يبدو أن الشاعر العباسي أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي الذي ولد سنة 140 ه في كورة الاهواز وتوفي حوالي 199 هجرية في بغداد كان ينبغي أن يكون موجوداً بلحمه ودمه في قاهرة المعز كي يفصل بنفسه في قضية ديوانه التي خرجت من قلب الأزمة المتفجرة حالياً بين وزير الثقافة السيد فاروق حسني وبعض معارضيه وعلى رأسهم الأديب جمال الغيطاني لتتحول لغزاً يبحث الكل عن حل لطلاسمه. كان الغيطاني أكد في "الحياة"، أول من أمس، "حرق" اتلاف جزئين من بين اربعة اجزاء لديوان أبو نواس، ضمن الاجراءات التي اتخذها الوزير لتنظيم حركة النشر في الهيئات والجهات التابعة للوزارة، عقب إقالة رئيس هيئة قصور الثقافة الناقد علي أبو شادي بعدما حمله مسؤولية نشر ثلاث روايات ضمن سلسلة "أصوات أدبية" تسببت في طلب إحاطة من نائب "الإخوان المسلمين" في البرلمان الدكتور محمد جمال حشمت اعتبر فيه انها تحوي "خدشاً للحياء وخروجاً على الأخلاق العامة". وكما تحولت أزمة الروايات الثلاث كرة ثلج تنمو يوماً بعد يوم، تحول لغز ديوان أبو نواس إلى قضية بذاتها. فبعدما نفى الرئيس الجديد لهيئة قصور الثقافة السيد محمد غنيم في "الحياة" أمس حرق نسخ الديوان واستغرب "الحديث عن محارق الكتب في عهد الديموقراطية الذي تعيشه مصر حالياً"، مؤكداً أن الهيئة انتهت من طبع الجزئين الأول والثاني، أما الجزءان الباقيان فلا يزالان تحت الطبع، جاء الغيطاني ليصحح ما فُهم من كلامه عن المحرقة وقال "إن الحرق معنوي باعتبار أن الأجزاء الأربعة للديوان طبعت بالفعل وبدلاً من أن تتجه إلى القارئ مع الباعة وفي المكتبات أخذت طريقها إلى المخازن لتعدم في هدوء". وسلم الأديب المصري، الذي استقال أخيراً من رئاسة تحرير سلسلة "الذخائر" التي يفترض أن يصدر عنها الديوان، "الحياة" أمس نسختين من الجزئين الأول والثاني وصورة من غلاف الجزئين الثالث والرابع، وتساءل: "أين ذهبت هذه الأجزاء ولماذا لم يتم الإفراج عنها؟"، مشيراً إلى أنه حصل على عدد من نسخ الجزئين الأولين قبل اسبوعين بعدما انتهى طبعها ووزع بعضها على اصدقاء له "قبل أن تتحفظ الهيئة عليها"، وظهر رقم الإيداع على النسختين مسجلاً بتاريخ العام 2000. وسألت "الحياة" مجدداً غنيم الذي رد على التطور الأخير فقال ان الغيطاني حصل على نسخ الجزئين الأولين وتصميم الغلاف للجزئين الأخيرين من الديوان بحكم منصبه كرئيس تحرير لسلسلة "ذخائر". وأكد غنيم ان الجزئين الأولين من الديوان سيطرحان في معرض القاهرة للكتاب الذي سيبدأ في 24 الجاري "أمام أوسع جمهور وفي أكبر تظاهرة ثقافية في الوطن العربي"، وأضاف: "مثلما كان الزعم بحرق الديوان غير صحيح فإن الادعاء بمصادرته داخل الهيئة غير صحيح ايضاً وسيطالع القراء ديوان أبو نواس في المعرض". ويبدو أن معرض الكتاب الذي قدّر له أن يكون فاصلاً في معركة أبو نواس تجمعت حبال عدة محاولة خنقه، على خلفية أزمة الروايات الثلاث، بدءاً بتحدي ظهور أبو نواس في المعرض، إلى إعلان مثقفين بارزين مقاطعته والقيام بنشاط موازٍ له، وهو اختبار قاس لواحدة من أهم التظاهرات الثقافية المصرية والعربية في العقود الأخيرة.