} صحيح ان طرق المراجعة المباشرة أو غير المباشرة ضد الاحكام التحكيمية مضرة بفعالية التحكيم طالما كان هناك تعسف في استعمال طرق المراجعة هذه، لهذا فإن نظاماً لطرق المراجعة محدد وواضح وضيق على قدر الامكان، يساهم في استقرار التحكيم وتدعيمه والاطمئنان اليه. من هنا فإن الاتجاه يصبح أكيداً أكثر نحو تنفيذ الاحكام التحكيمية طوعاً من أطراف النزاع، حين يدركون ان طرق المراجعة المتاحة لهم لا مكان فيها للمناورات التي ترمي الى المماطلة والتسويف ليس الا. قبل ان نتعرض لطرق المراجعة ضد الحكم التحكيمي الدولي في القوانين الحديثة وفي اتفاقات التحكيم الدولية والاقليمية لا بد من الاشارة الى ان طلب الابطال المستند لسبب من الأسباب التي تنص عليها القوانين الحديثة والاتفاقات التحكيمية الدولية، لا يقبل الا اذا توافرت فيه ثلاثة شروط وهي: 1- ان يكون طالب ابطال الحكم التحكيمي اثار سبب الابطال سابقاً امام المحكمة التحكيمية قبل اثارته امام المحكمة القضائية كسبب للبطلان. 2- ان يكون موضوع الطعن الحق ضرراً بطالب الطعن. 3- ان يقدم الطلب ضمن المهلة. الطعن أمام المحكمة التحكيمية حتى يكون طلب المراجعة ضد الحكم التحكيمي مقبولاً أمام القضاء يجب أن يكون موضوع الطعن اثير سابقاً امام المحكمة التحكيمية. على سبيل المثال، اذا قدم الطعن بالحكم التحكيمي لعدم الاختصاص ولم يكن الطرف طالب الطعن اعترض امام المحكمة التحكيمية على اختصاصها فإن طلبه لا يكون مقبولاً هذا المبدأ كرسه الاجتهادان الفرنسي والسويسري اللذان اعتبرا ان الذي يسكت عن مخالفة امام المحكمين ثم حين يصدر الحكم ويخسره يعود فيثيرها، لا يكون ملتزماً مقتضيات حسن النية في اجراءات المحاكمة. وكذلك في القانون المقارن، فقواعد تحكيم اليونسترال تنص على أن "الطرف الذي يعلم ان حكماً من أحكام هذه القواعد أو شرطاً من شروطها تمت مخالفتها ويستمر مع ذلك في التحكيم من دون أن يبادر الى الاعتراض على هذه المخالفة يعتبر انه تنازل عن حقه في الاعتراض". الا ان المخالفة التي لا تظهر الا بعد صدور الحكم التحكيمي، لا ينطبق عليها هذا المبدأ. على سبيل المثال اذا اكتشف طرف بعد صدور الحكم التحكيمي ان مستنداً اساسياً لم يبلغ اليه ولا علم بشأنه فإن طعنه يكون بطبيعة الحال مقبولاً ولو لم يثر ذلك خلال المحاكمة التحكيمية لأنه كان من المستحيل عليه اثارة هذه المخالفة أثناء التحكيم لجهله التام بها. ضرر الطعن يميل الاجتهاد الدولي وكذلك الفقه الى اشتراط ان يكون موضوع الطعن ألحق ضرراً وظلماً بالطرف طالب الطعن. وعلى سبيل المثال اذا اغفل المحكم ابلاغ الطرف طالب الطعن مستنداً قدمه الطرف الآخر، فذلك يشكل مخالفة مهمة لقاعدة وجاهية المحاكمة تبرر ابطال الحكم التحكيمي. ولكن الأمر يتوقف على أهمية هذا المستند وأثره في وضع طالب الطعن، فإذا كان مجرد مستند لم يكن له أي أثر في حسم النزاع فإن هذه المخالفة لقاعدة أساسية من قواعد المحاكمة التحكيمية وللنظام العام، لا تكون سبباً لابطال الحكم إلا إذا اثبت الطرف طالب الحكم ان هذا المستند له دور مهم في حسم النزاع لمصلحته لو تسنى له تبلغه. والهدف من هذا الاتجاه في الاجتهاد هو تضييق طريق