إذا كانت الصحافة عموماً مهنة البحث عن المتاعب، فالصحافة السورية هي أصدق تعبير عن متاعب البحث عن مهنة. ففي سوق سورية يعاني الإعلام ركوداً كباقي قطاعات الحياة، ولا يختلف عنها في شيء سوى درجة السوء الذي يحياه، هذا ان كان حياً؟! أوضاع صعبة تواجه طلاب الصحافة - عدا أصحاب النفوذ منهم - وتشكل سداً في وجه طموحاتهم، ولطالبات الصحافة خصوصاً شجون تزيد أو تنقص من دون أن تخرج عن اطار دائرة ضيقة تحدد هوامش الإبداع والحرية. أربع طالبات صحافة في السنة الأخيرة من الدراسة، على موعد مع البطالة، وصفن لنا حدود الدائرة والمشكلات التي تحتويها، وآمالهن في الانفتاح الإعلامي الذي بدأت تشهده سورية، متزامناً مع نهضة شاملة لمجالات الحياة كافة: الصحف السورية تعاني من عداوات الصحافيين - دارين سلام سنة رابعة قسم الصحافة: لمدة سنة ونصف في صحيفة الاتحاد الرياضي غطيت أحداث دوري كرة السلة للسيدات وبطولات السباحة ودوري كرة اليد، عبر تقارير اخبارية، وما أستطيع تسميته تجاوزاً بالتحقيقات. واجهت في عملي مشكلة لا تتعلق بي وانما بالصحف السورية كلها، وهي العداوة بين الصحافيين، فكل واحد يريد مقعد الآخر، وعلى رغم انني متدربة فقد عاملوني وكأني أطمع برئاسة التحرير. وطالما قالوا لي: أنت تدرسين الصحافة، وكذلك يوجد عندنا خريجة صحافة يعمل كمستخدم! أحد الصحافيين لم يملَّ من تذكيري ان دراسة الصحافة ليست شرطاً لممارستها. لا أنكر تشجيع البعض لي كوني الفتاة الوحيدة في الجريدة، عدا بعض المحررات اللواتي يكتبن من وراء مكاتبهن، في حين كنت الوحيدة التي أكتب من موقع الحدث، وفي هذا مصاعب كثيرة للفتاة، فالمباريات تقام حتى وقت متأخر ليلاً. ما أزعجني كثيراً، أنني كتبت مواد خبرية لتنشر عقب الحدث، فإذا بها تنشر بعد شهر كامل، ما سبّب لي الخجل من رؤية اسمي على مواد انتهت صلاحيتها؟! من الناحية المادية وُعِدت بتعويضات مالية لم تر النور، ولكن على العكس من ذلك، فقد تكلفت من حسابي الخاص، في مقابل رؤية كتابات مذيلة باسمي، لكنني سرعان ما توقفت لعدم وجود فائدة من كل ذلك، فالمشرف على عملي في الصحيفة خريج أدب عربي لا يحسن اللغة الإعلامية، ولا يميز الأنواع الصحافية، وينحصر عمله فعلياً في التدقيق اللغوي. بالنتيجة لم أستفد من تجربتي إلا في بناء شبكة علاقات شخصية، وأود القول ان خبرتي في الكتابة لم تتحسن، بل غدت نمطية مع الزمن، وإذا أضفنا لكل تلك الأمور الجو العدائي - الذي لم أستطع تحمله - نجدُ توقفي عن الكتابة مبرراً. ندعو الله أن تتوافر فرص عمل اعلامية مع الانفتاح الجديد، لكن ما نخشاه ان تكون صحف أحزاب الجبهة التقدمية السورية، نسخاً جديداً تخرج من نفس عباءة الصحف الرسمية، وتسود فيها نفس العقلية العدائية تجاه المواهب، وهذا شيء أستطيع تقبله فهو جزء من مصاعب عملنا وأعتقد انني إذا وجدت عملاً محترماً خارج نطاق الإعلام سأفضله على العمل الصحافي بصيغته الحالية، على رغم السنوات الأربع التي قضيتها في دراسة الصحافة، وعلى رغم حلمي في أن أكون صحافية حرة. مكاتب صحافية للنصب - روزلينا قره جول سنة رابعة صحافة: تجربتي الصحافية في بدايتها، نشرت مادتين في الصحافة الأدبية، والآن تركت المحاولة الى ما بعد التخرج، لرغبتي الالتزام بعمل ثابت في مجلة أو جريدة، ذلك سيعطيني استقراراً في العمل وفي المورد المادي أيضاً. ثمة شرخ كبير بين ما نتعلمه أثناء السنوات الأربع في قسم الإعلام وبين الواقع الإعلامي