في مقطع من رواية "أبناء الخطأ الرومانسي" للكاتب المصري ياسر شعبان جاء على لسان الراوي: "ابتسمتُ وأنا أقول لصديقي سيقدمون من بيننا ضحية أو اثنتين قربانين لأجل مغازلة الآخر... وهذا هو المرعب والمؤسف في الأمر فهم لن يعتبرونا أبطالاً ثواراً بل مجرد أولاد مضحوك عليهم مستلبين مغيبين". وهذه الرواية هي إحدى الروايات الثلاث التي قرر وزير الثقافة المصري فاروق حسني أخيراً مصادرتها بدعوى انها "إباحية" وكذلك إقالة الناقد علي أبو شادي رئيس مجلس ادارة هيئة قصور الثقافة لأنه لم يحل دون نشرها ضمن سلسلة "أصوات أدبية" التي تصدرها الهيئة ويرأس تحريرها الروائي محمد البساطي. وأثار هذا التطور ردود فعل متباينة عكست انقساماً أشد حدة من ذلك الذي أحدثته أزمة نشر رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر ضمن سلسلة "آفاق الكتابة" التي تصدرها ايضاً الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة. وبادر عدد كبير من رؤساء تحرير "السلاسل" التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية بتقديم استقالاتهم. وتضامن معهم مثقفون قرروا مقاطعة نشاطات معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تنظمه الهيئة العامة للكتاب التابعة للوزارة نفسها. وفي المقابل أيد مثقفون آخرون ما فعله الوزير فاروق حسني انتصاراً ل"الحرية المسؤولة"، والتزم البعض الصمت التام. واعتبرت الناقدة ذات التوجه الإسلامي صافي ناز كاظم في تصريح ل"الحياة" أن ما يحدث "مشاجرات مماليك، وبما أنني من الشعب فإنني لا أحب أن أكون طرفاً فيها". وهاجمت كاظم المثقفين المصريين الذين احتجوا على عزل أبو شادي وتساءلت عن سبب صمتهم ازاء "مصائب حقيقية" من نوع إغلاق صحيفة "الشعب" لسان حال حزب "العمل" المتحالف مع جماعة "الإخوان المسلمين" في أعقاب تفجر أزمة نشر رواية "وليمة لأعشاب البحر". وقال الشاعر عبدالرحمن الابنودي، الذي تردد أن الاجراءات التي اتخذها الوزير فاروق حسني جاءت بعد الشكوى التي رفعها إليه اعتراضاً على احدى الروايات الثلاث التي تتضمن "إساءات بالغة" إلى شخصه، "لقد زجوا باسمي في هذه القضية من دون مبرر". وأضاف الابنودي ل"الحياة" أن الأيام المقبلة "ستكشف أن لا صلة لي بهذا الأمر، لا من قريب ولا من بعيد". وشدد الأبنودي في الوقت نفسه على أنه يعارض الدعوة إلى مقاطعة نشاطات معرض القاهرة الدولي للكتاب احتجاجاً على ما حدث. ومن جانبه وصف الصحافي صلاح عيسى رئيس تحرير صحيفة "القاهرة" التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية الدعوة إلى مقاطعة معرض القاهرة الدولي للكتاب بأنها تشبه شعاراً رفعه بعض المصريين في النصف الأول من القرن العشرين وهو: "لن نتعلم الانكليزية احتجاجاً على الاحتلال البريطاني". وقال عيسى ل"الحياة" ساخراً: "هل سيمتنع هؤلاء عن شراء الكتب أم عن حضور الندوات؟ أم سيتنازلون عن التفرغ منحة من وزارة الثقافة لإنجاز أعمال إبداعية أو ربما سيمتنعون عن نشر أعمالهم من خلال الهيئة العامة للكتاب المنظمة للمعرض". وأضاف: "ان معارضي الإجراءات التي اتخذها الوزير حسني أخيراً هم قلة تطلق رصاصها نحو الجبهة التي ينبغي أن يدافعوا عنها. هذا اذا كانت هناك ثمة ضرورة لإطلاق الرصاص أصلاً". واستدرك عيسى قائلاً: "قد يكون رد الفعل الحكومي على نشر الروايات الثلاث جامحاً، ولكنه رد فعل ثان على فعل سابق"، في اشارة