هدوء الدولار.. يدفع الذهب لمواصلة الصعود    نستثمر للوطن    نائب أمير حائل يستقبل رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية للمورينجا    سفراء «الخماسية» يدعمون المرحلة الجديدة في لبنان    رحل.. وخصاله مرآة تقدير في حياتنا    حرم ولي العهد تُعلن إطلاق متحف مسك للتراث «آسان»    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك بورقة علمية في مؤتمر المركز الوطني للوثائق والمحفوظات    معرض جازان للكتاب يشهد حضوراً من الجالية الصينية ويعكس تواصل الثقافات العالمية    "إثراء" يحتفي بيوم التأسيس بأكثر من 30 فعالية    آل الشيخ يدشن مشروع لعقود الصيانة والنظافة والتشغيل لجوامع ومساجد القصيم    «دار وإعمار» للاستثمار والتطوير العقاري تدشن فيلا العرض النموذجية لمشروع «تالا السيف» وتواصل ريادتها في السوق العقاري    أمانة القصيم توقع مذكرة مع فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد    أمانة تبوك تكثف أعمال الإصحاح البيئي ومكتفحة آفات الصحة العامة    ما مطالب إسرائيل من حماس ؟    وزير البيئة يُدشِّن 3 أصناف عالية الإنتاجية من القمح تتناسب مع الظروف البيئية للمملكة    مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين يُقر أعضاء مجلس إدارة صندوق دعم الإعلاميين    «الأرصاد»: رياح شديدة السرعة على عددٍ من محافظات منطقة مكة المكرمة    المملكة تقدم نموذجًا عالميًا في مكافحة "الاتجار بالأشخاص"    منطقة الحدود الشمالية تضع السعودية ضمن أكبر الدول المنتجة للفوسفات عالمياً    ماذا تقدم بيضة واحدة أسبوعياً لقلبك ؟    المملكة صانعة السلام    لمسة وفاء.. زياد بن سليمان العرادي    وزير الداخلية ونظيره اللبناني يبحثان مسارات التعاون الأمني    زار اللاذقية ضمن جولة حشد الدعم ل«الحوار السوري».. الشرع: سنحاسب كل من تلطّخت أياديه بالدماء    وزير الداخلية والرئيس التونسي يستعرضان العلاقات والتعاون الأمني    حين يصبح الطريق حياة...لا تعطلوا الإسعاف    تكريم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز في دورتها ال 12    في الجولة الأخيرة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي يواجه الغرافة.. والنصر في ضيافة بيرسبوليس    تراجع مفهوم الخطوبة بين القيم الاجتماعية والتأثيرات الحديثة    عيد الحب.. بين المشاعر الحقيقية والقيم الإسلامية    10 مسارات إثرائية لتعزيز تجربة قاصدي الحرمين في رمضان    في انطلاق الجولة 22 من دوري" يلو".. الجبلين في ضيافة الزلفي.. والعين يواجه البكيرية    تحذير من أجهزة ذكية لقياس سكر الدم    المملكة العربية السعودية تُظهر مستويات عالية من تبني تطبيقات الحاويات والذكاء الاصطناعي التوليدي    الشيخ السليمان ل«الرياض»: بعض المعبرين أفسد حياة الناس ودمر البيوت    أمير الشرقية يرعى لقاء «أصدقاء المرضى»    «سلمان للإغاثة» يدشن مبادرة «إطعام - 4»    الحجامة.. صحة وعلاج ووقاية    محمد بن ناصر يدشّن حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال    يوم «سرطان الأطفال».. التثقيف بطرق العلاج    الحاضنات داعمة للأمهات    غرامة لعدم المخالفة !    ملّاح داكار التاريخي.. بُترت ساقه فامتدت أسطورته أبعد من الطريق    الملامح الست لاستراتيجيات "ترمب" الإعلامية    الترمبية وتغير الطريقة التي ترى فيها السياسة الدولية نفسها    القادسية قادم بقوة    يايسله: جاهزون للغرافة    منتدى الاستثمار الرياضي يسلّم شارة SIF لشركة المحركات السعودية    الأهلي تعب وأتعبنا    ريم طيبة.. «آينشتاين» سعودية !    أمين الرياض يحضر حفل سفارة كندا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة الثقافة العربية ومحنة أبي نؤاس معنا اليوم
نشر في الحياة يوم 21 - 01 - 2001

في الصف الثاني المتوسط كنا ندرس في بغداد بعض قصائد ابي نؤاس نواس ضمن المناهج الدراسية الحكومية. وفي أواسط الثمانينات أزيح تمثال الشاعر من مكانه في الشارع المسمى باسمه منذ العهد الملكي. وكانت حجة الازاحة ان الشاعر من أصل فارسي. وفي الثانوية والكلية كنا نتلقف النتاجات الابداعية والفكرية المصرية بلهفة وحب. فقد كانت مصر الثقافية هي العاصمة الثقافية للجميع. فمنها برز طه حسين وسلامة موسى والعقاد وشوقي وعلي طه والمازني والرافعي وعادل كامل وجماعة "أبولو" وبدوي وزكي محمود واسماعيل مظهر... وهذه اسماء على سبيل الأمثلة لا الحصر.
