حضر "أبو الفنون" في فاعليات مهرجان مسقط في تنوع على أكثر من مستوى. عروض مسرحية أقيمت في مسرح المدينة وشكلت ما يسمى المسرح التجاري. وكانت العلامة الفارقة أن العروض خليجية الكويتوالإمارات. وهناك مسرحيات عمانية عرضت ضمن فاعليات اسبوع المسرح العماني للفرق الأهلية وشاركت فيه تسع فرق مسرحية من مناطق السلطنة. وفيما وقف باعة التذاكر أمام بوابات الدخول الى "مسرح المدينة" كان مسرح "الكلية الفنية الصناعية" يرحب بالراغبين في مشاهدة العروض العمانية التي نحت نحو التجريب بما تضمنت من عناصر شابة تخرجت في أقسام المسرح في "جامعة قابوس" والمعاهد الفنية المتخصصة في الكويت وسواها. من الكويت حضرت مسرحيتان هما: "الفضيحة" من بطولة طارق العلي وعبدالله الحبيل و"ع الباب يا شباب" بطولة داود حسين. أما من الإمارات فجاءت مسرحية "دور فيها يا الشمالي" بطولة عبدالله صالح وعدد من الفنانين الإماراتيين والعرب. ولأنها ليست بيت القصيد هنا فهي ركزت على الجانب الكوميدي. وما يهم في هذه المساحة هي الحال المسرحية العمانية التي توجت هذه المرة بأول مهرجان مسرحي للفرق الأهلية نظمته وزارة التراث القومي والثقافة وقدمته بلدية مسقط ضمن فاعليات مهرجانها. دشن الأسبوع باحتفالية قدمت فيها الكلمات والإشادات بالبادرة، ولكن الكلمة الأقرب على الصعيد المسرحي كانت كلمة الفنان العماني طالب محمد التي أشار فيها الى بادرة منظمي المهرجان وإلى تسمية هذه الدورة باسم فنان عماني راحل هو جمعة الخصيبي. وكان أحد رواد الحركة المسرحية والتمثيل التلفزيوني ليس في عمان فقط وإنما في منطقة الخليج التي تابعت الخطوات الأولى لانبعاث حركة فنية تقف أمام عدسات الكاميرات وعلى خشبة المسرح. عرض الافتتاح كان مسرحية الكهف وقدمتها فرقة "مسقط الحر" لكنها لم تستطع على رغم الوجوه الفنية المعروفة التي قدمتها ان تتحرر من ربقة التقليد في نطاقي الفكرة والإخراج. وغابت الرموز المقصودة في التطويل الممل الذي حدا بالجمهور الى الخروج المبكر. ولم يشفع أداء الفنانة أمينة عبدالرسول، وهي أبرز وجه فني عماني، في النهوض بالمسرحية من كبوة الاشتغال على موضوع طال الحديث عنه وهو الشعوذة التي حاول العرض أن يقدمها في قالب إسقاطي على واقع مثير. لكنها غاصت في دوامة النكات المفتعلة. والمهرجان، وبحسب لجنة التحكيم، لم يبدأ فعلياً إلا في اليوم الثالث مع عرض "مأساة الحجّاج" التي قدمتها فرقة الصحوة وكتبها صالح الفهدي وهي مسرحية شعرية عكست خبرة الفرقة تأليفاً وإخراجاً وأداء في تقديم عمل مسرحي متكامل ضمن إطاره الخاص الذي يحاول "إعادة قراءة التاريخ، ووضع سياقات الراهن بديلاً عن بعض القراءات الماضية التي تنعكس عبر حقبة من الزمن معروفة وعبر رموز شخصية كون عنها التاريخ إما سيرة جدلية أو ما يشبه الاتفاق". معظم الأعمال المعروضة لم تختلف في سياقها النصي إلا قليلاً ودارت حول موضوعات تقليدية ولم تحاول الدخول في مضمار التجريب المسرحي. فالنيات وحدها لا تكفي لترسيخ صيغة تجريبية تقدم الحدث المسرحي في جدليته الحديثة. فرقة "مسرح الدن" قدمت مسرحية "سيف الجن" وهي عن الابتزاز باسم العلاج أي من منظور قضية الشعوذة كما هي الرؤية في "الكهف" واختلفت عنها أن كهف فرقة "مسرح مسقط الحر" كانت أكثر وعياً على مستوى النص والإخراج وأدخلت تفاصيل لا بأس بها في السياق العام للمسرحية. ومن الشعوذة الى الحارة القديمة كما قدمتها "فرقة الرستاق" المسرحية في عرض "خربة بمليون". وقدمت فرقة مزون مسرحية "ريال ولا عيالي" التي قدمت فكرة الصراع الدائم بين القيم المادية والإنسانية. ومن أقصى الشمال العماني جاءت فرقة "نجوم صحار" لتقدم مسرحية "ضحية بيت العز". وقدمت فرقة النادي الأهلي مسرحية "لن أرسم الشمس". ومن الجنوب العماني قدمت "فرقة صلالة" مسرحية "مجنون ولا مديون" التي اقتربت من العصر بصورة أكثر حميمية طارحة المعاناة التي يقاسي الشباب هولها وهي الاستدانة من المصارف، ما يعني الانسحاب شيئاً فشيئاً الى شبكة عنكبوتية، من الصعب التمتع حيالها برؤية واضحة تتيح الخروج بأقل الخسائر. نجح الأسبوع الأول، في نصف عروضه التي خرجت عن الطابع المدرسي وهو صبغ النصف الآخر. ولم يخل إعلان النتائج من تذمر بعض أعضاء لجنة التحكيم خصوصاً في ما يتعلق بأفضل عرض متكامل وذهبت جائزته الى "فرقة صلالة" عن مسرحيتها "مجنون ولا مديون". فيما نالت مسرحية "لن أرسم الشمس" جائزة أفضل سينوغرافيا. وتبعاً لهذه الإرهاصات التي تداخلت مع إعلان النتائج قال رئيس اللجنة الدكتور هاني مطاوع ل"الحياة" إن "مجنون ولا مديون" تفوقت ليس لأنها الأفضل وإنما لتواضع الأعمال الأخرى في اكتمال العناصر، إذ هناك أعمال ارتقى بها الإخراج وأخرى أداء الممثلين. لجنة التحكيم التي حددت الأعمال الفائزة تألفت من الدكتور هاني مطاوع رئيساً وعضوية كل من محمد الجناحي الإمارات وفاطمة الشكيلي ورحيمة الجابري جامعة السلطان قابوس والصحافي خالد عبداللطيف. اختتم أول مهرجان للفرق المسرحية العمانية لكن بوابات التساؤل لم تغلق على هذا المهرجان الذي كان ضرورياً للفرق الأهلية لتقدم فيه ما اعتقدت طويلاً أنها قادرة عليه. وبين فتح الستارة وإغلاقها اتضح أن لا بد من مواجهة مع الذات تستلزم ندوات نقدية قادرة على كبح جماح السائرين في درب المسرح بحماسة وعلى غير هدى.