اتهم محللون في إدارة معلومات الطاقة الأميركية منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك بتجاهل واقع المخزونات النفطية في الدول الصناعية عند إتخاذ قراراتها في ما يتعلق بخفض الانتاج أو زيادته، مؤكدين أن القرار الذي إتخذته "أوبك" الأربعاء الماضي بخفض انتاجها بواقع مليون ونصف المليون برميل يومياً اعتباراً من أول شباط فبراير المقبل سيحقق هدفها في الحفاظ على أسعار خاماتها في نطاقها السعري لكنه سيزيد من صعوبة إعادة بناء مخزونات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. قال ايريك كريل المتخصص في شؤون النفط الدولية في حوار مع "الحياة": "أعتقد أن خيبة الأمل التي عبرت عنها بعض الدول الصناعية إزاء قرار خفض الانتاج تعود إلى أن هذه الدول ترى أن رفع مخزوناتها النفطية إلى المستويات الاعتيادية بأسرع وقت ممكن يسهم في استقرار الأسعار ويمكنها من بناء مخزون الصيف من الغازولين في الفصل الثاني ومخزون الشتاء من وقود التدفئة في الفصل الثالث من دون العودة إلى سيناريو أسعار المحروقات الذي شهدناه العام الماضي". وذكرت الادارة التابعة لوزارة الطاقة الأميركية في أحدث تقاريرها الشهرية عن أوضاع النفط في الولاياتالمتحدة والعالم أن مخزونات الدول الصناعية بقيت تحت مستواها الاعتيادي في نهاية العام الفائت وبلغ إجماليها حينئذ 3.74 بليون برميل مسجلاً زيادة بمقدار 40 مليون برميل مقارنة بما كان عليه في نهاية عام 1999 على رغم انخفاض المخزون الأميركي الحكومي والتجاري بنحو 20 مليون برميل في الفترة نفسها. وحسب تقديرات الادارة المذكورة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يقترب مستوى مخزونات الدول الصناعية المسجل في نهاية العام الفائت من المستويات الشهرية المرتفعة التي سجلها باطراد طوال فترة إنهيار أسعار النفط في عام 1998 والجزء الأعظم من 1999 قبل أن يتراجع بنسب متفاوتة مع ارتفاع أسعار النفط في العام الفائت، لكن كريل يعتقد أن هذا المستوى يقل بنحو 150 مليون برميل عما يفترض أن يكون عليه في الظروف الاعتيادية. وتظهر البيانات ترابطاً قوياً بين مستويات كل من المخزونات وأسعار النفط، بينما ذكر كريل أن الادارة توصلت إلى تقديراتها الخاصة بالمستوى الاعتيادي لمخزونات الدول الصناعية من طريق درس مستويات المخزونات في الاعوام القليلة الماضية ومن ثم استنباط التوجه النمطي لكل من الطلب والامدادات واستخدام المحصلة كمقياس لتقرير ما يجب أن يكون عليه المستوى الاعتيادي بعد أخذ توقعات نمو الطلب بعين الاعتبار. وأكد كريل أن البيانات الخاصة بمخزونات الدول الصناعية ليست موضع شك من قبل "أوبك" لكن البيانات المتعلقة بالمخزونات الدولية لا تتطابق مع أرقام العرض والطلب التي تعتمدها "أوبك" في قراراتها، مشيراً في هذا المجال إلى ما يعرف بمشكلة "البراميل الضائعة" التي يستخدمها مراقبو أسواق النفط في تفسير سبب عدم ظهور كميات من النفط المعروض في بيانات المخزونات الدولية. وقال: "أعتقد أن البراميل الضائعة ليست بالأمر الهين الذي يمكن تجاهله بأي حال لا سيما أن التقديرات المتداولة عن حجم المشكلة تتحدث عن كميات تراوح بين 400 ألف برميل يومياً ومليون برميل يومياً ما يجعل المهمة الملقاة على صناع القرار في أوبك صعبة للغاية، إذ لا بد لهم من تقرير أي التقديرات هي الأفضل والأقرب إلى الصواب، وفي حال حدث خطأ ما في التقدير ستظهر عواقبه في الأسعار مباشرة. يشار إلى أن صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن وزير النفط الفنزويلي الجديد ألفارو سيلفا كالديرون قوله في مقابلة متلفزة عشية انعقاد الاجتماع الاستثنائي لوزراء "أوبك" في الاسبوع الماضي أن