تشهد دولة الكويت حركة نشاط في الفترة الأخيرة تتقاسمه عدة جهات كالجمعية الكويتية للفنون التشكيلية التي اختارت في انتخابات أخيرة الفنان عبدرب الرسول سلمان رئيسا لها، وادارة الفنون التشكيلية بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب والتي عين أخيرا مدير جديد لإدارتها التشكيلية، والقاعات الخاصة التي ازدادت في الكويت خلال الأعوام الأخيرة. وغاب عن هذا الأنشطة (المرسم الحر) أقدم المؤسسات التشكيلية والذي احتضن منذ قيامه عام 1959 رموز الحركة التشكيلية الكويتية وروادها. فقدت الساحة التشكيلية الكويتية في الأعوام القليلة الأخيرة عددا من أسمائها الهامة مثل النحات عيسى صقر وأحمد عبدالرضا وعبدالله القصار وخليفة القطان الذي عرضت زوجته قبل أسابيع بعض أعماله في معرض مشترك معها. ظهرت في الأعوام الأخيرة أسماء شابة شكلت حضورا في المعارض الجماعية داخل الكويت وخارجها، هذه الأسماء تسعى لمكانة بين التجارب الأقدم والتي ترسخت سواء على مستوى النحت أو التصوير مثل (بدر المنصور واحمد الملا واحمد البناي ونوال القريني وعبدالحميد اسماعيل وابراهيم حبيب وعلي البلوشي وخالد الشطي وعبدالله الجيران) وغيرهم. عبر معرض القرين التشكيلي الشامل الذي نظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالتعاون مع الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية عن قدوم شبابي واضح، ففي هذا المعرض وهو العاشر أخضعت الأعمال لعملية فرز وتحكيم، وجوائز منحت للأعمال المتفوقة بحسب رأي اللجنة المحكمة، ومع غياب بعض الأسماء المعروفة عن هذا المعرض الشامل مثل (خزعل عوض، عبدرب الرسول سلمان، ثريا البقصمي، سامي محمد وجاسم بوحمد وايوب حسين)، إلا أن حضورا سجله علي نعمان وسعود الفرج وعبدالرضا باقر وحميد خزعل وسامية السيد عمر ومحمد الشيخ وابراهيم اسماعيل وعيسى بوشهري، وهم من الأسماء المعروفة في الساحة التكشيلية الكويتية. تبدي أعمال عدد من المشاركين الاهتمام بمظهر اجتماعي شعبي وحركة حياة بحرية كانت مهنة رئيسة لأهالي الكويت فرسمت المراكب الشراعية وسفن صيد الأسماك والحارات والمنازل القديمة، يسترجع ابراهيم اسماعيل مشهد (جلب الماء من شط العرب) في سفن أو مراكب بحرية كبيرة الصياغة بسيطة تتجه إلى التسجيل والتوثيق وإن أبدى الفنان بعض التقطيعات الهندسية التي تتمثل في معظم أعماله، ويحاكي بدر جاسم حياتي، وبتلوينات شافة مشهدا لمركب صيد، لا تخلو مثل هذه الأعمال من مرجعية فوتوغرافية وهو ما يمكن أن يضيف عليه أويطوره الفنان لتحقيق فكرته التسجيلية أو التعبيرية. ويؤكد علي نعمان خبراته في لوحته (الصياد)، فالأقلام والألوان الزيتية وبتقنية شافة منحت عمله اثارته. الفنان يؤلف فكرة على أكثر من مشهد يرسم مقاطع لوحته بمباشرة لكنه يلونها وفق رؤيته الخاصة وبالتالي تأتي بعض أعماله أجزاء تعبر عن موضوع واحد. وتسجل (هيا فلاح) مشهدا بحريا لمراكب صيد تبدو فيه فطرية المعالجة وصفاء الفكرة، بالمقابل يتناول فاضل أشكناني مشهدا (مسترجعا) لبوابة أحد أسوار الكويت، وعلى نحو تسجيلي أيضا. جانب تعبيري واضح في أعمال مجموعة من المشاركين يحمل البعض هما إنسانيا أو اجتماعيا، أو تعبيرا ذاتيا. ومع ذلك نجد تباينا واضحا، واختلافا في القدرات التعبيرية، بين حالة ترميزية في عمل (مريم العوضي) أو بين قدرات تعبيرية تمس الانسان كما في أعمال خالد الشطي وسامية السيد عمر، لكنها عند سعود الفرج مزيج من التسجيل والتعبير بين المباشرة والتعبير عن فكرة محسوسة، هذه الحالة التعبيرية أكثر مباشرة في لوحة (مأساة أمة) لسهيلة صالح الجدي، واكثر تلخيصا في لوحة لسهيلة حسين النجدي. يصيغ بعض الفنانين والفنانات أفكارهم على نحو يقبل التفسير المباشر من خلال عناصر ذات دلالات رمزية موحية، نجدها في لوحة (زمن العشاق) لأحمد سليمان جوهر، وآلاء الحداد، ومع تقارب فضاءات الاثنين إلا أن آلاء تتميز بحساسية رهيفة وبمنح عناصرها فضاءات رحبة تذكرنا بفضاءات (سلفادور دالي) وطيور (مارغريت) حالة رمزية مدهشة يقوم فيها الأحمر بإشعال المكان، لكن بجعاتها المتناثرة أو الموزعة بين أجزاء العمل تمنح هدوءا واستقرارا، هذه المزاوجة تؤكد قدرات الفنانة وأهمية تشجيعها. يلتقي بعض المشاركين في صوغ أعمالهم أو تأليف عناصرهم فعبدالله الجيران أقرب الى محاكاة عناصر بعينها يمنحها رمزية كناية عن (الوصول) عنوان اللوحة. يدرس الجيران عناصره بعناية واهتمام أما العناصر أو الفكرة نفسها فتلتقي في العمل الفني (العمالة ناقص واحد) لبدر المنصور الذي يجسم عناصره بالفيبر جلاس، وألوان برونزية، يميز العمل تعبيريته وان استعدنا معه بعض أعمال الرائد (سامي محمد) خلال منتصف الثمانينات، لكنها في عمل المنصور امام محاولة جادة يمكن أن تطرح نفسها كأحد التوجهات الجديدة في التجربة النحتية الكويتية ويواصل حميد خزعل معالجاته اللونية الخاطفة على فضاءات من الأصفر والبرتقالي المصفر كما في عمله (وهج البرتقالي) يتحقق في العمل حالة ذاتية والفنان يتعامل مع مساحته بكثير من الألق والانفعال. وينشيء عبدالرضا باقر عمله (تكوين رقم 2) على خلفية فكرة انسانية وسط العمل. مشاركون تناولوا الحرف العربي أو الكتابة على نحو مباشر، نجدها قسرية في بعض الأعمال بينما اتجه آخرون الى استعارة نهايات أو بدايات حرف عربي. تتفاوت نتائج بعض المشاركين الذين قدموا أعمالا من الطبيعة الصامتة (رسم فواكه، زهور ومزهريات مشاهد منزلية، حلي) وغيرها بين من اهتم بمعالجة عمله وفق فنيات أساسية، وبين من وظف خامات أو ملصقات.. وليد أحمد الناشي يتناول أواني شعبية باستخدام اللصق تذكرنا هذه اللوحة بأعمال أو تقنيات الكويتي الراحل أحمد عبدالرضا، ربما تكون هذه الخامة مدخلا في تجريب اكثر عمقا لكنا في أعمال أخرى أقرب الى المدرسية. لوحة (اعمار) لسكينة الكوت خروج عن هذا الاطار بمحاولة تأليف يجمع الزهور بالأقمشة، ومساحات عمودية تلونها بحس تزييني يتناعم وأجزاء من عملها. تلفت لوحة بلقيس عبداللطيف (صديقة طفولتي) بدراستها عناصر مختلفة بألوان الباستيل ،مهارة واضحة في دراسة أجزاء العمل كما هو اسكتش نواف الأرملي أيضا. يحضر النحت في هذا المعرض لكنه أقل خبرة واثارة من أعمال فنانين أسسوا لهذا الاتجاه، نتذكر هنا (عيسى صقر وجاسم بوحمد وخزعل القفاص وسامي محمد..) لكن المحاولات الشبابية ربما تأثرت بمشاهدات متنوعة خارج سياق التجربة الكويتية فكانت الأعمال بسيطة اشتغلها المشاركون على الخشب أو الحجر أو جذوع وسيقان الأشجار. حركة بالية في عمل يوسف المليفي (الرقص على القمر) منفذة بالبلاستيك. أعمال فاضل العبار توجه للنحت على الحجر، يؤكد على معطيات القطعة الطبيعية، ومهتما بتمثيل فكرته أو تقريبها. تعبير عن الوحدة، أو الانطواء والانكفاء في عمل لأحمد البناي الذي يخلو من أية تقريبها ليظهر ككتلة مثقلة بالفكرة، رشاقة وبساطة في (ارتباط) أحمد الملا، ويؤلف علي حسن العوض عناصر وخامات مختلفة تعبيرا عن فكرة تباشر بالعناصر وتمثلها. وينشئ محمد الشيباني عمله وفق تجريب واضح في الخامة وهو الذي كان أكثر تأثرا بفضاءات السيرياليين، يبدي عمله (اسكاشن) فضاء تتحرك فيه كائنات أو أجرام، معاجين، وكشط، بروز واضح لمقاطع غير محددة الملامح لكنه خروج جديد إلى آفاق أرحب قد يثري تجربة الفنان، وتمنحها استقلاليتها، في عمل (أمومة) (لناجي الحاي) ضياع وتيه، عفوية معالجة وفضاء تتحرك فيه أجرام وشهب.. وايحاء بالرهبة والخوف. أعمال عديدة تتجاوز الثمانين، وأسماء شابة طموحة بجانب اسماء أكثر حضورا وخبرة تقدم معرض القرين التشكيلي الشامل في دورته العاشرة. وفي صالة الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية أقام الفنان ناجي الحاي معرضا شخصيا هو الرابع في سلسلة نشاطه الفردي، تنبعث أعمال معرضه (تفاعل) من سعي ومحاولة لفت الى جوانب انسانية ومشاعر وهموم ربما يحملها أصبحت لوحته متنفسا لبعث هذه الجوانب، بعد معرضين سابقين له سماهما (المعاق بين الألم والتحدي، ونوافذ انسانية) بدت أعماله بشكل عام متقاربة في وحدة الانسان وعزلته، أو في خوفه ورؤيته الحياتية على نحو من التشاؤم. شارك ناجي الحاي في عروض كويتية خارجية كبينالي القاهرة 1998، بينالي بنغلاديش 1999، موسم أصيلة الثقافي 2001، مهرجان منال لذوي الاحتياجات الخاصة بدولة الامارات العربية المتحدة 1999. معرض آخر جمع الفنان اللبناني أمين الباشا بالمصور الضوئي الكويتي رضا سالم. يقوم المعرض على اختيارات (الباشا) لصور (رضا سالم) ليستكملها وفق رؤيته الفنية الخاصة. المعرض فكرة جديدة ربما على مستوى فنانين خليجيين لكنها ليست جديدة مع الفنان أمين الباشا الذي سبق أن شارك آخرين في المزاوجة بين صورهم الضوئية ورسمه التصويري المائي، أو الزيتي أحيانا.