلام الشباب بين الحين والآخر، وخصوصاً موجة المادة التي اصبحت عائقاً مثالياً متكاملاً، فكيف تتوافر لهم وهم لا يعملون، وما هو حجم الهموم اذا كان هؤلاء الشباب قد اغتربوا عن اهلهم وقراهم ومدنهم الصغيرة الى شوارع العاصمة واضوائها ونفقاتها، وما هي الحلول التي تجود بها بنات أفكارهم وهم في هذه الظروف الصعبة، وما هي قصة اختلاف العادات والتقاليد الاجتماعية، وما مدى انعكاساتها. كل هذه التساؤلات العديدة يجيب عليها الشباب، ويقيمون تأثيرها على المستوى الدراسي، وعلى امكان ايجاد مستقبل مشرق تفوح منه رائحة التفاؤل والأمل. "الحياة" التقت الشباب في مساكنهم الخاصة او ما يسمونه في السعودية "العزبة"، وفي أروقة الجامعات، لكشف ما خفي من تلك الهموم، التي غطاها التعفف المعروف عن العرب. أين المكافأة الجامعية؟ الشاب وازن البلوي 26 عاماً، من مدينة القريات تبعد 1700كلم شمال الرياض يقول: "المشكلات المادية هي اساس مشكلاتي، وتتمثل في تأخيرالمكافآت التي تأتي بعد استحقاق الإيجار، ووقت المكافأة غير مناسب والأهل يرسلون المال ولكن بالنسبة لطلاب الجامعة يكون الاعتماد على المكافأة وتوفير السكن الجامعي في أول الاعتبارات التي يضعونها في الحسبان. وبالنسبة إلي فقد رتبت أموري على أساسها وهي من الأمور التي تساعدنا في الغربة ولم أحسب حساب أمور أخرى مثل كلفة سيارة الأجرة لشخص مثلي لا يملك سيارة خاصة، ومصاريف سيارة الأجرة تبلغ 1000ريال سعودي في الشهر والسلفة الجامعية تم ايقافها وغلاء ايجارات المساكن يؤثر علينا. والغربة - والكلام لوازن - تؤثر في الطلبة المغتربين والإحساس بالغربة يؤثر فينا في شكل كبير لدرجة الشعور بالإنصراف عن الدراسة التي تتأثر ايضاً بظروف الابتعاد عن العائلات، بسبب عدم الاستيقاظ احياناً، او المرض من دون وجود من يعتني بهم. ويشدد البلوي على عدم وجود أماكن ترفيه. فالحدائق العامة فقط للعائلات ولا نملك نحن الشباب سوى المقاهي. ولو أوجد لنا جامعات او كليات في مدننا الصغيرة لما أغتربت، لكن بشرط أن تكون فيها جميع التخصصات المطلوبة وتكون شروط القبول ميسرة، وهناك كليات متوسطة في مدينتي لا تقبل بأقل من 90 في المئة". ويتابع الحديث فيقول: "أتصدى للمشكلات المادية بالاستدانة من زملائي المعلمين قيمة الإيجار وثمن فاتورة الكهرباء التي تأتي ب700 ريال نحو 187 دولار وهذا مبلغ ضخم لشقة صغيرة". ويضيف وازن أن الجميع يلقي بالمسؤولية على الآخر فأقسام صرف المكافآت في الكليات الجامعية ترجع عدم الصرف لعمادة شؤون الطلاب في الجامعة التي بدورها تلقي بالمسؤولية على وزارة المال وهكذا. ويقول وازن "إيجار شقتي 14 ألف ريال سنوياً نحو 3733 دولاراً وبحثت عن وظيفة ولم أجد والحل أن تصرف المكافآت في شكل منتظم حتى تنتظم بها جميع أحوالنا وبسبب تأخرها ساءت دراستنا وتحصيلنا العلمي". الغربة... المؤثر الاول يقول الشاب عبدالله أبو شامة 26 عاماً "المادة هي السبب الأول لجهة التأثير على نفسية الطالب وتنعكس على تحصيل الطالب الدراسي لكن الغربة عامل معنوي يؤثر على الطالب أيضاً وذلك في بداية سنوات الدراسة وهذا ما يجعله يفقد سنوات دراسية مثلما حدث معي. ويضيف: "أنا وضعت الحصول على الشهادة