السوق النفطية مشبعة بالنفط الخام. وقال أن فائض المعروض الذي قدره بنحو 1.5 مليون برميل يومياً في الوقت الراهن لا يظهر في المخزونات الرئيسية وربما يتم تسريبه واستيعابه في مخزونات ثانوية أو ثلاثية. وقال كريل: "هنا يكمن الخلاف بين الدول الصناعية وأوبك إذ أن الدول الصناعية ومن ضمنها الولاياتالمتحدة تعتمد في بناء تقديراتها على بيانات المخزون لديها بينما تعتمد أوبك ميزان العرض والطلب مرجعاً أساسياً لقراراتها. وأعتقد أن هذا هو السبب الذي جعل الدول الصناعية تشعر بخيبة الأمل إزاء قرار أوبك خفض انتاجها بكميات كان يمكن أن تستفيد منها للوصول بمخزوناتها إلى مستوياتها الاعتيادية". لكن كريل أكد أن الدول الصناعية لايمكنها إلا أن تتفهم حاجة "أوبك" لخفض الانتاج من أجل الحفاظ على الأسعار، مشيراً إلى أن الخفض جاء أقل من توقعات السوق وقد يؤدي إلى تراخي الأسعار بشكل طفيف في الأيام القليلة المقبلة بعد تصاعدها المفاجئ على لوحات سوق الصفقات الآجلة في نيويورك نايمكس في اليومين الماضيين. وتوقع ارتفاع الأسعار قليلاً في وقت لاحق من السنة لتقارب الحد الأعلى من النطاق السعري ل"أوبك" 22-28 دولاراً للبرميل. وكان خام القياس الأميركي ويست تكساس الوسيط تراجع قليلاً عقب إعلان خفض الانتاج ثم أقفل الاسبوع الماضي عند مستوى 32.19 دولار للبرميل محققاً زيادة بنحو 1.74 دولار في يومين متتاليين. وعزا المراقبون السبب إلى حاجة المضاربين للوفاء بعقودهم. وفي الوقت نفسه بلغ سعر سلة خامات "أوبك" السبعة الخميس الماضي، حسب وكالة أنباء "أوبك" أوبكنا، 23.93 دولار للبرميل مكتسباً 27 سنتاً للبرميل من اليوم السابق ومعوضاً بعض الخسائر الكبيرة التي لحقت به في الشهر الأخير من العام الفائت. وتوقع كريل أن تتمكن الدول الصناعية من بلوغ المستوى الاعتيادي لمخزوناتها النفطية في نهاية السنة الجارية إلا أنه أعرب عن اعتقاده أن إتخاذ "أوبك" قراراً في إجتماعها العادي المقبل بإحداث خفض إضافي بمقدار مليون برميل يومياً والعمل به لفترة طويلة حتى نهاية السنة على سبيل المثال من شأنه أن يؤخر الوصول إلى المستوى الاعتيادي حتى نهاية سنة 2002 ويكرر سيناريو إمدادات وقود التدفئة والأسعار في الشتاء المقبل. ويعتقد كريل أن الخفض الاضافي أصبح في حكم المؤكد لا سيما بعد خفض وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الذي أصدرته الاسبوع الماضي توقعاتها في شأن الطلب الدولي على نفط "أوبك" في السنة الجارية بنحو 300 ألف برميل يومياً، لكنه أعرب عن أمله في ألا يستمر الخفض أكثر من فصلين متوقعاً تسجيل زيادة طفيفة في الطلب الأميركي على النفط الخام في العام المشار إليه بسبب عودة الاستهلاك إلى معدلاته الاعتيادية. وتفترض توقعات الاستهلاك استبعاد تعرض الاقتصاد الأميركي لهبوط حاد في السنة الجارية والعودة إلى معدلات النمو القوية في السنة المقبلة علاوة على تأكيد العديد من المحللين أن أسعار النفط ليست مسؤولة عن تباطؤ الاقتصاد الأميركي. وقالت كي موريس المتخصصة في شؤون الاقتصاد الكلي في إدارة معلومات الطاقة: "أسعار النفط المرتفعة نسبياً التي اختبرتها الولاياتالمتحدة في العام الفائت لم تفعل الكثير للتأثير سلباً على نمو اقتصادها، والحقيقة أن حصة النفط في الناتج المحلي تراجعت تدرجاً في مدى العامين الأخيرين في حجمها وآثارها، لاسيما بالمقارنة مع عوامل مهمة أخرى مثل معدل الاستهلاك العام الذي يشكل ثلثي الاقتصاد الأميركي". يشار إلى أن المصافي الأميركية التي تستورد نحو 59 في المئة من استهلاكها من النفط الخام في الوقت الراهن تتوقع أن تؤمن بين 47 و50 في المئة من وارداتها من دول "أوبك" طوال العقدين المقبلين.