سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحراء والبحر والطبيعة وحركة الناس في لوحات مختلفة وتجارب . الفن التشكيلي السعودي يستلهم الحروفية العربية والتراث ... وتحولات العصر
نشر في الحياة يوم 17 - 01 - 2001

} خلال أكثر من ثلاثين عاماً استطاعت التجربة التشكيلية في المملكة العربية السعودية أن تتبوأ مكانة على خريطة الفن التشكيلي العربي المعاصر، وتمكن الفنان التشكيلي السعودي من ان يحتل موقعاً في الساحة العربية على رغم الفترة القصيرة لولادة هذه التجربة. هنا قراءة شاملة في التجربة التشكيلية السعودية انطلاقاً من مراحلها التاريخية ووصولاً الى محطاتها الرئيسية.
رواد الحركة التشكيلية الفتية في السعودية هم عدد قليل من الفنانين الذين عُرفوا بفاعليتهم في الساحة الفنية والثقافية في المملكة، وما زالوا من خلال حضورهم ونشاطهم في الساحة السعودية والعربية. فالفنان عبدالحليم رضوي 1939 وبعد دراسته الفن والديكور في ايطاليا عاد وهو يحمل أفكاراً وطموحات كبيرة حقق كثيراً منها، ويتبوأ حالياً مكانة مرموقة في المملكة كرائد له الأسبقية في تلقي العلوم الفنية، والاسهام في اقامة أول المعارض الفردية في المملكة وخارجها منذ 1964 في جدة ثم الرياض والمنطقة الشرقية. وتلاه فيما بعد الفنان محمد السليم 1939 الذي كان يقوم بتدريس مادة التربية الفنية ويعمل موجهاً لها، ثم سافر لدراسة الديكور والفن في ايطاليا، وعاد بشهادة أكاديمية الفنون الجميلة، وكان أقام قبل ذلك أول معارضه في الرياض عام 1967. وفي العام 1968 أقامت الفنانة صفية بن زقر معرضها الأول في جدة، ثم الفنان ضياء عزيز معرضه الأول في العام 1969 قبل سفره لدراسة الفن في ايطاليا. وشهدت العاصمة الرياض في العام 1969 أول معرض لأعضاء الأندية الرياضية، نظمته الرئاسة العامة لرعاية الشباب. وبدأت مع السبعينات انطلاقة واسعة للمعارض في عدد من المدن السعودية، وكان معهد التربية الفنية افتتح وبدأت الدراسة فيه من العام 1965 ليدفع بأول متخرجيه في العام المدرسي 1967/1968.
ماذا عن هذه التجربة الشابة وظروف نشأتها، وشكل استمرارها، وبروز فنانيها؟
عرفت المملكة العربية السعودية بترامي أطرافها... وتتشكل في أرض المملكة تضاريس ومناخات مختلفة من إقليم الى آخر... في المنطقة الغربية، الأرض المنبسطة، تتناثر على الأطراف المحاذية للبحر سلاسل جبلية تمتد حتى الأجزاء الجنوبية من البلاد، وتصل ذروتها في منطقة عسير. وفيها تبرز طرز من البناء الذي يتناسب مع حاجات هذه المنطقة... في السواحل الشرقية وعلى أرض منبسطة تتخللها الصحارى والواحات...
في المنطقة الوسطى تمتد الصحارى، من الأجزاء الشمالية منها وتتخللها مرتفعات وهضاب... حياة ترحال بحثاً عن الكلأ، وهجرة وواحات استقر أهلها بفعل برامج التوطين الكبيرة التي واكبت قيام الدولة.
وفي المنطقة الغربية "الحرمان الشريفان" في مكة المكرمة والمدينة المنورة لهما عبقهما الروحاني، والزوار والمعتمرون من كل بقاع الأرض يتوافدون لأداء فرض أو شعيرة.