ابطال الاحكام التحكيمية بحيث لا تبطل الا إذا سببت ضرراً وليس لمجرد انها ارتكبت مخالفة كبيرة أو صغيرة ولو كانت المخالفة الكبيرة متعلقة بالنظام العام. مهل المراجعة هناك اتجاهان في مهل المراجعة، احدهما يترك للطرف الخاسر تقديم دعوى ابطال الحكم التحكيمي في أي وقت يشاء، والثاني يربط تقديم هذه الدعوى بمهلة من أجل تأمين الاستقرار في المعاملات. وفي هذا الاتجاه ذهب القانون النموذجي للتحكيم الذي وضع مهلة 30 يوماً لتقديم دعوى ابطال الحكم التحكيمي بعد تاريخ ابلاغ هذا الحكم التحكيمي. والقانون الانكليزي حدد المهلة ب21 يوماً، والقانون السويسري ب30 يوماً، والقانون النمساوي بثلاثة أشهر، وقانون البحرين ب30 يوماً، والقانون المصري ب90 يوماً. أسباب الابطال في قوانين التحكيم الحديثة واتفاقية نيويورك لتنفيذ الاحكام التحكيمية كما وفي القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي وضعته اليونسترال هناك ستة أسباب محددة على وجه الحصر للمراجعة ضد الحكم التحكيمي الدولي وهي: 1- العقد التحكيمي غير صحيح. 2- ارتكاب مخالفة في تشكيل المحكمة التحكيمية. 3- حسم المحكم للنزاع بما لا يطابق المهمة الموكولة اليه. 4- المساس بحق الدفاع وبقاعدة وجاهية المحاكمة. 5- مخالفة النظام العام. 6- عدم قابلية النزاع للتحكيم. وسنعرض لكل سبب من أسباب الابطال هذه باستثناء الأخير منها. صحة العقد التحكيمي القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي اجاز الغاء قرار التحكيم اذا قدم طالب الالغاء دليلاً يثبت "ان أحد طرفي اتفاق التحكيم المشار اليه في المادة 7 مصاب بأحد عوارض الأهلية أو ان الاتفاق المذكور غير صحيح بموجب القانون الذي اخضع الطرفان الاتفاق له، أو بموجب قانون هذه الدولة في حال عدم وجود ما يدل على انهما فعلاً ذلك...". وعلى هذا المعنى نصت اتفاقية نيويورك لتنفيذ الاحكام التحكيمية الأجنبية. وفي هذا الاتجاه ذهبت أغلب قوانين التحكيم الحديثة. وأول ما يطرحه هذا السبب من أسباب الابطال هو اختصاص المحكمين للنظر باختصاصهم، لأنه اذا كان الشرط التحكيمي الوارد في عقد موضع نزاع، وموضع طعن، فالشرط التحكيمي يصبح أيضاً موضع طعن وبالتالي فإن اختصاص المحكمين يصبح موضوعاً للنزاع. هذا الموضوع حسم في أكثر القوانين الحديثة التي تبنت نظرية استقلالية الشرط التحكيمي، وبالتالي يبقى الشرط التحكيمي عقداً داخل العقد مستقلاً عنه وعن الطعون الموجهة له ويصبح للمحكمين اختصاص للنظر بالطعن الموجه الى العقد ولا يعود العقد التحكيمي أي الشرط التحكيمي مشمولاً بالنزاع بل محصناً. ولكن قد يوجه الطعن الى الشرط التحكيمي ذاته، في هذه الحال لا تستطيع نظرية استقلالية الشرط التحكيمي انقاذ اختصاص المحكمين الا إذا نص القانون على أن للمحكمين اختصاص النظر باختصاصهم او اشار اليها سلطان الارادة، وفي هذه الحال يصبح بالامكان الاعتماد على نظرية "الاختصاص للنظر بالاختصاص" فإذا كان الشرط التحكيمي موضع طعن فإنه يبقى محصناً لناحية اختصاص المحكمين للنظر بهذا الطعن. عدم وجود عقد تحكيمي نادراً ما يطرح طعن يستند "لعدم وجود عقد تحكيمي"... ان يكون أو لا يكون العقد التحكيمي ليست هي مشكلة عدم وجود العقد التحكيمي. ولكن أمر وجود العقد التحكيمي يطرح عند توقيع العقد من شخص ليس له أهلية التوقيع وكذلك عند تحديد العقد أو ابرام مصالحة مكملة له أو ادخال تعديل على مادة منه أو حلول جهة محل احد طرفي العقد بالتوافق. او ان يشترط عرض النزاع اولاً على المهندس ليتخذ قراراً يعرض بعد ذلك على التحكيم... في هذه الحالات هل يعتبر ان الشرط التحكيمي ما يزال سارياً؟ الطرف الذي لا تعود له مصلحة في التحكيم سيدلي بأن العقد التحكيمي لم يعد له وجود لأن العقد الأصلي لم يوقع من شخص له الأهلية أو لأن الذي حل محل أحد طرفي العقد ليس ملزماً بالشرط التحكيمي. لا يمكن اعطاء جواب بالمطلق، ولكن الأكيد ان المحكمة القضائية عند رقابتها على الحكم التحكيمي المطعون به لأن "لا وجود لعقد تحكيمي" يقوم عليه، وهو أمر يفترض ان الجهة التي تطعن الآن بالحكم سبق أن أثارته أمام المحكمين والا فانها لا تملك حق اثارة هذه النقطة للمرة الأولى امام المحكمة القضائية، والمفروض ان المحكمين الذين يملكون سلطة النظر باختصاصهم قرروا انهم مختصون والا لما أصدروا حكمهم ولكانوا اعتبروا أنفسهم غير مختصين "لعدم وجود عقد تحكيمي". الطعن يكون اذاً موجهاً ضد قرار المحكمين باعتبار أنفسهم مختصين، وهو اختصاص ينوه على "وجود عقد تحكيمي". والمحكمة القضائية تراقب كيف توصل الحكم التحكيمي الى التأكد من وجود عقد تحكيمي، والأساس الذي يعتمد في هذا الشأن هو دائماً النية الحقيقية للطرفين والتي تظهر من ظروف التنازل عن العقد أو تعديله أو اجراء مصالحة بشأنه الخ... هل يتبين من هذه الظروف ان نية الطرفين كانت منصرفة الى التمسك بالشرط التحكيمي، أم لا؟ تلك هي المسألة عند رقابة القضاء على الحكم التحكيمي المطعون به لسبب "عدم وجود عقد تحكيمي" يحيل النزاع الى التحكيم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن موضوع وجود أو عدم وجود العقد التحكيمي يمكن أن يطرح من زاوية القانون المطبق على العقد أو على الشرط التحكيمي، فابرام العقد لا سيما بعض العقود المحددة يتطلب شروطاً شكلية لانعقاده! وأمر وجود أو عدم وجود العقد التحكيمي أو الشرط التحكيمي يصبح أمر القانون المطبق على هذا الشرط التحكيمي، فهو الذي يحدد ما إذا كان العقد استوفى شروط انعقاده أم لا. والمحكمون من أجل ذلك يجب أن يحددوا القانون المطبق ليس على العقد، بل على الشرط التحكيمي، لأنه يحصل احياناً ان يكون القانون المطبق على العقد، هو غير القانون المطبق على الشرط التحكيمي. فإذا كانت نية الطرفين واضحة كان به، والا فإن المحكمين يجب أن يعودوا الى النظام المطبق على التحكيم، فإذا أحال هذا النظام الى قانون محدد يطبق هذا القانون، وكثيراً ما يجد المحكمون انفسهم امام حالة تنازع قوانين والنظام المطبق هو الذي يحدد لهم الطريقة التي يجدون بها قاعدة لحل تنازع القوانين. ففي دعوى تحكيمية بين التلفزيون المصري والتلفزيون الأميركي عرضت على مركز تحكيم القاهرة، راجع التلفزيون الأميركي القضاء المصري لابطال اجراءات التحكيم وكان النزاع يدور حول القانون المطبق، ورجع المحكمون الى قواعد تحكيم اليونسترال المطبقة في مركز تحكيم