ونسمع اليوم ان في مصرنا نفسها يُطارَد الابداع والمبدعون مرة باسم مكافحة الاسلام وأخرى بحجة ادانة الاباحية وأدب الفجور... وكأنما لا تكفي حملات الأنظمة ضد المثقفين الذين يجرأون على التعبير عن آرائهم السياسية المستقلة كتلك القوائم الصادرة عن النظام العراقي أخيراً بادانة العشرات من مثقفينا المغتربين بالردة والخيانة.
ان تهم الارتداد السياسي أو تخديش الأخلاق العامة أو تهمة انتهاك المقدسات الدينية، أصبحت هي الرائجة في نهاية العقد الماضي وتستمر مع دخولنا القرن الحادي والعشرين. ومن يدري فقد تتسع وتتحول الى حملات تفتيشية ثقافية تطاول الكثير من تراثنا الأدبي والفكري كأعمال المعري وألف ليلة وليلة وامرىء القيس ويتيمة الدهر والأغاني. أما أبو نؤاس فيوشك، كما يبدو، أن يُنحر في هذه السنة بالذات... فهل أكبر من هذه الاستعدادات الثقافية لمواجهة تحديات القرن الجديد!؟
والمؤلم المأسوي ان نسمع عن مصر بالذات أكثر هذه الأخبار إثارة للدهشة والاحتجاج. فبعد قتل فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ تأتي الضجة المفتعلة لبعض التيارات السياسية المتعصبة دينياً عن رواية "وليمة لاعشاب البحر". وتأتي قصة أخرى تحت ضغط اسلاموي أيضاً عن الروايات الثلاث التي قيل ان فيها ما يخدش الآداب. ونسمع غرائب عن ديوان ابي نؤاس الذي طبع عشرات المرات في القرن الماضي والذي تراد إعادة النظر فيه، ربما بحجة ان فيه فسوقاً. ويذكر أن عدداً من الفقهاء قد كتبوا منذ قرون كتباً عن الجنس لا تزال من بين الكتب الأكثر رواجاً، ويمكن العثور عليها حتى عند بعض أبطال المكافحة اليوم.
ان للدولة حق السماح بنشر أو عدم نشر أي كتاب في مؤسساتها الرسمية. ولكن ليس من حقها أن تجعل نفسها الحكم والقاضي في التعامل مع ما يُكتب، ناهيكم عن التحريض الرسمي والعلني ضد الكاتب ونتاجه. كما ان هناك رأياً عاماً مثقفاً وهناك قانون عند الاقتضاء. وكلما تراجعت الدولة أو المثقفون أمام دعاة التحريم والتكفير الثقافيين ازدادت شهية هؤلاء الاخيرين الذين قد يطالبون، وكما مر، بحرق المعري واخوان الصفاء وألف ليلة وليلة واحسان عبدالقدوس ونزار قباني، وباتلاف أكثر من ثلاثة أرباع الأفلام المصرية منذ الأربعينات حيث الرقصات الشرقية بالمفرد أو الجماعية حيث قد تبدو صدور وارداف. وهذا فيما يستطيع شباب اليوم وحتى صغاره مشاهدة أكثر الأفلام ابتذالاً عبر الانترنت والفضائيات... ويحدث كل هذا في العالم العربي وقد افتتحنا قرناً جديداً يحمل لنا تحديات خطيرة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والتربوية. ومع ذلك نتحدث عن تحدينا لاسرائيل التي لم تغلب العرب مراراً بسلاحها بقدر ما كان ذلك بتنظيمها السياسي وتقدمها العلمي والتكنولوجي.
ان الثقافة العربية قد تراجعت في الثلاثين أو الأربعين سنة الأخيرة نتيجة قهر الأنظمة الدكتاتورية وانتشار التطرف الديني وغياب قيم التسامح والحوار. وتلعب شرائح من المثقفين العرب أدواراً هدّامة ضد الثقافة العربية قد لا تقل أحياناً عن أدوار الأنظمة الشمولية التي صادرت الرأي الآخر. وهناك من يدافعون عن حرية المثقف لديهم ويسكتون عن القمع الوحشي لزملائهم في البلدان الأخرى كالعراقو بل يباركون ويزكّون.
ان مطاردة الأعمال الأدبية توشك ان تتحول الى حملات تفتيش يمتزج فيها الجهل بالنفاق وبشهوة استعباد المجتمع الذي يراد أن تشيع فيه قيم ثقافية واحدة، أي قيم شمولية باسم الحرص على المقدسات. أما الأدباء الذين يسفّون في الكتابة باسم حرية الابداع باستخدام تعابير ومقاطع يمكن التعبير عن مضامينها بأسلوب أرق وأكثر ابداعية، فانهم مع الأسف يقدمون لدعاة التحريم والتكفير سلاحاً بالمجان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.