في ظل هذه الصور كان الفنان التشكيلي أول المتأثرين... حركة الأمواج البشرية في الحرم المكي للطواف بالكعبة المشرفة وفي المناسك، وبالطبيعة الخلابة في المنطقة الجنوبية، وحياة أهل الصحراء في كثير من أجزاء البلاد، والحياة الريفية في أجزاء كثيرة من المملكة، والحياة البحرية على السواحل.
جاءت أعمال الفنانين الأولى لتحاكي حاجة مجتمعهم في بساطتها وزهدها، وعبقها، وعفويتها... في السوق والحارة والمزرعة والساحل والصحراء... ويتأكد ذلك في أعمال من لا يزالون على هذا النهج منذ بداياتهم، ومراحلهم الأولى، الفنانة صفية بن زقر وهي تستعير عناصرها وموضوعاتها من صور قديمة ما زالت تتغنى بها، الأعراس، الأسواق، البائعون والبائعات، والحارة القديمة وبائع المياه السقا.
والفنان محمد الصندل الذي ما زال يسترجع صوراً قديمة لأهل الأحساء مدينته، يرسم الريف الأحسائي، مواسم الحصاد والبيع في الأسواق وليالي الأفراح. والفنان سعد العبيد الذي رسم القرى والنخيل والمنازل الطينية والحياة الصحراوية، وعبدالله الشلتي الذي يعيش في كنف الطبيعة الجنوبية، ويرسمها بجبالها المكسوة بخضرة دائمة وبجمال مبهر.
كان سفر الفنان عبدالحليم رضوي للدراسة الفنية في الخارج الانطلاقة الأولى لإرسال بعثات لدراسات مماثلة... أرسل محمد الصقعبي ومحمد السليم وضياء عزيز وفؤاد مغربل وخالد العبدان وعلي الرزيزاء وعبدالحميد البقشي وكمال المعلم وعبدالله المرزوق وفيصل السمرة... وآخرون درس بعضهم الفن على حسابه الخاص، كمنيرة موصلي ونبيلة البسام وعبدالستار الموسى، وربما آخرون بدأوا هكذا وتبنت الدولة في ما بعد بعضهم.
وعاد المتخرجون يحملون الطموح، والاسهام في بناء حركة تشكيلية جديدة، تستمد مقوماتها من معطيات حضارية من دينهم وعروبتهم وتقاليد مجتمعهم، مستفيدين من المنجزات الفنية التي سبقتهم، الى جانب معطيات عصرهم وأحداثه...
عاد الفنان عبدالحليم رضوي تشغله تنظيرات على مستوى المعطى التعبيري الذي تأثر به من خلال "فان غوغ" فرسم التموجات الفكرية والشحنات الانفعالية، وقدم مؤلفاً في هذا الصدد لم يلبث الفنان أن تجاوزه وهو يطور أفكاره، ويتابع سلسلة عطائه.
وتقوم لوحات هذا الفنان على انطلاقه من واقع يستمد منه عناصره وأفكاره وأشكاله. في لوحات رضوي أمامنا كم من العناصر التي يحركها ذات اليمين وذات الشمال، ومن أسفل ومن أعلى، وضربات فرشاة خبيرة، وعناصر تحركها طيور تعبر عن الانطلاق ونشد الحرية التي يجدها رضوي في فنه.
عودة الفنان محمد السليم من ايطاليا كانت إيذاناً بدخول مرحلة جديدة. كان السليم يرسم الصحراء وحياة أهلها... تبرز الخيمة والجمل والزرع الصحراوي الفطري، لكن تلك العناصر والمعالجات الأقرب انطباعية وفرحاً، بدأت تخضع لأفكار مستجدة. امتدت صحراؤه بامتداد جرة سكينة الرسم. والألوان التي كان ينغم بها مساحاته زهد فيها، وأصبح هذا التنغيم ترديداً لمساحاته الأشبه بالموسيقى التي تحرك أعيننا من اليمين الى الشمال أو العكس، ووسط هذه الآفاق تبرز عناصر تعبر عن موضوع اللوحة، وتشكل الحروف العربية والعبارات اهتماماً ما زال الفنان يشتغل عليه.