القاهرة وجدوا انها تعطيهم حرية ايجاد قاعدة تنازع القوانين واعتمدوا مؤشرات عدة للتوصل الى اعتماد قاعدة لتنازع القوانين، وطبقوها على الشرط التحكيمي، ووجدوا انها تعتبر القانون المصري مطبقاً لأنها ترجح قانون مكان توقيع العقد، وكان العقد ابرم في القاهرة، فطبق القانون المصري ووجد المحكمون على ضوئه ان الشرط التحكيمي له وجوده الصحيح الملزم بإحالة النزاع الى التحكيم. عقد باطل وقد يثار الطعن الموجه ضد الحكم التحكيمي ليس على أساس عدم وجود عقد أو شرط تحكيمي بل على أساس ان الشرط التحكيمي موجود ولكنه باطل. ويطرح بطلان الشرط التحكيمي من زاوية عدم قابلية النزاع للتحكيم أو من خلال عيب من عيوب الرضى في الشرط التحكيمي كما لو اثير الغلط في المركز التحكيمي مثلاً الذي يُحال اليه الشرط التحكيمي، أو اثير الاكراه، وكذلك يطرح بطلان الشرط التحكيمي إذا كان أحد موقعيه فاقداً الأهلية أو غير متمتع بالأهلية اللازمة لتوقيع عقد تحكيمي أو عقد يتضمن شرطاً تحكيمياً. والمفروض حتى تنظر المحكمة القضائية بالمراجعة ان يكون الطرف الذي يثير بطلان العقد التحكيمي قد سبقت له اثارته امام المحكمين واعتبر المحكمون في حكمهم ان الشرط التحكيمي صحيح. اذ ذاك تأتي المحكمة القضائية لبحث قرار المحكمين الذي اعتبر الشرط التحكيمي صحيحاً وليس باطلاً... انتهاء مدة العقد العقد التحكيمي قد يحدد بنفسه مهلة التحكيم... وهذا نادراً ما يحصل. وقد حصل في عقد تحكيمي حدد للمحكمين مهلة عشرة أيام لاصدار حكمهم بعد تسمية المحكم الثالث. واصدر المحكمون حكمهم بعد فترة وجيزة ولكنها تجاوزت الأيام العشرة، فابطلت محكمة استئناف باريس الحكم التحكيمي لأنه قام على شرط تحكيمي انتهت مدته. ولكن تحديد المهلة في العقد التحكيمي يحصل نادراً. الذي يحصل عادة هو احالة الى نظام تحكيمي أو الى قانون تحكيمي يتضمنان مهلاً لانهاء التحكيم واصدار الحكم التحكيمي. بالطبع الحكم التحكيمي الذي يصدر بعد انتهاء المهلة المحددة في النظام أو القانون يكون باطلاً. ولكن المهل التعاقدية المحددة في أنظمة التحكيم أو المحددة في قوانين التحكيم تقبل التمديد، فإذا راجع المحكمون أو أطراف النزاع المركز التحكيمي إذا كان التحكيم تابعاً له، أو المحكمة القضائية اذا كان التحكيم تحكيم حالات خاصة، ومدد المركز التحكيمي أو المحكمة القضائية المهلة وصدر الحكم التحكيمي خلال المدة الممددة فلا يعتبر صادراً خارج المهلة ولا مدة العقد التحكيمي منتهية. وبالتالي فالحكم التحكيمي الصادر في مثل هذا الوضع ليس معرضاً للابطال. المخالفة في تشكيل المحكمة القانون النموذجي للتحكيم، وكل الدول التي تبنته وكذلك اتفاقية نيويورك لتنفيذ الاحكام التحكيمية كلها اعتمدت النص نفسه حول سبب ابطال الحكم التحكيمي لمخالفة في تشكيل المحكمة التحكيمية فنص على جواز الابطال اذا قدم الطرف طالب الالغاء دليلاً يثبت ذلك. والقاعدة الأساسية التي تكرسها كل القوانين المدنية هي احترام ارادة الطرفين بحيث ان تشكيل المحكمة التحكيمية يجب أن يتم وفقاً لما نصت عليه ارادة الطرفين في الشرط التحكيمي أو في العقد التحكيمي. وارادة الطرفين لا تحدد شروطاً لتشكيل المحكمة التحكيمية