الجامعية هدفي الأوحد لكني فوجئت بعدم الحصول على سكن جامعي وغلاء الإيجار في الرياض وصعوبة وسيلة المواصلات واختلاف العادات بين سكان المنطقة الشمالية ومنطقة الرياض مما سبب لي مشكلات وقلل من أصدقائي هنا في مدينة الرياض". ويذكر عبدالله "انعكس انعدام التوجيه المسبق بهذه الامور وصعّب عليّ الحياة، وبسبب عدم وجود شخص يعرِّف بأنظمة الجامعة تدهور تحصيلي العلمي والدراسي". ويسكن الشباب عادة في مجموعات للتقليل من قيمة الإيجار على الفرد الواحد، وتؤثر هذه الطريقة على تحصيل الطلاب كما يوضح ابو شامة "فهناك من يكون لديه امتحان في حين يريد آخرون مشاهدة التلفاز وسماع الموسيقى وهناك من يريد اللعب أو النوم أو غيرها. ونحن مجموعة منتسبين الى جامعات وكليات مختلفه في مدينة الرياض ولها جداول ومواعيد مختلفة وليس من حق أي شخص أن يمنع الآخرين فالكل شركاء في هذه الشقة". النتيجة : لم اعرف احداً التقت الحياة محمد العنزي 25 عاماً يقول: "حصلت على سكن لكن بسبب عدم معرفتي بأحد في الرياض لم أستطع الاستقرار فيها وإكمال الدراسة وبعد أسبوعين سحبت اوراقي والسبب الرئيسي في رجوعي إلى مدينة سكاكا تبعد ما يقارب 1500 كلم شمال الرياض هو شعوري الفادح بالغربة". تأخر المصارف أحمد منصور 25 عاماً يقول أن أبرز مشكلاتي تكمن في "تقطع" المكافآت وما يسببه لي من ضائقة مادية. وأنا لا أريد أن أحرج أهلي بطلبات ترهقهم وتؤثر فيهم وأود أن أتحمل مسؤولية نفسي. ويذكر أحمد أن أسرته متوسطة الدخل وأن كثرة الطلبات قد تكون مرهقة خصوصاً ان عليهم التزامات كثيرة مطالبين بتلبيتها. ويضيف: "أنا لا أملك سيارة وأخرج مع مجموعة لتوفير الاجرة. فأنا أدفع ما يقارب مئة ريال في الأسبوع أي ان نصف المكافأة تذهب مصاريف مواصلات. ثم أنني لا أشتري كتباً ومراجع علمية في حال تأخر المكافآت وهذا غالباً ما يحصل، مما يؤثر في دراستي ويضطرني الى استعارة بعض المراجع من الطلاب والقليل من الحظ يساعد في بعض الاختبارات. ويقول أحمد "أن عادات الرياض تختلف عن غيرها وهذا يؤثر في علاقاتي مع الأصدقاء في منطقة الرياض، ويضع حواجز دائمة. والمذاكرة في شقة مزدحمة بالشباب تختلف، فإذا كان الاختبار مادة صعبة فأذاكر أما إذا كانت مادة سهلة فأسهر مع الشباب وألعب ولا داعي للمذاكرة". وتابع "المسافه البعيدة بين مدينتي ومدينة الرياض 1700كلم تجعل الذهاب باستمرار أمراً صعباً ومتعباً وخطوط الطيران مزدحمة وعادة ما يكون الحجز في وقت غير مناسب إضافة إلى غلاء سعر التذكرة ولكن التخفيض الممنوح للطلبة يساعدنا قليلاً". ويضيف احمد "لو توافرت لنا كليات في منطقتنا لما أتيت الى الرياض ولا تحملت الغربة ومشقاتها، وأعتقد ان سبب تأخر المكافآت الجامعية يرجع إلى تقصير الجامعة وعدم مراعاتها لظروف الطلاب أو بسبب المتاجرة فيها والاستفادة منها في المصارف". ويرى ان الحلول تتركز في صرف المكافآت بانتظام بصورة شهرية وتوفير جامعات او كليات في المناطق البعيدة. الوعي هو المشكلة يعتقد الشاب مفلح محمد - 26 عاماً - ان المشكلة في الأساس هي مشكلة وعي إذ يعتقد الطالب ان الجامعة مثل الثانوية فيفاجأ بالمعدلات التراكمية مما يؤثر عليه في التحصيل العلمي والدراسي