مضى زمن طويل، واشكالية المذيع العربي قائمة وحساسة وتفرض نفسها على كل شاشة وطنية قديمة أو محدثة. وقد مرت هذه الاشكالية بمستويات عدة، كان في مقدمها اعتماد مذيعين من جنسيات عربية مختلفة، وهذا المستوى، وان كان يدل الى ضعف الكادرات المحلية، يفيد في جانب آخر، ويعتبر ايجابياً، إذ تتوحد لغة الإعلام العربي وأبحاثه، وتتحطم الحواجز أمام العمالة العربية، وان كان هذا التحطيم يمس الهوية الوطنية للتلفزيون! ومن المستويات الأخرى التي مرت بها هذه الاشكالية، الوقوع في مطب الشكل والمضمون. فالبحث عن الشكل قد يغفل الحضور الثقافي والفني. والبحث عن هذا الحضور قد يفعل الشكل، وقد تعرّف المشاهد العربي الى نوع من هذه المستويات هو الذي يقدم الينا مذيعاً، أو مذيعة، يتفاعل مع أفكار معد البرنامج، فتبدأ المذيعة بالتخبط في أفكار لا تعبر عن قناعاتها، ويبدأ المعد باستكمال صورة غضبه الكاريكاتورية وراء الكواليس التلفزيونية، فضلاً عن الاشكالية الكبيرة في هذه المسألة، وهي ان قوة أي برنامج أو ضعفه، يعود أساساً الى التقديم، وهو في اطاره العام: حضور، وثقافة، وتعامل حيوي مع فكرة البرنامج ومستلزماتها. وبرزت في السياق قضيتان مهمتان: * الأولى قضية مذيعات الربط: وقد تجاوز بعض الأقنية التلفزيونية العربية هذه القضية بالتخفيف ما أمكن من اعتماد مذيعي الربط. * الثانية قضية المذيع الصحافي: تندرج ضمنها فكرة الصحافية المقدمة. وقد أثبت هذا التطور في الأداء التلفزيوني جدواه، ولو لم يكن الشكل عاملاً أساسياً في النجاح. ويحتاج التلفزيون العربي الآن الى معاينة المسألة على نحو جديد، إذ ان تعدد الفضائيات العربية وتزايد عدد البرامج السياسية والثقافية والمنوعة، أفرزا أنماطاً كثيرة من المذيعين يمكن أن نذكر منهم: * النمط المصري. * النمط اللبناني. * النمط السوري. * النمط الوطني. وهذا التنميط لا يسيء الى واقع تطور الأداء التلفزيوني للشاشات العربية وتاريخيته، بمقدار ما يوصف واقعة بعينها. إذ يمكن القول ان المشاهد الذي كان يميل الى النمط المصري أو اللبناني أو السوري بحسب نوعية البرنامج، أخذ يتقبل النمط الوطني لكل شاشة. فقد خطا النمط الوطني خطوات مقبولة، وثمة أنماط قد تكون حازت اعجاب المشاهدين العرب. ونذكر هنا على سبيل المثال: النمط الكويتي والنمط البحريني والنمط التونسي... اضافة الى النماذج التي أسست لنفسها سابقاً أي: السوري واللبناني والمصري! فما المطلوب الآن، بعدما وصل البث التلفزيوني العربي الى أقاصي الأرض، وصار في امكان أي عربي في أي مكان من العالم التعرف الى المذيع العربي والإصغاء اليه يومياً ومشاهدة ملابسه وصورته والتفاعل مع ثقافته وآليات الحوار عنده؟! أذكر حواراً جميلاً دار بيني وبين الشاعر ومعدّ البرامج اللبناني زاهي وهبة، رأى فيه ان امكانات كل نمط عربي غير قليلة إذا ما أطلقت، وفسح في المجال أمام ابداعاتها. أي ان السوري يمكنه أن يتميز عندما تعطى له فرصة التعاطي مع مادته ومشاهده من دون قيود أو شروط، وكذلك المذيع العراقي أو اللبناني أو القطري... وهكذا. يعني من الضروري أولاً: إطلاق طاقات النموذج أو النمط الوطني وازالة معوقات الإيصال من أمامها. وأيضاً، وهذه تخصُّ المذيع العربي وحده، فالثقافة والمتابعة مسؤوليتان لا يجوز التراخي في شأنهما. المشاهد العربي قادر على التمييز، وعلى الاختيار بعدما كان مرهوناً لنموذج واحد يفرض نفسه عليه كل مساء، من خلال شاشة واحدة! وبالتالي، فإن المهمة تكبر أمام المذيع العربي. والمهمة هنا لها علاقة بالثقافة والمتابعة كما أشرنا... ولكن لها علاقة أيضاً بالحضور والشكل والأناقة والانسجام العام مع مواد برنامجه. بمعنى آخر، انه النموذج الأبرز: أي المذيع الصحافي القادر على تحقيق كل هذه الشروط. فهل يحق لنا اعطاء اسماء لنماذج موجودة، منها: حمدي قنديل من مصر، ومروان صواف من سورية، ويسري فودة في قناة الجزيرة، وزاهي وهبة من لبنان، والكثيرون الذين أخذوا يشقون طريقهم على أقنية دول الخليج العربي؟! نعم يحق لنا، وستزداد القائمة!