الفنان عبدالجبار اليحيا... أسهم قبل وقت مبكر في الكتابة عن الفن التشكيلي. وكانت جريدة المدينة المنورة السعودية تنشر له بعض المقالات منذ 1967. لكنه سرعان ما انقطع عن ذلك واكتفى بمشاركاته التي افتتحها بمعرض شخصي عام 1973 في الرياض. وأقام معرضه الثاني بعد عشر سنوات من تاريخ معرضه الأول، وبرزت في هذا المعرض تجربة الفنان نحو الانسان المقهور.
أعمال اليحيا تتناول ببساطة شديدة موضوعات اجتماعية. يرسم في أعمال أخرى بيوتاً طينية تمتزج بأشكال آدمية، هي نساء ورجال. وتعبيرية الفنان هي تعبيرية يغلب عليها الترميز أكثر من شدة اللون وحرارة معالجته، لكن الخط يؤدي دوراً مهماً في التأثير في المشاهد بمرونته وحركته الانسيابية. أما مساحاته فلا تتزين أو تزوق باللون. ويكتفي بلمسات وألوان تبعث الموضوع وتحركه في المشاهد من دون استعراض أو غلو. وعبدالجبار اليحيا ولد في الزبير في العراق عام 1931 وتلقى علومه فيها، وكان له اهتمام برسم مشاهدات واقعية من أحياء الرياض والحياة الصحراوية. لكن هذا التوجه يدخل ضمن تقنيات أعماله الأكثر تحديثاً.
ومنذ أنشأت الرئاسة العامة لرعاية الشباب قسم "الفنون التشكيلية" في الشؤون الثقافية عام 1974، بدأ تنظيم النشاط التشكيلي في المملكة، وأخذت المعارض التي اعتمدت الرئاسة إقامتها مسميات مثل: "معرض الفن السعودي المعاصر"، "المعرض العام للمقتنيات"، "المعرض العام لمناطق المملكة"، "المعرض العام للمراسم"... وغيرها. وأخذ الفنانون والناشئون ينهالون على هذه المعارض، التي تمنح جوائز اقتناء وجوائز أولى في التصوير الزيتي والرسم والفنون التطبيقية. كما تمنح شهادات تقدير، وغيرها. وأسهمت الرئاسة العامة لرعاية الشباب في التعريف بأعمال الفنانين السعوديين في الخارج، من خلال المناسبات التي تدعى اليها وتشارك فيها، أو التي تقيمها للفن السعودي خارج المملكة.
وتؤدي جمعية الثقافة والفنون بفروعها في بعض مدن المملكة دوراً مماثلاً، يتجلى في برامج الجمعية وفروعها من محاضرات ومعارض ولقاءات. وتطبع الرئاسة والجمعية أدلة ذات مستوى جيد لمعارضها الكبرى. وكانت الجمعية بدأت في تنفيذ نشاطاتها التشكيلية بعد إنشائها مباشرة عام 1973. وكان قد أنشئ "مركز الفنون الجميلة" في جدة عام 1968، وقام بتنفيذ بعض المعارض لفناني المنطقة الغربية، وقد أشرف عليه الفنان عبدالحليم رضوي قبل سفره للدراسة في اسبانيا. وأقفل أبوابه قبل ذلك الحين، إذ لم يستمر سوى بضع سنوات.
