} في الجزء الاول من المقال تفنيد للمقترحات الاميركية من خلال قراءة للرد الفلسطيني عليها، مع تركيز على بند "أراضي الدولة الفلسطينية". هنا متابعة لبنود القدس واللاجئين والامن: القدس: تشير الورقة إلى أربعة إشكاليات تواجه الجانب الفلسطيني بالنسبة الى مصير القدسالمحتلة عام 1967. أولاً، أن "المناطق العربية ستكون لفلسطين والمناطق اليهودية ستؤول إلى إسرائيل"، وهو المبدأ المقترح من كلينتون لتقسم القدسالشرقية بحدودها الإسرائيلية الموسّعة، "لا يمكن توفيقه مع مبدأ الحد الأقصى من التواصل الجغرافي للجانبين". إذن، فالاعتراض الفلسطيني ليس على مبدأ تقسيم مدينة القدسالمحتلة، وإنما على أن التقسيم المقترح يحابي الإسرائيليين أكثر في مسألة التواصل الجغرافي! ثانياً، إن الحائط الغربي المطلوب ضمه إلى إسرائيل غير محدد من ناحية طوله والامتداد الخلفي تحته. ومعنى ذلك أن ضم هذا الحائط الى السيادة الإسرائيلية أصبح أمراً مفروغاً منه، ولكن يبقى من الضروري التفاهم على تفاصيل المسافات! ثالثاً، أن "استمرار إسرائيل بالمطالبة بالسيادة على عدد من المواقع الدينية غير المحددة جغرافيا في القدس، ورفضها المستمر تقديم خرائط توضح مطالبها في القدس، إنما يعزّزان من المخاوف الفلسطينية". لذلك يطالب الجانب الفلسطيني بخارطة تحدد فيها إسرائيل مطالبها في المدينةالمحتلة! ورابعاً، يبدي الجانب الفلسطيني "الأسف" لكون "العرض الأميركي لا يشير" إلى مبدأ أساسي يتعلق بمكانة القدس "كمدينة مفتوحة"! أنه لأمر عجيب أن يطالب الجانب الفلسطيني بذلك من دون تحديد أي قدس يعني: فهل هي فقط القدسالشرقية أم القدس كاملة بشقيها الغربي والشرقي أم القدسالمحتلة والموسّعة إسرائيلياً؟ وإذا كانت المطالبة الفلسطينية الرسمية التي نسمعها في التصريحات الإعلامية بضرورة عودة كامل القدسالمحتلة إلى السيادة الفلسطينية، فلماذا نجد من الضروري أن نصّر نحن على ضرورة أن تصبح مدينة مفتوحة؟ لو أن هذه التصريحات حقيقية لما كان في الإمكان الفلسطيني أن يقبل بالتعامل مع مبدأ تقسيم المدينةالمحتلة على أساس ديموغرافي، وأن يحصر جلّ مطالبته في موضوع القدس بأن "أي حل مقبول فلسطينياً يجب أن يضمن التواصل الجغرافي بين المناطق الفلسطينية في القدس من جهة، وبين القدس وبقية الأراضي الفلسطينية من جهة أخرى"! * اللاجئون الفلسطينيون: تشير الورقة في موضوع اللاجئين إلى أن القرار 194 "الذي يُعّد أساس التسوية العادلة لمشكلة اللاجئين، ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم حيثما كانت، وليس العودة إلى وطنهم أو إلى فلسطين التاريخية". ومع أن الورقة تذكر أن "الاعتراف بحق العودة وإتاحة الخيار أمام اللاجئين يشكلان مطلباً سابقاً لإنهاء الصراع"، إلا أنها تسارع مباشرة الى تقديم تطمين للجانب الإسرائيلي ينسف عملياً هذا الحق من خلال تأكيد أن الفلسطينيين "على استعداد للتفكير الخلاّق والمرن في آليات تطبيق حق العودة". وقد يؤدي هذا التفكير الخلاّق والمرن في نهاية المطاف إلى استبدال حق اللاجئين بالعودة إلى "بيوتهم" بأن يعودوا إلى "وطنهم" أو إلى "فلسطين التاريخية" التي ستقلصها التسوية إلى الدولة الفلسطينية في القطاع وما يتبقى من الضفة بعد الاقتطاع. وقد تترافق هذه العودة بتعويضات مالية ليقال بعدها أنه تم تحقيق العودة والتعويض، وليس فقط العودة أو التعويض! * الأمن: تنصّ المقترحات الأمريكية في موضوع الأمن على "وجود دولي لضمان تنفيذ الاتفاق"، وإنهاء الانسحاب الإسرائيلي خلال ثلاث سنوات يتم السماح في نهايتها "ببقاء عسكري إسرائيلي في وادي الأردن لثلاث سنوات إضافية تحت إمرة القوات الدولية". بالإضافة الى ذلك، يسمح لإسرائيل "بالإبقاء على ثلاث محطات إنذار مبكر لمدة عشرة سنوات". وفي حين أن المقترحات تنصّ على أن تكون فلسطين "دولة غير مسلحة" فإنها