إلى أزمة "وليمة لأعشاب البحر"، إذ يرى عيسى أن وراء الأزمتين "قوى متربصة لها أهداف سياسية"، وهذا ما ينبغي على المثقفين - من وجهة نظره - أن يضعوه في الحسبان. وقال عيسى أيضاً: "إن حرية الإبداع يجب ألا تتعارض مع توازن المجتمع وظروفه الراهنة". وحمل على "فريق من الكتاب الشبان يتصورن أن الصدام المتعمد من الممكن أن يجلب لهم الشهرة، ويتيح ترجمة كتبهم في الغرب باعتبارهم رواد طرق جديدة للضرب في محرمات اجتماعية". وعلى رغم أن الروائي إبراهيم عبدالمجيد كان أسرع الذين بادروا الى الاستقالة من أعمالهم المرتبطة بوزارة الثقافة احتجاجاً على ما حدث، فإنه لم يخف تحفظاته على مشروع النشر التابع للهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة. وقال عبدالمجيد ل"الحياة": "إن ما حدث يجب أن يكون بداية لإعادة تنظيم هذا المشروع". وأضاف: "ان عدد سلاسل المشروع ضخم جداً 17 سلسلة وبعضها يتقاطع تخصصه مع سلاسل تصدرها هيئات أخرى تابعة لوزارة الثقافة. كما أن الاهتمام بالنشر جاء على حساب الأعمال الأساسية لهيئة قصور الثقافة خارج العاصمة". ورأى عبدالمجيد أن الأمر انتهى إلى "قيام مراكز قوى داخل الهيئة تفسر ما شاء لها الفساد". وتولدت لدى كثير من مبدعي الأقاليم كراهية شديدة لمشروع النشر الذي لا يستفيدون منه. فأصبح من السهل جداً عندما يصدر كتاب أن يهرع به عشرات الناس الى الأزهر ومجلس الشعب، ليس كرهاً في الأدب ولكن ضرباً في المسؤولين. واستدرك عبدالمجيد قائلاً: "إن ذلك لا يبرر إقالة علي أبو شادي لأنه ورث تلك التركة ولم يكن شريكاً في تردي الوضع في شكل مباشر". وأضاف: ان ما فعله الوزير حسني له جانبه السلبي، في كونه يشجع الجماعات الإرهابية على طلب المزيد من التراجع. فهم لا يخفون إصرارهم على مطاردة كل الأدباء والكتب". وقال عبدالمجيد: "إن مقاطعة معرض الكتاب التي يؤيدها ليست - في رأيه - موجهة إلى وزارة الثقافة وإنما أساساً إلى الجماعات الارهابية التي يجب أن تدرك أن الأدباء قوة مؤثرة لا تنبغي الاستهانة بها". الشاعر فريد أبو سعدة كان له موقف أيضاً من القضية: "اعتقد أننا نعيش مرحلة انحسار للدور الثقافي المصري في تجلياته المختلفة، وهو الدور الذي نعتز به باعتباره يمثل ثقل حضور مصر في العالم العربي". ولاحظ أن الدولة في الأزمة الأخيرة بادرت الى مغازلة المتشددين على عكس ما فعلته في أزمة "وليمة لأعشاب البحر". ورأى "أن إقالة أبو شادي هي وسام على صدره، كما كانت إقالة طه حسين في العام 1932، لأنه انتصر لحرية الإبداع مخالفاً الاتفاق الذي قال الوزير حسني انه أبرمه معه بعد أزمة الوليمة". واستنكر أبو سعدة اخضاع الروائي محمد البساطي ومعاونه الشاعر جرجس شكري لتحقيق إداري، فهما "كانا يؤديان خدمة ثقافية وليسا موظفين لدى الوزير حتى يحاكمهما". وأعرب عن تشاؤمه تجاه المستقبل القريب "لأن ما فعله الوزير لن يكون كافياً لارضاء التيار المتشدد، بل سيكون تأكيداً لمزاعمهم حول ما يفعله العلمانيون بالثقافة المصرية". وتوقع أبو سعدة أن تتعثر جهود عقد مؤتمر عام للمثقفين المصريين والتي كانت قطعت شوطاً لا بأس به قبل تفجر الأزمة الأخيرة. وقال: "إن وزير الثقافة يجب ألاّ يكون شرطياً للأخلاق، فهذه ليست وظيفته، ولأن هذه الأمة التي تفخر بأن عمر حضارتها سبعة آلاف عام، هي أمة راشدة وضميرها صحيح وذوقها رفيع ولا تحتاج إلى من ينبهها أو يعاملها كطفل"