وذلك بسبب ملازمة المعدل التراكمي للطالب، والمشكلة الثانية هي في عدم وعي الطالب بالتعامل مع المكافأة وتقسيمها في شكل صحيح على كل أيام الشهر. ويذكر انه يغسل ملابسه بما يقارب 300 ريال في الشهر ويبقى له من المكافأة 540 ريالاًَ فقط يقسمها على سيارات الأجرة وشراء الكتب والمراجع العلمية وإلتزامات أخرى. ويضيف مفلح "ان اعتمادي الأساسي ليس على المكافأة بل على ما أحصل عليه من أهلي من مساعدات مالية". ويرى ان مشكلة الاغتراب التي يعاني منها أكثر الشباب ما هي إلا مبالغات، والطالب يتعود على الغربة بعد فترة وجيزة وأن الأمور تسير على مايرام بعد ذلك. ورأى أن المشكلة الحقيقية هي التوزيع والفرز الذي لا يراعي ميول الطلبة. وهذا التوزيع يزج بالطالب إلى كلية لا يرغب بها مما يؤدي تعثره في المسيرة الدراسية. الشدوخي: "كل شيء تمام" والتقت الحياة بطارق الشدوخي 24عاماً مغترب من مدينة حائل 700كلم شمال الرياض، وذكر الشدوخي ان لا مشكلات يواجهها والسبب في ذلك انه يقيم عند جده لأمه. فيقول: "لا أعاني مشكلات كالتي يعانيها الشباب مثل مشكلة السكن ولكن لدي مشكلة اختلاف الطبائع بين سكان الرياض وسكان حائل وهذا الاختلاف يسبب نوعاً من الحواجز النفسية في إقامة علاقات الصداقة مع الآخرين مما يؤثر في نفسية الطالب". أما المشكلات المادية فلا أعاني منها بسبب الاعتماد على الوالد ولكن أعتقد أنها مشكلة زملائي الأولى. ويضيف الشدوخي "كوني من خارج مدينة الرياض لا يؤثر في تحصيلي الدراسي، بسبب وجودي بين أهلي وأنا سأرفض السكن الجامعي إذا عرض علي لعدم حاجتي إليه". قريتي معزولة الشاب عيسى حربين 23 عاماً من قرية المرابي في منطقة جيزان 1300كلم جنوبالرياض. يقول: "ان انتظام المكافأة لن ينهي مشكلات الطلاب والسبب هو الإيجارات الباهظة التي يعاني منها الطلبة المغتربين إضافة الى فواتير الكهرباء المرتفعة وفواتير الهاتف ومصاريف المواصلات وغسيل الملابس والأكل وغيرها من المصاريف الأخرى"، ويضيف: "ان استحقاق هذه المستلزمات في أوقات الامتحانات يؤثر في نفسية الطالب وتحصيلة الدراسي. وعند فقدان الطالب للمال بسبب تأخر المكافأة لا يستطيع عندها شراء الكتب والمراجع المطلوبة مما يؤدي إلى ضعف المستوى الدراسي". وذكر عيسى أنه مدين لمغسلة الملابس والمطعم والبقالة، وأشار الى عدم وجود وظائف يستطيع أن يعوض بها ديونه، إضافة الى عامل الغربة التي يعيشها وعدم المقدرة على التواصل مع الأهل بسبب عدم وجود خدمات الهاتف في قريته، وهذا كله يؤدي إلى تدهور تحصيله الدراسي، ويلاحظ أن المجتمع في الرياض يختلف عنه في جيزان من أغلب النواحي وهذا سبب لي حواجز وحال دون إيجاد صداقات. المطاعم مشكلتي والتقت "الحياة" محمد بن حسن 23 عاماً من مدينة المجمعة 200كلم شمال الرياض وقال: "أنا لا أعتمد على المكافأة لأني أعتمد على ما يرسله لي أبي والغربة لا تؤثر فيّ لأن المسافة قريبة جداً وفي أي وقت يسعني الذهاب إلى الأهل ولذلك لا تأثير يطرأ على دراستي ولكن مشكلتي تكمن في المطاعم التي قليل منها ما يروق لي، إضافة الى مشكلة العيش وحيداً مما يسبب لي متاعب في الاستيقاظ في الصباح ويزيد غيابي عن المحاضرات ويجعلني مهدداً بالرسوب.