تجربة ونمو
وأخذت التجربة التشكيلية في النمو بسرعة فائقة منذ بدأت "الرئاسة العامة لرعاية الشباب" و"جمعية الثقافة والفنون" تنظيم المعارض وتبنيها. وكان عدد من الفنانين يرسلون ويعودون بعد إكمال دراساتهم الفنية سواء في مجال الديكور أم مجال تعليم التربية الفنية أم غيرهما. وبدت ملامح فن يتميز بحميمية مع واقعه والمحيط الذي ينبعث منه... بدت ملامح تنطلق من ثقافة مجتمع وعادات وتقاليد... وبرزت توجهات معظمها يحاول البحث في التراث المحلي العربي والاسلامي شددت عليه معظم المعارض المحلية، وتركت حرية الفنان في تناوله من الجانب الذي يراه يحقق التجديد والتطوير من منظوره الخاص. ظهرت محاولات تستفيد من التجارب والاتجاهات الغربية... وعلاوة على استمرار الذين ما زالوا أو بدأوا على حب توثيق أو محاكاة البيئة المحلية في شكلها التقليدي، ورسم المشاهد التي ما برحت متبقية من حياة اندثرت أو في طريقها الى الاندثار. وبرزت محاولات التجديد من خلال توظيف خامات محلية. ولعل من هؤلاء الفنانين فيصل السمرة ومنيرة موصلي وسعد الخليوي، وربما آخرون، لم تتشكل لديهم حتى الآن رؤية واضحة.
وعن الواقع المحلي ومحاكاته، وتوثيق صوره القديمة، برزت أعمال صفية بن زقر وسعد العبيد ومحمد الصندل وضياء عزيز. وهذا الفنان يخرج بموضوعات أخرى تعبر عن مأساة قومية أو موضوع اجتماعي. فهو يلون لوحاته بأناقة وحرص على إبراز الجانب الأكاديمي. ولعل عدداً من الفنانين الشباب كإحسان برهان وعبدالعزيز الناجم ومنير الحجي وعبدالله السعيد وعبدالرحمن الحواس وعبدالجبار الحصين وابراهيم الفارس ينضوي تحت لواء محاكاة الواقع.
وهناك تجارب سبّاقة في هذا الاتجاه لأحمد المغلوث وعلي الصفار ومحمد المنيف ومنصور كردي وهشام بنجابي وصالح النقيدان وخالد العبدان وعبدالرحمن الحافظ وفوزية عبداللطيف وسليمان المقبل.
وتأثير الاتجاهات الغربية يبدو محدوداً في أعمال الفنانين التشكيليين السعوديين. وعدد قليل من الفنانين تأثر بالصوغ الغربي الذي برز في أعماله مثل خليل حسن خليل وهو ينطلق من موضوع محلي. إلا أن الصوغ ذاته يتأثر بأعمال سلفادور دالي أو ماغريت... ويلتقي مع هذا الفنان عبدالحميد البقشي صاحب التجربة السوريالية المبكرة التي أثرت في أعمال آخرين من بعض الفنانين الشباب. واهتمامات هذا الفنان أيضاً تحمل موضوعاً اجتماعياً أو قومياً. لكنه ترك هذا التوجه بعد عودته من دراسته في الولايات المتحدة الاميركية، وعاد بأعمال تجريدية، سرعان ما تركها الى مزاوجة بين أكثر من خبرة في تجربته الفنية. والفنان البقشي من أصحاب المهارات الفنية العالية بين فناني السعودية. ومن بين الفنانين الذين اشتغلوا بالصوغ السوريالي خالد الأمير ومحمد سيام في بعض تجاربه المبكرة. ويتجه عدد كبير من الفنانين التشكيليين السعوديين نحو الموروث في أشكال مختلفة. وتتباين أعمال الفنانين بحسب أمور عدة، تبدأ بثقافة الفنان وتحصيله الفني، ووعيه وإمكاناته وقدراته، بداية بمن يحملون صفة الريادة عبدالحليم رضوي ومحمد السليم... الى الأجيال التي أعقبتهم أو الأسماء التي جاءت بعدهم مباشرة. ويمكن تقسيم التوجه التراثي في التجربة التشكيلية السعودية الى:
- التوجه نحو المعمار الشعبي والاسلامي.
- استلهام الحرف العربي.