عادة بل هي تُحال اما لنظام تحكيمي أو لقانون تحكيمي. ويصبح اذا ذاك هذا النظام أو هذا القانون هو ارادة الطرفين ومخالفته في تشكيل المحكمة التحكيمية مخالفة لارادة الطرفين. فإذا احال الشرط التحكيمي الى نظام أو قانون يشترط في المحكم ان تتوافر فيه أهلية التصرف مثلاً أو تشترط فيه ان يكون حقوقياً، فإن تعيين المحكم يجب أن يحترم هذا الشرط والا ابطل الحكم التحكيمي. وإذا كان التحكيم يجري في بلد وكانت القواعد الالزامية والنظام العام لهذا البلد، تشترط في المحكم شروطاً كما يشترط القانون السعودي ان يكون المحكم مسلماً وذكراً، وجرى تحكيم دولي في السعودية، وعين امرأة محكماً أو رجلاً غير مسلم محكماً، فإن هذا الحكم معرض للابطال في مكان التحكيم، وبالتالي فإن تنفيذه خارج بلد التحكيم يصبح متعذراً عملاً باتفاقية نيويورك. وإذا كان النظام التحكيمي الذي يُحال اليه الشرط التحكيمي ينص على اجراءات في تشكيل المحكمة، فإن هذه الاجراءات الزامية وقد قدم طلب ابطال حكم تحكيمي في فرنسا في دعوى بين شركة فنادق انتركونتيننتال وشركة اسطمبول توريسم وطبق على هذا النزاع نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية وصدر الحكم موقعاً من رئيس المحكمة التحكيمية فيما امتنع المحكمان عن توقيعه. واستند طلب الابطال الى مخالفة في تشكيل المحكمة التحكيمية لأن اكثرية المحكمين امتنعت عن توقيع الحكم التحكيمي، ولكن محكمة استئناف باريس ردت طلب الابطال مستندة الى المادة 19 من نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية الذي ينص على انه إذا لم تتوافر الأكثرية يعتبر الحكم صحيحاً بتوقيع رئيس المحكمة التحكيمية عليه. وتشترط المحاكم القضائية عند نظرها في طلب الابطال للمخالفة في تشكيل المحكمة التحكيمية، ان يكون طالب الابطال اثار اعتراضه عند تشكيل المحكمة التحكيمية، واثار المخالفة امام المحكمين أو امام المركز التحكيمي اذا كان التحكيم تابعاً لمركز تحكيمي. عدم التقيد بمهمة المحكمين اتفاقية نيويورك والقانون النموذجي للتحكيم، فصلا سبب ابطال الحكم التحكيمي بقولهما انه يجوز للمحكمة القضائية ان تلغي قرار التحكيم اذا قدم الطرف طالب التحكيم دليلاً يثبت "ان قرار التحكيم يتناول نزاعاً لا يقصده ولا يشمله اتفاق العرض على التحكيم، او انه يشتمل على قرارات في مسائل خارجة عن نطاق هذا الاتفاق، على انه، اذا كان من الممكن فصل القرارات المتعلقة بالمسائل المعروضة على التحكيم عن القرارات غير المعروضة على التحكيم، فلا يجوز ان يلغى من قرار التحكيم سوى الجزء الذي يشتمل على القرارات المتعلقة بالمسائل غير المشمولة بالاتفاق على التحكيم...". عدم تقيد المحكم بالاتفاق التحكيمي يتخذ عدة وجوه: 1- تجاوز المهمة الواردة في العقد التحكيمي. 2- عدم حسم كل النقاط الواردة في المهمة. 3- عدم التقيد بالقانون المطبق أو تشويه تطبيقه. 