ربما كانت المفاوضات في طابا مكثفة، غير أن الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الفلسطينيون والاسرائيليون هو انهم لا يتوقعون نجاحها. لا سر البتة في أسباب الخلاف، فهي عودة اللاجئين والحرم الشريف والأرض، والكلمة الأخيرة قد يستعاض عنها بالمستوطنات، أو نسبة الانسحاب، إلا أن المعنى واحد، فالمقصود مدى الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية، وبالتالي ما سيبقى من مستوطنات فيها، ومع ذلك الحدود ومن يسيطر عليها. هناك لاءات متبادلة بين الحكومة الاسرائيلية والفلسطينيين تحبط أي اجتماع مكثف أو مخفف بين الطرفين قبل أن يعقد. أما والاجتماع قد عقد فإننا نفترض ان مواضيع التفاوض تختلف عن المواقف المعلنة. تقول مصادري الفلسطينية، وبعضها في طابا اليوم، ان الاسرائيليين رفعوا نسبة الأرض التي سينسحبون منها، بشكل يرضي الطرف الفلسطيني، غير أن الاصرار على بقاء 80 في المئة من المستوطنات يقابله اصرار فلسطيني على استمرارية الأرض الفلسطينية في الضفة، ومقايضة أرض المستوطنات بأرض بمحاذاة قطاع غزة. سألت المفاوضين الفلسطينيين عن سبب المفاوضات إذا كان الفشل هو المرجح، وقالوا ان هناك نقاطاً يمكن التفاهم عليها، ومن الواجب متابعتها، غير أن المشكلة عند رئيس الوزراء ايهود باراك، وليست عندهم، فهو من ناحية يريد حلاً، لأن أمله الوحيد بالعودة رئيساً للوزراء هو عن طريق مثل هذا الحل، وهو من ناحية أخرى لا يريد حلاً يبدو فيه ضعيفاً ومتجاوباً مع طلبات الفلسطينيين لأن هذا سيضر به في الانتخابات. المفاوضون يقولون انه حتى لو لم تكن الانتخابات قادمة فالحل يظل صعباً الى مستحيل، والجانب الاسرائيلي لا يبدو راغباً في أكثر من التفاوض كوسيلة لتخفيف حدة التوتر، وهذا هبط بوضوح الى النصف في الضفة، والقطاع، إلا أن الانتفاضة ستستمر، وهي قد تشتد يوماً، وقد تخفت يوماً آخر، لكن لا أحد بين الفلسطينيين يطالب بوقفها أو يستطيع. مرة أخرى، لا يوجد حل لمشكلة عودة اللاجئين، أو القدس بما فيها الحرم الشريف. والأميركيون "سمحوا" في اقتراحاتهم بأن يعود من اللاجئين من يريد الى دولة فلسطين المستقلة القادمة، ولكن ليس الى اسرائيل. وعلى الأقل فقد كان هذا الاقتراح المرفوض واضحاً، وليس بخبث اقتراحاتهم المختلفة عن القدس العربية والحرم الشريف، فهم اقترحوا أن تكون العاصمة الفلسطينية في القدسالشرقية، وليس القدسالشرقية، ثم قدموا ثلاثة اقتراحات بصدد الحرم كلها لا يعطي الفلسطينيين سيادة عليه، بل ان حديثهم عن الحائط الغربي بدل حائط المبكى يعطي الاسرائيليين 450 متراً بدل 50، هي الجزء الذي يصلون عنده ويبكون. إذا كانت المفاوضات التي يفترض أن تستمر من سبعة أيام الى عشرة ستنتهي بالفشل، وسيأتي اريل شارون رئيساً للوزراء، فماذا سيحدث؟ الأرجح أن انفجاراً سيشمل المنطقة كلها، ولن يقتصر على الفلسطينيين والاسرائيليين. وستفيد الحكومات العربية المعنية نفسها وشعوبها إذا أعدت للانفجار عدته منذ الآن. عندما فاز بنيامين نتانياهو برئاسة الوزارة الاسرائيلية سنة 1996 عقدت قمة عربية مصغرة في دمشق بحضور الرئيس مبارك والأمير عبدالله والرئيس حافظ الأسد، وتبعتها قمة عربية موسعة في القاهرة. واليوم هناك قمة عربية مقررة في عمان في آذار مارس، ولكن إذا فاز شارون برئاسة الوزارة الاسرائيلية بعد اسبوعين، فهل تنتظر الدول العربية حتى موعد القمة المقررة، أو تجتمع الدول المعنية مباشرة بالصراع للاتفاق على موقف مشترك في حال انفجار الوضع؟ شارون يخوض المعركة الانتخابية الآن على أساس السلام لا الحرب، ويزعم انه قادر على الوصول الى اتفاق مع الفلسطينيين، إلا أنه كذاب حقير بقدر ما هو مجرم حرب. وقد أوقعته الصدفة في شر أعماله، فهو تحدث الى صحافي أميركي في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وقرع طبول الحرب، وقال ان ياسر عرفات مجرم وأنه عدو اسرائيل اللدود. وهو عندما كشف خبايا نفسه قبل شهرين لم يكن يتصور انه سيصبح خلال اسابيع مرشحاً لرئاسة الوزارة، ومرجحاً للفوز بها. وأثارت تصريحاته التي نشرت الآن ضجة في أميركا واسرائيل، لأنها فضحت سياسة لا يمكن أن تقود الى غير الحرب. ونستغرب استغراب المعلقين، فشارون قاتل الجنود الأسرى والنساء والأطفال، من سيناء الى فلسطين ولبنان، ومن الغباء أن يعتقد أنه غيّر سياسته لأنه قال ذلك. من الغباء أيضاً أن ننتظر الانفجار، ثم نبدأ التعامل معه، بدل أن نعد له منذ الآن.