استأنف "المنتدى الاقتصادي العالمي" أعماله السنوية في دافوس أمس، في أجواء خيّم عليها التوتر، وسط احساس المشاركين بأن القرارات هذه السنة ستكون أقل أهمية، نتيجة الفراغ الكبير الذي يتركه الغموض المحيط بطبيعة ما ستعتمده إدارة الرئيس جورج بوش من سياسات، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمواضيع التي يتصدى لها المنتدى، وفي مقدمها العولمة والبيئة والتنمية. وساهمت الاجراءات الأمنية المشددة ومعها الموقف الحازم الذي تحاول السلطات السويسرية إبداءه، لتفادي تكرار مشاهد العنف التي شهدتها مؤتمرات دولية تطرقت إلى العولمة، في نيس وسياتل وبراغ وجنيف، في اشعار المشاركين بأن منتدى دافوس بالشكل الذي كانوا يعرفونه انتهى إلى غير رجعة راجع ص11. وكانت سلطات كانتون غراوبوندن، الذي تتبع إليه دافوس، ألغت الثلثاء ترخيصاً منحته لمناهضين للعولمة، طلبوا تنظيم تظاهرة ضخمة غداً. واستقدمت قوات لمكافحة الشغب، ونشرت حوالى ألف جندي ومئات من رجال الشرطة و600 من عناصر الميليشيا المحلية في محيط دافوس وداخلها، تحسباً لتكرار تجربة العام الماضي، التي تقهقرت فيها قوات الشرطة أمام 1200 متظاهر هاجموا عناصر الحماية وبعض الرموز الأميركية، ومنها مطعم "ماكدونالدز". وارسل سلاح الجو السويسري طائرات هليكوبتر مزودة أجهزة استشعار، لتقوم بدوريات مستمرة فوق الجبال والغابات التي تحيط بالبلدة، خوفاً من تسلل بعض المحرضين المناهضين للمنتدى، بعدما سدت أمامهم الشوارع التي رفعت فيها حواجز كثيرة أقامتها الشرطة، بحثاً عن 300 شخص من منظمي التظاهرات المناهضة للعولمة، اعتبروا "غير مرغوب فيهم"، وحظر دخولهم سويسرا أو الوصول إلى دافوس. وإلى الهاجس الأمني والتوقعات المتشائمة التي جعلت سكان دافوس يلتزمون الحذر ويستعدون للأسوأ، فإن المنتدى الذي يعقد منذ العام 1970، يصطدم بصعوبات أخرى تتمثل في محاولة تأكيد تميزه، والابتعاد عن الصورة التي تُلصق به كنادٍ للأقوياء والأثرياء. وألقى "المنتدى الاجتماعي العالمي" المناقض، الذي نُظم عمداً، وفي وقت متزامن في مدينة بونتو آلليغري البرازيلية، بظلاله على منتدى دافوس أمس، نتيجة احساس المشاركين بأن هدف حضورهم سنوياً إلى هذا المنتجع السويسري الجبلي بات عرضة للمساءلة، وأن رد الفعل العنيف لدى المتظاهرين ومنظمي المؤتمر المناهض في البرازيل، سيدخل مؤتمر دافوس مرحلة تشكيك تؤدي إلى اهتزاز صدقيته. وكان حوالى عشرة آلاف شخص تجمعوا في بونتو آلليغري أمس، على هامش مؤتمر حضره 2700 مشارك مهتمون بمناقشة قضايا العولمة وانعكاساتها الضارة على الإنسانية في شكلها الحاضر، وبدائلها المتاحة، في وقت يقدر عدد المحرومين في العالم من الخدمات الهاتفية العادية بحوالى ثلاثة بلايين شخص، أي ما يقارب نصف البشرية. وزاد ارتباك المشاركين في منتدى دافوس الذين سيحضرون 313 جلسة عمل واجتماعاً، ان مفاهيم العولمة التي طرحت مرات تبدو اليوم حافلة بالتناقض، نظراً الى أن مفهوم الاقتصاد الجديد الذي كان محوراً للنقاش العام الماضي تعرض لانتكاسة، مع الانهيار الواسع الذي شهدته اسهم شركات تكنولوجيا المعلومات في سوق ناسداك عام 2000. ويحضر المنتدى حوالى 2300 مشارك رسمياً بينهم حوالى 30 رئيساً ورئيساً للسلطة التنفيذية ومئات من الوزراء ومسؤولي المؤسسات الدولية ورؤساء أكبر ألف شركة في العالم، وحوالى 600 صحافي. ويحظى العالم العربي باهتمام رئيسي في المنتدى، في ظل حضور مميز للسعودية ومصر والأردن وقطر وتونس، وغياب رسمي لغالبية الدول الأخرى العربية، وحضور متوسط لاسرائيل. وستعقد ندوات تخص العالم العربي منها ندوة تتناول مسألة الزعامة في العالم العربي، ويتحدث فيها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، القى مساء أمس كلمة افتتاحية بصفته رئيساً لمنظمة المؤتمر الاسلامي، وولي عهد دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وولي عهد البحرين الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة. كما تنظم ندوة عن آفاق الاصلاحات الاقتصادية المطبقة في السعودية، يتحدث فيها وزير المال والاقتصاد السعودي إبراهيم عبدالعزيز العساف، ويحضر أيضاً رئيسا الوزراء الأردني والتونسي ومجموعة من الوزراء العرب، بينهم وزير الخارجية المصري عمرو موسى. وقال المنظمون ان الندوات ستساهم في بلورة رؤى أفضل لقضايا البيئة والتنمية، ونشر تكنولوجيا المعلومات والنفط وتحرير التجارة الدولية، بما يساعد في تحقيق اندماج أفضل بين الاقتصادات الصناعية والنامية، والتعاون مع منظمات التجمع المدني ومؤسساته. مفاتيح التطبيع ويتضمن البرنامج الأولي الذي وزعه المنظمون في "المنتدى الاقتصادي لعام 2001" ندوة "من اقامة السلام إلى بناء السلام"، وسيشارك فيها الأحد كل من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ووزير التعاون الاقليمي الاسرائيلي شمعون بيريز. ويعتبر منتدى دافوس أحد مفاتيح التطبيع العربي مع إسرائيل، ولتأكيد أهمية حضور عرفات وبيريز سيتولى رئيس المنتدى كلاوس شواب إدارة الندوة.