حصار عسكري مشدد يخنق الفلسطينيين، وتهديدات اسرائيلية من كل حدب وصوب، واستعدادات لخوض حرب، واستيطان مستمر، وأميركا تجند عرباً للضغط على الفلسطينيين للقبول بالصفقة المعروضة. هكذا بدت الصورة مع دخول الانتفاضة شهرها الرابع والمرشحة شعبيا لمزيد من التصعيد. شددت اسرائيل من حصارها العسكري المفروض على الاراضي المحتلة وتلك الخاضعة للسلطة الفلسطينية، ومنعت آلاف الفلسطينيين من دخول القدس لاداء صلاة الجمعة في اليوم الثالث لعيد الفطر. كذلك شنت القوات الإسرائيلية حملة اعتقالات واسعة بعد الهجومين في تل ابيب وقطاع غزة اول من امس، واعتقلت خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية 15 فلسطينياً في منطقتي القدسورام الله. وقالت مصادر فلسطينية ان اربعة من الناشطين في حركة "فتح" في مخيم قلنديا للاجئين اعتقلوا مساء اول من امس، فيما اعتقل خمسة من قرية سنجل القريبة من رام الله. وأعلنت اسرائيل انها اعتقلت ستة آخرين من القدس. وترافقت اجراءات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين مع سلسلة من التهديدات الاسرائيلية العسكرية والسياسية الرسمية منها وغير الرسمية. ففي لهجة تهديد واضحة، قال وزير المال الاسرائيلي ابراهام شوحاط: "اذا لم يعط الرئيس ياسر عرفات ردا ايجابيا على المبادرة الاميركية فسنواجه وضعا تتوقف فيه العملية السلمية وعندها ستحصل امور كثيرة من المرجح ان تكون سيئة". وحدد موعدا نهائيا لعرفات قبل ان "ترد اسرائيل" على الهجومين، وقال: "يجب ان ننتظر يومين او ثلاثة". وشاركه وزير الخارجية رئيس الطاقم التفاوضي شلومو بن عامي التهديدات، إذ قال خلال لقاء مع عرب ناشطين في حزب العمل الحاكم في مدينة عكا: "لا يمكن الاستمرار في المسيرة في الوضع الحالي اذا لم يرد عرفات بالايجاب"، وذلك في اشارة الى الهجومين. واضاف: "على عرفات ان يقدم رده حتى لو تضمن بعض التحفظات لكي يتسنى لنا الشروع في المفاوضات". أما رئيس الحكومة المستقيل ايهود باراك فأصدر أوامره الى الجيش الاسرائيلي واجهزة الاستخبارات بمواصلة "عمليات المبادرة اي الاغتيال من اجل ضرب بمخططي العمليات ومنفذيها". ونقلت مصادر اسرائيلية عن مسؤولين في مكتب باراك قولهم ان النية تتجه فضلا عن الاعتقالات، الى اغتيال ناشطين كبار في المنظمات الفلسطينية. وقالت المصادر ان الاجهزة الاسرائيلية تدرس امكان اعادة اغلاق المطار الفلسطيني والمعبر الحدودي وان "من شأن موجة العمليات اذا رافقها جمود سياسي ان تجعل باراك يتصلب في مواقفه الى درجة تجديد العقوبات الاقتصادية وتقسيم قطاع غزة الى شطرين". "تحفظات" موفاز وحذر رئيس اركان الجيش الاسرائيلي شاؤول موفاز من أن ثمة تفاصيل في صيغة الرئيس بيل كلينتون للتسوية النهائية "تتناقض مع امن اسرائيل". ورأى في مقابلة صحافية ان تبني الصيغة "سيمس بالنشاطات الامنية وبالاستعداد للحرب والتدريبات واحباط الارهاب". وقال: "اؤيد المسيرة السلمية واعتقد انها حيوية لاسرائيل، لكن توجد عيوب كثيرة في المقترحات الاميركية. ان التنازل في غور الاردن سيمس بقدرة الجيش في الدفاع عن العمق الاستراتيجي للدولة وبقدرته على مواجهة المخاطر من الشرق. كذلك تسليم منطقة حلوسة جنوب قطاع غزة سيمس بقدرة سلاح الجو على التدريب. والخطة المقترحة ستحول احياء يهودية في القدس الى جيوب في منطقة فلسطينية من الصعب الدفاع عنها". ويعكس موقف موفاز تقديرات الاجهزة الامنية الاسرائيلية في شأن استمرار الانتفاضة واحتمالات قوية لنشوب حرب في المستقبل القريب حتى الربيع المقبل. وقال رون بن يشاي المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" انه يستشف مما رشح من اجتماع موسع