4- عدم التقيد بالاجراءات المنصوص عنها في العقد التحكيمي أو في وثيقة التحكيم. وجاهية المحاكمة وحق الدفاع من اسباب ابطال الحكم التحكيمي في اتفاقية نيويورك اذا قدم طالب الالغاء دليلاً يثبت ان الطرف طالب الالغاء لم يبلغ على وجه صحيح باجراءات التحكيم او انه لم يستطع لسبب آخر ان يعرض قضيته. وجاهية المحاكمة هي المبدأ الذي يتضمن حق كل طرف في ان يوضح كل ما هو ضروري لنجاح طلبه او دفاعه كما يستلزم ان كل ما يقوم به احد الطرفين من مسعى او مستندات او اثبات يجب ان يبلغ للطرف الثاني وان يناقش بحرية في جلسة المحاكمة. فالوجاهية تعني اذاً ان الطرف الآخر يجب ان يتبلغ كل مسعى او مستند او اثبات يقدمه طرف الى المحكمة والحكم الذي يصدر، وإذا اغفل ذلك، يكون معرضاً للابطال. ولكن قاعدة الوجاهية تعني في الوقت نفسه تأمين حق الدفاع، وقاعدة المساواة بين الطرفين، طالما ان القاعدة الاساسية في التحكيم، ان من حق كل من الطرفين الحصول على دعوى عادلة، ولا تكون الدعوى عادلة الا اذا امنت المحكمة التحكيمية المساواة التامة في المعاملة بين الطرفين واعطت لكل منهما كل الامكانات ليستطيع ان يعرض قضيته بحرية تامة. وهذه القواعد التي تندرج كلها تحت اسم وجاهية المحاكم هي من النظام العام الدولي، ولم تدرج في بعض القوانين الحديثة مخالفة الوجاهية كسبب لابطال الحكم لان الاتجاه الفقهي والاجتهاد يميلان في كثير من البلدان الى اعتبار الوجاهية من صميم النظام العام في اجراءات المحاكمة. وقد وصفت محكمة النقض الفرنسية قاعدة "الوجاهية" بأنها المبدأ "الاعلى" الذي لا غنى عنه لسير المحاكمة التحكيمية وتأمين دعوى عادلة. وقد طرح موضوع المساواة بين اطراف النزاع في دعوى بين مدعٍ ومدعى عليهما اثنين، فعين المدعي محكماً عنه وجاء دور المدعى عليهما، واراد كل منهما ان يعين محكماً عنه لتناقض المصالح بينهما. ولم يقبل معهما مركز التحكيم الاوروبي بذلك بل ألزمهما بتعيين محكم واحد عنهما، فلما صدر الحكم التحكيمي قدم المدعى عليهما طلب ابطال الحكم الذي لم يراع المساواة بين الطرفين، فردت محكمة استئناف باريس طلبهما معتبرة ان "تعيين محكم واحد من الشركتين المدعى عليهما، ليس من شأنه الاخلال بنظام دفاعهما، لأن المحكم بعد تسميته لا يعود مرتبطاً... بل يصبح قاضياً مستقلاً عن الاطراف وحياده هو الضمانة لمساواة الاطراف ولسير الدعوى". وهذا الحكم موضع نقد شديد لانه نظري اكثر من اللزوم، والمحكم المسمى من الاطراف يجب ان يكون حيادياً ومستقلاً، ولكن عواطفه غير الظاهرة تبقى دفينة. والطرفان لم يكونا متساويين هنا الا نظرياً. وخرق وجاهية المحاكمة يكون حين يقدم طرف مستنداً الى المحكم فيترجمه هذا الاخير ويسند حكمه اليه، دون ان يطلع الطرف الآخر عليه، وهو حكم تحكيمي اصدره محكم في دعوى بين شركة فرنسية والدولة الليبية وقدم طعن به لمخالفة قاعدة الوجاهية وحق الدفاع. اما قبول المحكمة التحكيمية بشاهد قدم شهادته في آخر وقت، من دون ان يتقرر قبل ذلك سماع شهادته، فليس في الامر اخلال بقاعدة المساواة بين الطرفين. وهكذا حكمت محكمة استئناف باريس وردت طلب ابطال الحكم التحكيمي المقدم اليها. في محاكمة تحكيمية قررت المحكمة فجأة استجواب الطرفين، وعلى ضوء استجوابهما كوّنت قناعتها وحكمت، فطلب الطرف الخاسر ابطال الحكم لمخالفة قاعدة المساواة بين الطرفين، باعتبار ان جلسة الاستجواب تقررت فجأة، ولم تتح لهذا الطرف ان يعد نفسه لها فيما كان الطرف الثاني