اذا كان للمرء أن يتمنى شيئاً للسينما او السينمات العربية في مستهل هذا القرن الثاني من عمر الفن السابع، فما الذي يمكن ان تكون عليه الامنية؟ ثمة أمور كثيرة يمكن تمنيها، لعل اولها القدرة على الاستمرار. ويقيناً أن السينما العربية تحتاج إلى هذه القدرة قبل ان تحتاج إلى أي شيء آخر، لأن استعراضاً دقيقاً لما يدور الآن في عوالم هذه السينما، سيقول لنا ان الفن السابع العربي، في مختلف عواصمه وتياراته، بما فيها الأكثر تجارية، يعيش تراجعاً يهدد بأن يكون قاتلاً في نهاية الأمر. وهذا التراجع يتجلى، من ناحية، في استنكاف الجمهور العريض عن ارتياد دور السينما في شكل يكفي الافلام لكي تعيش ويعاد انتاجها، ومن ناحية ثانية في استنكاف الممولين عن المغامرة بأموالهم، خصوصاً في تشجيع ما هو جيد وجديد من الابداع السينمائي... اذاً، أمام مثل هذا الواقع، من المؤكد ان الامنيات المطلوبة ستصب جميعاً، وأياً يكن عددها ونوعها، في خانة البحث عن وجود مستقبلي لفن داعب أحلامنا ورفّه عنا، وأسهم في تكوين طبيعتنا، وقربنا بعضنا الى بعض - ولو في شكل غير كاف - وهذّب أذواقنا ما يقرب من ثلاثة ارباع القرن هي عمر السينما العربية الانجح: السينما المصرية - تقريباً. سنتمنى أولاً للسينما أن تعرف كيف تجدد وكيف تتمكن من اجتذاب الجمهور العريض، الى الصالات في استعادة حقيقية لتقاليد صنعت بعض اجمل عاداتنا الاجتماعية خلال سنوات طويلة من القرن العشرين. ثم سنتمنى للسينما العربية ثلاثة تحالفات، نعرف ان كلاً منها يحمل ما يحمل من العقبات والمحظورات، ولكن، ما دامت المسألة مسألة امنيات، "سنغامر" ونفصل هذه التحالفات الثلاثة: - التحالف الاول هو ذاك الذي نقترحه، واقترحناه دائماً، بين مختلف عواصم السينما العربية. اذ حتى اليوم لم يتحقق اي نجاح للانتاج المشترك، ولا حتى للتعاون بين السينمائيين العرب، مع ان التجارب القليلة في هذا المجال اثبتت دائماً ما تحمل من امكانات مستقبلية "العصفور" و"السقامات" و"الرسالة" وغير ذلك من أفلام شاركت فيها في شكل او آخر اطراف عرب عدّة. - التحالف الثاني هو بين فن السينما والكثير من الفنون الأخرى. وفي مقدم ذلك الكتاب العرب، اذ حتى اليوم، وعلى رغم ان السينما المصرية مثلاً اقتبست مئات الأعمال الادبية روائية او غير روائية، فإن التعاون بين الكتاب والسينمائيين لا يزال خجولاً، وعادة بسبب استنكاف الكتّاب انفسهم عن خوض ميدان لا يزالون ينظرون اليه باستخفاف، من دون ان ينتبه معظمهم الى انه اثر حتى في عمق كتاباتهم وغيّر آدابهم. واقتراب الكتّاب والرسامين والموسيقيين والمسرحيين اكثر من عالم السينما، سيُثري الطرفين ويحقق تصاعداً في المستوى. - والتحالف الثالث، والأهم، في أيامنا هذه وفي المستقبل المنظور، هو بين السينما وفنون الصورة الأخرى، مثل التلفزيون والانترنت وما شابه. وسنقول هنا مباشرة ومن دون اي تأخير ان مستقبل السينما نفسها يكمن ها هنا، حتى لو داعبنا الف حنين وحنين الى تقاليد العروض في الصالات، وحتى لو شكل هذا الأمر أعز أمانينا. فالواقعية تفرض علينا اليوم ان نعتبر ان وسيلة اساسية من وسائل انقاذ السينما تكمن في التفاعل الخلاق مع فنون الصورة الجديدة. لأن في مثل هذا التفاعل بقاءً للسينما، ولكن ايضاً اخراجاً لفنون الصورة من عاديةٍ قاتلة وضحالة ملحوظة. الخوض في هذه التحالفات وتمنيها، لا يمنعاننا من الإشارة الى بعض ما قد يعتري الأمر من محظورات. فبالنسبة الى الأمنية الاولى نعرف أن على الانتاج المشترك، إن هو قام، أن يكون غير ما اعتاده: عليه ألا يتحول ويحول الفيلم معه اعمالاً من نوع "من كل بستان زهرة" في سبيل ارضاء الاطراف المشاركين كافة. على الانتاج المشترك ان يحتفظ للمبدع بأصالة عمله وشخصيته ولغته، والا فلن يكون فعلياً. وبالنسبة الى الامنية الثانية من المؤكد ان ما نتمناه هو ان تتفاعل الفنون في ما بينها لا ان يؤدي التفاعل الى ذوبان واحدها في الآخر. وأما بالنسبة الى الامنية الثالثة فإن ما نحلم به هو تعاون يسير على شروط السينما لا على شروط التلفزة، لأن في مثل هذا فقط فائدةً للتلفزة وارتقاءً بها، وانقاذاً للسينما وبقاءً لها. فهل كثير ان نتمنى هذا، وأن تعيش السينما العربية بفضله مئة عام جديدة؟