لاجهزة الاستخبارات العسكرية والداخلية ان هذه الاوساط لم تتوصل الى رد شاف في شأن التطورات المستقبلية على الارض اذا ما فشلت المفاوضات او اذا قبل الفلسطينيون بالصفقة المعروضة عليهم من اسرائيل والولايات المتحدة. وأشارت المصادر الاسرائيلية ان الاستخبارات فشلت في قراءة "ما يدور في ذهن عرفات" وانها تأمل في ان يكون موقفه الحالي "تكتيكياً" وانه يسعى الى الحصول على المزيد حتى اللحظة الاخيرة. وقالت ان الجيش الاسرائيلي "يستعد لمواجهة مستمرة في الاراضي الفلسطينية وامكان حرب شاملة في الربيع وان النية تتجه الى تمديد وجود القوات النظامية لشهر او شهرين وبعد ذلك اخراجها للتدريب". الحاخاميون يهددون ايضا وهدد رئيس لجنة حاخامي المستوطنات زلمان ميلماد "بالنضال بكل الطرق الممكنة وبكل قوتنا كي نوقف المجريات" المتعلقة بالسيادة على الحرم القدسي الشريف المنصوص عليها في مبادرة كلينتون للحل الدائم. وقال في اجتماع استفزازي قرب حائط البراق في ما يشبه "الفتوى": "فليعلم من يستيقظ للقيام بخطوة ما، ان كل شيء يحظى بمباركة الحاخامين". وفي مقابلة صحافية مع صحيفة "كل العرب" التي تصدر في اسرائيل، هدد عامي ايالون الرئيس السابق لجهاز الامن العام الشاباك بأنه في حال اندلعت حرب، فان اسرائيل "ستقوم باعمال غير متعقلة كما حدث في العام 1948". واستيطان أيضاً الا ان وزير الاسكان الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر لم يكن في حمى المفاوضات مع الفلسطينيين وما يسمى ب"الفرصة الاخيرة" لانجاحها، بحاجة الى "فتوى" للمصادقة على مصادرة اراض في القدس وتمديد "مكانة الافضلية أ للمستوطنات" في الضفة والقطاع، أي منحها الاولية في مشاريع التطوير والتسهيلات الاقتصادية سنة أخرى. وكشفت صحيفة "يورشاليم" الاسبوعية ان المصادقة تمت الاسبوع الماضي على خطتين منفصلتين تتضمنان مصادرة 178 دونما في منطقة القدسالشرقية على شارع رام الله - القدس قرب جبل المكبر بهدف اقامة مشروع "القطار الخفيف" وانهاء شارع "الطوق الشرقي" الذي يحاصر القدس من الناحية الشرقية امعاناً في عزل المدينة عن بقية الضفة الغربية. وازاء هذه الصورة، جدد الفلسطينيون رفضهم أي مقترحات لا تضمن استرداد حقوقهم الكاملة في قضيتي القدس واللاجئين. وشدد خطيب المسجد الاقصى الشيخ محمد حسين على رفض الفلسطينيين جملة وتفصيلاً حلاً ينتقص من حق الفلسطينيين اللاجئين في العودة الى اراضيهم وديارهم التي شردوا منها، وقال: "لو لم يكن هناك احتلال ومشردين ومشتتون لما كانت هنالك قضية فلسطينية، وقضية اللاجئين هي الأهم وتحظى بالأولوية على غيرها من القضايا". أما في ما يتعلق بمنطقة الحرم، فقال الخطيب ان اسرائيل "تريد ان تدق مسمار جحا في الحرم القدسي الشريف عندما تتحدث عن سيادة لها تحت المسجد الاقصى". واضاف: "الله اكبر يا مسلمين، ألا يقع المسجد القديم والمصلى المرواني في المنطقة السفلى للحرم؟". وفي الشارع، خرج الفلسطينيون في مسيرات تؤكد استمرار الانتفاضة حتى "كنس الاحتلال". واصيب شابان فلسطينيان بجروح اثر اطلاق النار عليهما خلال مواجهات شهدها المدخل الشمالي لمدينة البيرة. وفي غزة أ ف ب، اعلنت مصادر طبية ان عنصراً في اجهزة الامن الفلسطينية قتل واصيب اثنان اخران بجروح امس عندما اطلقت دبابة اسرائيلية قذيفة على موقع للشرطة قرب معبر ايريز في قطاع غزة. وقالت مصادر امنية فلسطينية ان الحادث وقع بعد تبادل لاطلاق النار بين جنود اسرائيليين ومسلحين فلسطينيين. وأوضحت ان القتيل محمد علي نصير 26 عاماً كان من شرطة الحدود. وقال ناطق باسم الجيش الاسرائيلي ان "قذيفة اطلقت من دبابة على موقع فلسطيني ردا على اطلاق نار غزير منه".