تعطي إسرائيل "حق نشر قواتها في الأراضي الفلسطينية خلال حالة طوارئ قومية". ومع الإقرار بحق السيادة الفلسطينية على مجالها الجوي، إلا أن المقترحات الأميركية تدعو الطرفين الى "تطوير ترتيبات خاصة حول حاجات إسرائيل التدريبية والعملياتية". مع كل هذه التعقيدات الأمنية التي تنتقص فعلياً من السيادة الفلسطينية، إلا أن "الفريق الفلسطيني المفاوض" يجد "أن المقترح الأميركي أقل إثقالاً على السيادة الفلسطينية مما سبقه من مقترحات إسرائيلية". ولأنه كذلك فإن الجانب الفلسطيني يختصر موضوع ضمان أمنه بعدد محدود من التنويهات، ولكنه يقع من خلالها في أهم الأخطاء الاستراتيجية. فمن ناحية، يتذمر الجانب الفلسطيني من أن مدة الانسحاب الإسرائيلي المقررة بثلاث سنوات تعتبر طويلة ويمكن "أن تهدد التنفيذ السلمي للاتفاق وستخلق مصدراً مستمراً للاحتكاك". وعلى ضوء "أن إسرائيل قد تمكنت من استيعاب أكثر من مليون مهاجر من الاتحاد السوفياتي السابق خلال سنوات قليلة"، فإن الجانب الفلسطيني يجد أن "سنة واحدة ستعطي ما يكفي من الوقت ويزيد لاخلاء 60 ألف مستوطن". وإذا عُلم أن في الضفة بدون القدس الموسعة إسرائيلياً حوالي 200 ألف مستوطن، وفي القدس الموسعة حوالي 190 ألف مستوطن، يتضح من الطرح الفلسطيني قبول المقترح الأميركي القاضي بإبقاء 80 $ من مستوطني الضفة إضافة إلى مستوطني القدس في "الكتل الاستيطانية" التي ذكر الجانب الفلسطيني في موضع سابق أنه يرفض استخدامها كمبدأ تفاوضي. فلو كان الفريق الفلسطيني المفاوض ينطلق من المبدأ القاضي بضرورة إخلاء الأرض المحتلة ضمن حدود عام 1967 من المستوطنين لكان من الضروري أن لا يقف الرقم الذي يطالب الفلسطينيون بإخلائه عند 60 ألف مستوطن! من ناحية ثانية، لا ترفض الورقة الفلسطينية مبدأ وجود محطات إنذار مبكر إسرائيلية على الأرض "السيادية" الفلسطينية، ولكنها تقرر من خلال وعيها وحرصها الأمني على المصلحة الإسرائيلية "أن إسرائيل لا تحتاج إلى أكثر من محطة إنذار واحدة في الضفة الغربية لتلبية احتياجاتها الإستراتيجية"! والسؤال الذي تبادر للذهن على الفور طالما ان الموضوع يتعلق بضمان الاحتياجات الإستراتيجية هو: هل يخطر في بال واضعي الورقة أن للجانب الفلسطيني والعربي احتياجات إستراتيجية، منها على سبيل المثال ضرورة وجود آلية تضمن الرقابة الفعلية الفاعلة على المنشآت النووية الإسرائيلية؟ أم أن ضمان الأمن الإسرائيلي له الأولوية والأهمية على الأمن الفلسطيني والعربي؟ ومن ناحية ثالثة، لا تجد الورقة الفلسطينية أكثر من وصف المقترح الأميركي القاضي بانتقاص السيادة الفلسطينية على مجالها الجوي بأنه "إشكالي للغاية" طالما انه لم يتم توضيح المقصود من وجود "ترتيبات خاصة حول حاجات إسرائيل التدريبية والعملياتية في المجال الجوي الفلسطيني". بما أن هذه الورقة المنشورة في الصحافة المحلية الفلسطينية تعبر عن موقف الفريق المفاوض من المقترحات الأميركية إذ لم يتم نشر أي تعليق ينفي ذلك من جانب هذا الفريق، فإنه يتضح من تحليلها أنها لا تعترض على المقترحات، بل تقبل بمبدئها ومنطلقاتها، وتتعامل معها على هذا الأساس. ويقود ذلك إلى الاستنتاج الذي ذكرناه سابقاً، وهو أن القبول بهذه المقترحات جاء سابقاً من الناحية الزمنية لانعقاد قمة عرفات -كلينتون. وينتهي التحليل بنا إلى حقيقة مذهلة ومحزنة في آن، مفادها أنه إذا كانت هذه هي حدود القدرة الفلسطينية ل "التصدي" للمقترحات الأميركية، فإن هذه المقترحات ستصبح عمّا قريب الأساس الوحيد المطروح للتسوية... هذا اذا قبل الإسرائيليون بها ولم يطالبوا بتنازلات فلسطينية أكبر وأعمق. ولعلّ الفترة المتبقية لكلينتون في البيت الأبيض تمر بالنسبة الى القضية الفلسطينية على خير، فيغادر من دون تحقيق مقترحاته الإسرائيلية. أستاذ العلوم السياسية - جامعة بيرزيت.