فيلم من هنا، فيلمان من هناك... أحلام في كل مكان، بعضها يتحقق وأكثرها يبقى على الورق وفي الأفئدة. بلدان تشكو اختفاء الصالات والموت البطيء أحيانا المتسارع في أحيان أخرى لتقاليد الفرجة السينمائية الجماعية، وبلدان تشهد ما يمكن اعتباره تخمة في تشييد الصالات. وفي خضمّ هذا كله هناك شرائط هجينة تحمل إسم سينما وتعرض في صالات السينما وتحصل على اموال السينما لكنها بعيدة عن السينما سنوات ضوئية. شرائط تمعن في نشر ثقافة السيقان ويقول البعض ان صانعيها لم يشاهدوا فيلماً حقيقياً في حياتهم. ومن حول هذا الخليط مهرجانات... مهرجانات كثيرة، مهرجانات متنوعة، ومهرجانات قد يكون عدد ضيوفها ونجومها احياناً أضعاف عدد متفرجيها. لكن هذا كله صار جزءاً من تلك اللعبة الطريفة العجيبة المدهشة المسمّاة حال السينما العربية. وهذه السينما بالذات تكاد تصبح جزءاً من حال التلفزة العربية. وهذه الأخيرة تتحول اكثر واكثر لتصبح جزءاً أساسياً من التقاليد الإستهلاكية العربية وليس فقط لأن الصالات الأساسية صارت تلك المنتشرة في مولات بيروت والقاهرة ودبي وغيرها من عواصم «الفرجة» العربية. في شيء من الإختصار يمكن القول ان تلكم هي الصورة الرئيسة لحال السينمات العربية، أو الجزء الرئيس منها في العام المنتهي. فهل سيمكن القارىء ان يعثر في هذه الصورة على ما قد يكون مختلفاً عن الصورة التي رسمناها في هذا المكان بالذات في جردة العام الماضي؟ ليس الأمر يسيراً. ومع هذا قد يتساءل القارىء النبيه عن أين هي السينما نفسها فناً وأفلاماً في الصورة الإجمالية التي نحاول ان نرسم؟ بل حتى قد يتساءل هذا القارىء نفسه عن الأحلام السينمائية لربيع عربي سبق التحدث عنه خلال الأعوام المنصرمة، عنه وعن سينماه التي قالت الحكاية انها ستظهر بالتدريج... مهما يكن، لا بد من القول ان الأمور في هذين المجالين ليست سيئة تماماً... فالأفلام الجيدة لا تزال تحقق ولو بالقطارة، وذهنيات الربيع العربي – أو ما تبقى منه – لا تزال حاضرة وربما تزداد حضوراً هنا وهناك، ولكن ليس بصورة شديدة الإنتشار. بالقطارة مثلا، وبأموال دعم صار نادراً الحصول عليها من حيث كان الحصول عليها في الماضي ممكناً، من التلفزيونات الأوروبية ومؤسسات الدعم الغربية مثلا، ليسهل اليوم الحصول عليها، أو على بعضها على الأقل، من صناديق دعم في دبي او ابو ظبي او الدوحة. ولن نكون مغالين إن قلنا ان افضل ما يحقق في السينمات العربية اليوم يحقق بدعم من «انجاز» و«سند» بين مؤسسات أخرى، هذا إذا استثنينا المغرب حيث لا تزال الدولة أي الأموال العامة نفسها مستمرة في خلق نهضة سينمائية لافتة – في كمّها إن لم يكن في مستوى معظم أفلامها، وتلك ضريبة لا بد من دفعها على الأقل حسب نظرية ماوتسي تونغ عن الكمّ الذي يخلق نوعية في نهاية الأمر! -، وإذا استثنينا مصر التي يبدو سينمائيوها الأكثر وفاء لوعود «الربيع» والعراق الذي قرأنا على صفحات «الحياة» نفسها عشرات المواضيع عن انتاجات جديدة له ثم انتهى العام من دون ان نسمع عن هذا الجديد إلا في ما يخص فيلماً واحداً قيل انه عبّر عن حنين مقيت الى زمن الديكتاتور الدموي الراحل! في ظل هذه الصورة المبهمة بعض الشيء تواصل الأفلام حضورها، في كل الجغرافية العربية عموماً، ولكن ليس دائماً على شكل صناعة وليس بالضرورة على شكل نهضة «ربيعية»... بل في أغلب الأحيان على شكل ظواهر فردية تبقي للفن السابع مكانته واحترامه، ولكن الى درجة ان كثراً من الطارئين يشنون عليه تلك الغزوة التلفزيزنية التي لن نملّ الحديث عنها في زمن يتيح فيه إصرار السينمائيين الحقيقيين وقد باتوا أفراداً مبدعين لا تيارات او حركات او فخراً قومياً، على حضور السينما في الحياة ولو بدزينة من أفلام مبدعة تتجاوز الإبداع المعتاد لكلّ واحد منهم إن لم يكونوا اصحاب افلام أولى، والدروب الممهدة والفولكلور المكرر لتقول، في روائيّها ووثائقيّها طويلها وقصيرها، مدعومها او انتاجها المستقل، اننا نعيش مرحلة يمكن لشعارها الأساس ان يكون: ماتت السينما، يعيش السينمائيون!