المفارقة تكمن في أن الارهابي المشهور، الذي أصبح وزيراً للخارجية في إسرائيل، لا يزال يعارض انسحاباً جديداً من الأراضي الفلسطينية بنسبة 13 في المئة، أي أنه لا يزال يعارض ما يسمى "المبادرة الأميركية"، التي يفترض أن كل "التقدم" الذي أحرز بجهود نظيرته السيدة مادلين أولبرايت قد تم في إطارها. بل أن المجرم الوزير ارييل شارون لا يزال يعارض الپ13 في المئة على رغم ان رئيسه نتانياهو قد نجح في تفكيكها فأعادها إلى الاقتراح الإسرائيلي الأول أي 9 في المئة مع شيء من التعديلات، ثم أضاف إليها خدعة معلنة هي 1،3 في المئة كپ"محمية طبيعية". طالما أن أولبرايت أعلنت عن حصول "تقدم ملموس"، فهذا يعني أن نتانياهو أعطى موافقته على ما لا يزال يُسمى "مبادرة أميركية"، أي أنه وافق على الپ13 في المئة. لذلك كان من المنطقي، طالما أن نتانياهو موافق، أن يبادر هو نفسه إلى تعيين معارض مثل شارون وزيراً معنياً بالمفاوضات. بل أنه سيذهب إلى "قمة واشنطن" ليمارس معارضته على أعلى مستوى. فماذا يعني ذلك؟ عدا أن توزير شارون في الخارجية، تحديداً، يشكل إعادة اعتبار سياسية له، فإنه يعني أن نتانياهو جاء بكبير ارهابيي حكومته ليبدأ "حرب المفاوضات النهائية". وبالتالي فإن شارون لن يفتعل مشاكل حقيقية بالنسبة إلى الاتفاق المرحلي الأخير؟ على رغم معارضته، لكنه سيكون معنياً بما سيلي هذا الاتفاق. لا بد أن يكون المسؤول إسرائيلياً لكي يفرض على عالم الديبلوماسية انساناً قميئاً مثل ارييل شارون. في العادة، وفي الدول التي تستحق الاحترام، يخبأ مثل هؤلاء في القاعات الخلفية. لكن إسرائيل - نتانياهو لا تأبه بسمعتها وتجعل من المجرمين أبطالاً وطنيين ووزراء ومفاوضين. ولشارون أفكار واقتراحات معروفة، ولعل أهمها أنه يطرح دائماً الحلول النهائية مرفقة بالتهديد العسكري. فهو، مثلاً، مع دولة فلسطينية شرط أن تتولى إسرائيل تحديد مساحتها وإذا طولبت بأكثر فإنها ستستخدم القوة لمنع ذلك. وهو، أيضاً، أحد مهندسي "التوزيعة الأمنية" للمستوطنات. وهو، كذلك، أكثر المتعصبين لعدم طرح وضع القدسالمحتلة في أي مفاوضات باعتباره وضعاً محسوماً. وهو، استطراداً، صاحب نظرية خاصة بالنسبة إلى الانسحاب من جنوبلبنان، مرفقة طبعاً بأقصى التهديدات العسكرية. ولعل لقب "البلدوزر" الذي اكتسبه لا يعني حجم جثته فحسب، وإنما طريقة تفكيره. فوق ذلك، يبدو أن شارون صنع لنفسه "لوبي فلسطيني"، لوبي صغير ولكنه فاعل، لأن أفراده من الشخصيات النافذة المعنية مباشرة بملفات التفاوض مع إسرائيل. وفي أي حال، ساءت الأمور فلسطينياً إلى حد أن أحداً لن يتوقف عند دوره في مجزرة صبرا وشاتيلا التي قضى فيها مئات الفلسطينيين. على رغم كفاءاته ونشاطاته لم يستطع شارون أن ينسي العالم السمعة التي اكتسبها من تلك المجزرة. وها هو يعود، من باب الديبلوماسية، ليتابع ما كان بدأه في وزارة الدفاع. أكثر من أي إسرائيلي آخر، لا يمكن ان يتصرف شارون إلا كمن يفاوض على شروطه كمنتصر. ومع عقول عسكرية دموية كعقل شارون هل يمكن أن يُصنع إلا سلام اخضاع واستتباع