- الاستفادة من التراث في معظم أشكاله ومناحيه. ...
التوجه نحو المعمار: يبرز هذا التوجه في صياغات عدد من الفنانين وبتباين بين من يؤلّف أشكالاً معمارية يستوحيها من الأبنية الشعبية المنازل والمساجد... أو من الفنون الاسلامية التي تتجلى في الزخارف الهندسية والبنائية، وغيرهم. ولعل أبرز الأسماء في هذا الاتجاه عبدالحليم رضوى وعبدالله الشيخ، وسليمان باجبع، والأخير يضيف أشكالاً وعناصر حية على معمارياته... حصان، حمام، نساء.... ويتناول هذا التوجه أسماء أخرى مثل علي الرزيزاء وأحمد الأعرج ومهدي راجح وابراهيم عبده وابراهيم بوقس.
وتأتي تجربة الحرف العربي مواكبة للتجارب العربية الأخرى... وغير متزامنة مع بداياتها... وسنجد أن اللوحة الحروفية ظهرت بداية عند الفنان محمد الصقعبي الذي كان يكتب ويرسم حروفاً وآيات قرآنية... وكذلك عند الفنان محمد السليم الذي يباشر في تقديم الحرف ليمنحنا معنى العمل. فاللوحة الحروفية عند الفنان هي آية أو مثل قديم أو كلمة... تتشكل ضمن مساحاته الأفقية وتتمحور في وسط اللوحة على الأغلب. أما عبدالحليم رضوى فالكتابة عنده تكملة للموضوع ومانحة معنى اللوحة وأحياناً عنوانها. ويخوض الفنان فهد الربيق الذي بدأ واقعياً، تجربة حروفية تقترب من تناولات سابقة لكنه يضيف إليها من احساسه وخبراته.
ويمكن اعتبار تجربة الفنان ناصر الموسى من التجارب المبكرة والتي استغل فيها الحرف في صياغات محاولاً عبر ذلك التميز على مستوى التجربة العربية، وتعود بداية تجربته منذ بدايات الثمانينات لتتمخض عن معرض أقامه في العام 1983.
ولدى الفنان بكر شيخون ينتظم الحرف في عناصر تؤلف اللوحة، مع أشكال معمارية أو رؤوس نساء أو خيول... وأحياناً تنفرد المعالجات الحروفية في مساحات اللوحة وكأنها نقوش على قطعة حجر قديمة أو شاهد قبر... أو في مدخل بناء تراثي. وفي أعمال سليمان الحلوة، وعبدالعزيز عاشور وسليمان باجبع وعبدالله شاهر ويوسف جاها وعبدالله حماس وعلي الرزيزاء وحمزه باجودة وسعد المسعري ومفرح عسيري ويحيى شريفي وربما غيرهم، يبرز الحرف منفرداً أو مشتركاً مع عناصر أخرى. وكانت جمعية الثقافة والفنون في الدمام أقامت معرضاً للفنانين حول الحرف العربي شارك فيه الاسماء السابقة.
