قد لا يتذكر الجيل الجديد من المشاهدين السوريين الاعداد الاولى من برنامج "مجلة" التلفزيون الذي يبث منذ سنوات طويلة مساء كل خميس، على التلفزة السورية. لكن المجلة كانت موجودة وتطور اداؤها سنة بعد سنة، وخلال هذا التطور كانت الفكرة الاولى تراوح مكانها - اللهم ما عدا المرحلة التي بادر فيها الصحافي المذيع مروان صواف باطلاق طاقاتها جدياً وهي نقطة تسجل لمصلحته دوماً. والذي يحرض على الكتابة عنها هذه الايام هو "الخلطة السرية" التي اعدت منها الاعداد الجديدة من المجلة، بعدما كلف محمد منصور اعدادها، بدلاً من غسان شهاب، أي ان التجديد في المجلة هو الذي يحرض على الكتابة عنها، ويستدعي الحديث عن الاعداد القديمة الاسبوعية التي كانت في حاجة الى نقد جدي: ايجاباً وسلباً. اول ما يمكن الحديث عنه هو: وقت المجلة وامكاناتها وفكرتها الجذابة... وهذه المسائل هي التي سببت وتسبب دوماً حال الاسترخاء على رغم حساسيتها والتعامل الجدي معها. فمن السهل ان احصل على الجمهور الواسع ليلة الجمعة قبل وجود الدشات وبعدها. ومن السهل إعطاء كاميرا لأي موظف وزجه في اجواء تصوير عمل جديد مسلحاً بسؤال او سؤالين: ماذا تصورون؟ وما هو الدور او الشخصية؟؟ ومن السهل ايضاً اضافة موضوع عن الاغنية او الدراما او الشارات التلفزيونية او... من طريق استكتاب ناقد مجرب. كل هذا وارد، ولكن من الصعب دفع برنامج تلفزيوني ترفيهي تثقيفي اخباري فني من هذا النوع يحمل رتبة "المجلة" التي تمثل التلفزيون والفن في سورية من دون اللجوء الى نوع من الاستنفار الصحافي الدائم وسعة الاطلاع والمتابعة الثقافية والفنية على صعيد الاعداد، وهذا يعني الحاجة الى تفرغ طاقم عمل معد على مستوى الموهبة والمسؤولية. تبدو مجلة التلفزيون اذاً حالاً خاصة صعبة وسهلة معاً. لكنها في حصيلتها حال خطرة يمكن ان تترهل في سرعة ويشعر بترهلها المشاهد خصوصاً الذي لا يملك الدش. جاء محمد منصور الذي يستدعى عادة كلما ارتفع مستوى الحماسة لتطوير "المجلة". وله تجربة من هذا النوع في القناة الثانية للتلفزيون العربي السوري. وايضاً جاء معه المخرج عدنان حجازي الذي يستطيع اطلاق تشكيل اخراجي مهم اذا اراد واذا وجد ما يشجع على ذلك. فما الذي فعلاه بالمجلة؟؟ هل كانا في حجم الحماسة لهما؟ هل جاءا بجديد؟ الجواب مبكر عن التجربة. لكن الاثنين اتكآ على المادة الاولية الاولى وبقيا في إطار الفكرة الاولى التي تدور عليها المجلة، وإن زاد عليها العامل الاخباري الفني في بعده العربي. وهذا يعني، ان ثمة احتمالاً للاسترخاء القريب عند تعود الشكل الذي ارتدته المجلة. فهل المشكلة في المضمون اذاً؟ نعم المشكلة في المضمون، لأن المضمون الذي يمتلك سوية عالية يستطيع افراز شكله الملائم. فالمشاهد لا يهتم كثيراً بتحريك المذيعات قبالة الكاميرا الا اذا كانت الحركة ضرورية، لكنه ايضاً لا يرضى بمذيعات ضعيفات الحضور، وهذا ما تقع فيه "المجلة" احياناً كثيرة. تقسيم العمل في "المجلة" هو الذي يرفع من سويتها، وهذه السوية لا تكون في حجم ما نرغب الا اذا دخل عليها الجانب النقدي المتابع والحثيث والجريء لكل ما تعرضه قنوات التلفزيون. وهنا تبرز ثلاث مسائل: - الاولى، تتعلق باستطلاعات الرأي، اذ كانت تعتمد عينة سريعة غير كافية لتحديد قيمة العمل الفني. - الثانية، الحاجة الى ناقد جريء اضافة الى معالجة اراء الصحافة الفنية المكتوبة والوقوف عندها، ومحاولة التوليف بين مجلة "فنون" التي تصدرها الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون و"مجلة التلفزيون" التي نتحدث عنها. - الثالثة، فقدان الحوار الفني والثقافي المدروس والمتعلق بالنصوص والاخراج والتصوير والمونتاج والديكور والاستعاضة عنه سابقاً بلقاءات سريعة عن "آخر الاخبار". واذا كانت كل هذه المعطيات تستلزم مراجعة ودراسة، فان ذلك يعود الى اهمية هذا البرنامج التلفزيوني السوري الذي مضى عشرات السنين على وجوده واسهمت فيه مجموعة من خيرة كتاب سورية وصحافييها وفنانيها ونقادها. و"مجلة التلفزيون" برنامج مشاهد ويمكن المشاهد العربي متابعته فضائياً. لكن الزمن الطويل الذي مر على انطلاقته جعل حالات الاسترخاء كثيرة، وهذا اجحاف في حق المشاهد الذي يتابعه.