ما الذي يمكن أن نقرأه في الخلاصة العامة لنتائج محادثات الرئيسين الفلسطيني ياسر عرفات والأميركي بيل كلينتون في البيت الأبيض الثلثاء الماضي، وهي أن عرفات وافق على مقترحات كلينتون "مع تحفظات" وتم الاتفاق على استئناف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟ أولاً، ان التحفظات الفلسطينية على الاقتراحات الإسرائيلية الأصل الملفعة بصياغة أميركية غامضة، باقية كما هي وقد شرحها عرفات بالتفصيل لكلينتون وهي، على كثرتها المبررة، تتعلق أساساً بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم والتعويض عليهم، وهو ما تحاول المقترحات الأميركية الالتفاف عليه، ثم حقيقة ان المقترحات تجعل الدولة الفلسطينية مقسمة إلى ثلاثة كانتونات لا تتمتع بتواصل جغرافي بسبب الكتل الاستيطانية اليهودية والطرق الخاصة بها، وكون الأحياء العربية في القدس لن تكون مترابطة بعضها ببعض أو بالدولة الفلسطينية. ومن الواضح ان كلينتون ظل من ناحيته مصراً على أن يعلن الفلسطينيون أولاً قبولهم المبدئي بمقترحاته قبل أن يمكن الخوض في تفاصيل اعتراضاتهم التي نقلها إلى الجانب الإسرائيلي، واقترح عقد مفاوضات مع إسرائيل لمدة 10 أيام تحت اشراف أميركي لمناقشتها. وذكرت مصادر صحفية إسرائيلية ان عرفات أصر في اجتماعه الثاني مع كلينتون على ضرورة أن يتلقى من الرئيس الأميركي رسالة تؤكد له أن قبوله المبدئي بالمقترحات الأميركية لا يلغي تحفظاته عنها. ويبدو أن الأميركيين مستعدون لإلحاق رسالة أو وثيقة بهذا المعنى بمقترحاتهم تسجل التحفظات الفلسطينية والإسرائيلية أيضاً. وأمس في القاهرة شرح عرفات لأعضاء لجنة المتابعة لقرارات القمة العربية ما جرى في اجتماعيه مع كلينتون، وكرر التحفظات التي شرحها له، مشدداً خصوصاً على تمسكه بحق اللاجئين في العودة. وأكد رئيس اجتماع لجنة المتابعة وزير الخارجية المصري السيد عمرو موسى بعد الاجتماع التمسك بالسيادة الفلسطينية على الحرم القدسي وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. في المقابل، كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي المستقيل ايهود باراك في رسالة إلى الحاخامية الكبرى أمس رفضه "نقل" السيادة على الحرم القدسي إلى الفلسطينيين. وكان صرح عشية محادثات عرفات - كلينتون بأنه لا يمكن أن يقبل بعودة اللاجئين بأي شكل من الأشكال، ملوحاً في الوقت ذاته بشن حرب على الفلسطينيين قد تتوسع إلى حرب اقليمية. أما قراءة باراك نفسه لما جرى في البيت الأبيض الثلثاء الماضي، فهي ان الأنباء عن قبول عرفات بمقترحات السلام الأميركية "لم تغير الموقف بصورة ملموسة" بسبب ما رافق القبول من تحفظات. ونقل مصدر سياسي إسرائيلي عن باراك قوله: "لا يوجد سبب لاجراء اتصالات ديبلوماسية... فقط اتصالات بشأن وقف العنف ... لن نذهب إلى واشنطن"! وهكذا يتضح أن باراك يئس من إمكانية اذعان عرفات، على رغم الضغوط الإسرائيلية - الأميركية للخطة المقترحة لتسوية نهائية واختار قصر الاتصالات على موضوع واحد هو "وقف العنف". كما لو أن الفلسطينيين هم الذين يحاصرون إسرائيل وينفذون عمليات اغتيال وقصف بالصواريخ والدبابات في صورة شبه يومية منذ أواخر أيلول سبتمبر الماضي! ومع ذلك، فقد جرى الإعلان عن اجتماع أمني فلسطيني - إسرائيلي في القاهرة بعد غد الأحد بمشاركة مصرية وأميركية، لكن الفلسطينيين يشترطون، كما أعلن العقيد محمد دحلان، رفع الحصار ووقف العدوان الإسرائيليين قبل مواصلة التنسيق الأمني. إن مجرد بقاء كتلة استيطانية إسرائيلية واحدة مثل "معاليه ادوميم" تقسم الأراضي الفلسطينية من شأنه أن ينسف الخطة المعروضة على الفلسطينيين. والواقع ان الخطة بمجملها أقرب إلى الاطماع الإسرائيلية منها إلى قرارات الشرعية الدولية. وقد أحسنت القيادة الفلسطينية صنعاً بتمسكها بحقوق شعبها واعطاء نفسها فسحة زمنية أطول بأمل أن تطرأ تطورات تُفهم إسرائيل ومؤيديها أن لا حل إلا على أساس قرارات الأممالمتحدة.