والمفردة التراثية في بعض أشكالها كانت أحد العناصر التي استغلها عدد من الفنانين التشكيليين السعوديين ضمن صياغاتهم الخاصة، متجاوزين النقل والمحاكاة، للتجديد ومحاولة الابتكار من خلالها... ويمكن اعتبار عبدالله حماس أحد الفنانين الذين تجاوزوا موضوع المحاكاة الى استغلال المعطى التراثي في أبها بجمالياته وفطريته، وأحمد الأعرج الذي يضفي على لوحاته احساساً خيالياً وحساً عفوياً صادقاً، وعبدالله نواوي الذي تحمل لوحاته شحنات تعبيرية تمنح عمله دفئه وحميميته، وسمير الدهام الذي تعلق بالموضوع الشعبي وتفاعل معه، وأضاف اليه صوغاً يعبر عن مفهوم تجديدي في رؤيته الفنية، وعبدالله المرزوق الذي يبعث عناصره بأناقة هندسية محسوبة، وعبدالعزيز عاشور الذي يحمل مخزوناً من استجلاء المفردة التراثية، وأحمد منشي الذي يركب موضوعات متنوعة ويصوغها، وابراهيم النغيثر الذي يفكك عناصره ويعيد صوغها أو تركيبها. وتطرح أعمال عدد من الفنانين مفهوماً في استغلال الخامة. ولعل أبرز من وظف خامات مختلفة فيصل السمرة الذي تحمل لوحاته إحساساً عميقاً وحنيناً نحو الانسان، والموروث الانساني. وهو يوحي بالانسان وبدائياته في أعماله القماشية، ومنيرة موصلي التي تشغلها الخامة، وهي توظف الخيش والجلد والأصباغ النباتية الطبيعية لتمنحنا ارتباطاً بالهوية الانسانية والتفاعل مع قضايا الانسان في كل مكان، وسعد الخليوي الذي يوظف خامات حديثة أغنته عن الأصباغ والألوان.
والأسماء التشكيلية في المملكة العربية السعودية كثيرة... فعبدالله الشيخ أحد الفنانين الذين عمقوا التجربة التراثية... وقد طرح في آخر معارضه مفهوماً جديداً للعلاقة بين الانسان والآلة، وفيصل المشاري ذو الخيال والرومانطيقية، مفرداته على كثير من التبسيط والشاعرية، وفهد الحجيلان الذي اتخذ من الوجه الانساني النسائي وسيلة للتعبير عن كوامن النفس البشرية، وصالح خطاب ذو العوالم الخيالية الباطنة، ويوسف جاها الذي يتوزع اهتمامه في أكثر من توجه نحو البيئة في المنطقة الغربية والتراث وعناصره، ومحمد سيام الذي يتوجه لخلق ديناميكية من خلال تأثره بالحركة المستقبلية، طارحاً موضوعات محلية. واعتدال عطيوي التي يتضح تأثير تخصصها في علم النفس، مبرزة جوانب وكأنها إشارات الأجهزة العصبية في الجسم الانساني للفعل، وشريفة السديري التي بدأت في اختيار خامات تعالج بها موضوعات انسانية، وبدرية الناصر التي اهتمت بطرح العلاقة بين المرأة والرجل، وإلهام بامحرز التي توظف خامات ومعاجين لموضوعات انسانية تتميز بالصدق والعفوية، وعلي الطخيس النحات الذي تميزت أعماله بإيحاءاتها الانسانية ومعالجاتها العفوية، وطه حبتان بعناصره وموضوعاته الواقعية المجردة. والأسماء في الفن التشكيلي السعودي كثيرة لا يمكن حصرها بسهولة، لكننا نشير الى فنانين أسهموا بمعارضهم الفردية أو مشاركاتهم الجماعية في المعارض السعودية. مثل: أحمد السبت وأحمد العبد النبي وتوفيق الحميدي وخلود السالم وحميدة السنان وعلي حسن الهويدي وعبدالمجيد الجاروف ويوسف المرحوم وسعد المسعري وأسعد بيت المال وسعود القحطاني وهاشم المهنا ونبيل نجدي وعبدالعظيم الضامن ومحمد عبدالكريم وسعود العثمان وجيهان مدرس وتركي الدوسري وعلي عيسى الدوسري وسلطان الزياد ومحمد الأعجم ورضا معمر وسعيد الخضري وميرزا الصالح وعلي الغامدي وحسن عبدالمجيد وحنان الغامدي وابراهيم الفصام وناصر العقيل ومحمد الرصيص وناصر الرفاعي وصالح الزاير وفؤاد مغربل ويوسف العمود وهادي الخالدي وخالد العويس وسواهم.
* ينشر هذا البحث بالتوافق مع مجلة "الصورة" التي يوزع عددها الاول خلال ايام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.