الحقيقي، فنحن ندرس ما يجب أن يكون أي الأسس والنظريات والتي كثيراً ما تكون غير قابلة للتطبيق. الصحافيون الذين نقابلهم يقولون لنا: "دراستكم شيء والواقع شيء آخر"، أتمنى أن يأتي أحد ويعرّف لنا الواقع، لنجد سبيلاً للانسجام والتكيف معه. أية فتاة ترغب بممارسة مهنة، خاصة في القطاع الخاص ستتعرض لمضايقات، لكن مجال الصحافة هو الأصعب بالنسبة للفتاة، سواء عندما توجد في الشارع أو في الأماكن التي تجري فيها حديثاً أو تحقيقاً إعلامياً. كذلك هناك مشكلة العلاقة برب العمل عندما يكون المكتب الصحافي خاصاً وتابعاً مثلاً لجريدة غير محلية، وما أكثر تلك المكاتب التي لا أعتبرها إلا مكاتب لسرقة الإبداعات، وترى القائمين عليها لا يشعرون بمسؤولية تجاه عملهم والآخرين، والنتيجة الطبيعية لوجود مثل هؤلاء أن أية فتاة تطمح لإثبات جدارتها الصحافية سترفض بالتأكيد التعامل مع هذه الأصناف غير البشرية. الانفتاح الإعلامي السوري بحاجة لإعلاميين! رزان تقي الدين سنة رابعة صحافة: لم أبدأ تجربتي العملية حتى أصبحت في السنة الثانية من الدراسة، عملت في تحرير الأخبار في اذاعة دمشق، بعد ذلك قدمت بعض الكتابات الناقدة للحياة الاجتماعية الراهنة، وحاولت نشر هذه المقالات في صحف صادرة عن اتحاد شبيبة الثورة، بعدها كتبت في مجلة أيام الأسرة وما زلت. لا أعتقد بوجود سوق اعلامية حقيقية، لأن وجوده يتطلب اعلاميين على اطلاع بأسس الإعلام، وبما أن معظم العاملين في هذا المجال من حملة شهادات اللغة العربية أو الانكليزية، فكيف لنا أن نسميهم إعلاميين، وكيف لي وأنا أدرس الإعلام أن أتقبل توجيهاتهم. وقبل التحدث عن الانفتاح الإعلامي الجديد، وبناء آمال عليه، لا بد من ايجاد اعلاميين جدد قادرين على خوض هذا الانفتاح الإعلامي الجديد. لا مكان للمحجبات أمثالي في الإعلام السوري دارين ابراهيم سنة رابعة صحافة: أكتب القصة والشعر، وبدأت مع مجلات الأطفال منذ كنت في الصف السادس، ثم كتبت في صحف ومجلات أخرى غير سورية، لكنني لم أتقاضَ حتى الآن فلساً واحداً، لأني ما ان أبدأ الحديث عن الأجر، حتى يعتبر مسؤولو التحرير كتاباتي غير صالحة للنشر. يزعجني خضوع المواد المنشورة للتغيير، ولم يحدث ان نشر لي موضوع كامل كما أرسلته حتى عنوان الموضوع كثيراً ما تم تغييره. واجهتني مشكلة مع أهلي لأنهم يفترضون ان كل قصة أكتبها هي قصة حياتي، واني بطلة قصصي العاطفية والاجتماعية لذا جعلت أبطال قصصي من الرجال فاتهمني معارفي بأني معقدة لذا نشرت باسم مستعار، حتى دخلت الجامعة وبدأت أنشر باسمي الحقيقي قصصاً ذات طابع وطني لأتجنب المتاعب. ثمة مشكلة في النشر بالنسبة لفتاة محجبة، يفترض الناس انها لا تملك عاطفة. أذكر ان أحد المسؤولين عن النشر توقع ان يكون طابع قصصي دينياً، وعندما نفيت هذا توقع ان تكون قصصي موجهة للأطفال، وسمعت منه محاضرة دينية عندما اطَّلع على احدى قصصي، وكأنني تجاوزت القانون كوني امرأةً تكتبُ عن المشكلات الزوجية أو العاطفية. ولا يمكنني التفاؤل بالانفتاح الإعلامي الجديد لأنه قد يوفر فرص العمل لأمثال من يظهرن على شاشات فضائياتنا العربية التي ترى ان الانفتاح الإعلامي يعني تقليد الغرب، خصوصاً في نمط لباس وحديث المذيعة، أما المحجبة مثلي فلن تتأمل سوى اغلاق الأبواب في وجهها، وبخصوص النشر فللأسف أظن ان مساحة النشر الأدبي والثقافي ستتقلص أكثر لتفسح المجال لأخبار الفنانين وحياتهم الشخصية ولن تجد مقالاتي وقصصي مكاناً للنشر.