جاهزاً ومستعداً… وردت محكمة الاستئناف طلب الابطال لأن الطرف طالب الابطال لم يبد اي اعتراض في حينه على قرار المحكمة باجراء الاستجواب المفاجئ. وحول المساس بحق الدفاع، طلب فريق في نزاع تحكيمي من المحكمة تعيين خبير فردّت المحكمة طلبه ولما اصدرت المحكمة التحكيمية حكمها طلب ابطاله على اساس ان عدم الاستجابة الى طلب تعيين خبير فيه اخلال بحق الدفاع. وردت محكمة استئناف باريس طلب الابطال بقولها: "ان رفض المحكمة التحكيمية الاستجابة لطلب احد الطرفين لا يشكل مساساً بحق الدفاع". تبقى نقطة مهمة في تطبيق قاعدة الوجاهية وحق الدفاع، وهي ان تجد المحكمة ان نقطة قانونية يمكن ان تحسم النزاع ولم يثرها اي من الطرفين، كأن تجد ان نظرية "الفضول" التي تنص عليها القوانين المدنية تطبّق على الحالة المعروضة امامها، ولم يأت اي من الطرفين على ذكر هذه النظرية، بل حصرا دفاعهما عن موقف كل منهما بعيدين كل البعد عن نظرية الفضول! فهل يحق للمحكمة ان تصدر حكمها وتحسم النزاع على اساس اثارتها عفواً لنظيرية الفضول الواردة في القانون المطبّق. اذا صدر حكم تحكيمي كهذا فانه يكون قد نقض قاعدة الوجاهية ويكون قابلاً للابطال! ولتجنب ذلك يجب على المحكمين ان يدعوا الاطراف لمناقشة مدى انطباق نظرية الفضول على واقع حال الدعوى اذ ذاك يمكن للمحكم ان يستند الى هذه النظرية في حسمه للنزاع. ولكن المحكمين ليسوا ملزمين بأن يردوا على كل نقطة من النقاط التي اثارها كلا الطرفين في الدعوى من خلال مذكراتهما واقوالهما ومرافعاتهما، لان ذلك ليس الزاماً بقاعدة المساواة والوجاهية، ويمكن القول ان قاعدة الوجاهية تستند الى اسس ثلاثة: 1 - ان تكون المحكمة التحكيمية وفّرت للطرفين كل الاسباب التي تمكن كلاً منهما من عرض قضيته او دفاعه وحججه واثباتاته، وحتى ولو تخلف هذا الطرف عن ذلك، لان التخلف لا يعني سقوط قاعدة الوجاهية. وهكذا قررت محكمة استئناف باريس في طلب ابطال حكم تحكيمي انه "طالما ان الطرف المتخلف قد ابلغ اصولاً بالدعوى وابلغ كل اجراءاتها وفقاً للنظام التحكيمي الذي اختاره الطرفان، فان الحكم التحكيمي الصادر ضده الطرف المتخلف لا يمكن الطعن به على اساس الوجاهية. 2 - لا تتوافر للطرفين الاسباب التي تمكن كلاً منهما من عرض قضيته او دفاعه وحججه واثباتاته الا اذا اعطى مهلاً كافية معقولة لذلك، والمحاكم القضائية تتشدد في الرقابة على ذلك، لان الترجمة الفعلية لحق الدفاع تكون في المهل الكافية والمعقولة لكل من الطرفين لاعداد دفاعه او قضيته وحججه واثباتاته والمهم ان تكون المهل معقولة. 3 - ان الطرف الذي يحرم من ممارسة حق الدفاع يشترط به حتى يستطيع ان يدلي بهذا السبب لطلب ابطال الحكم التحكيمي الصادر ضده، ان يكون اعترض على الاجراء الذي حرمه من حق الدفاع، في وقت حصول هذا الاجراء أو في وقت علمه بهذا الاجراء، والا حرم من حق الطعن بالحكم بداعي حرمانه من حق الدفاع. والملاحظ ان حرمان طرف من حق الدفاع، يفضي الى ابطال الحكم التحكيمي حتى ولو لم يلحق هذا الحرمان او هذا الاجراء اي اذى بالطرف الذي حرم من حقه بالدفاع عن قضيته. الحكم المخالف للنظام العام نصت معاهدة نيويورك على انه يحق للمحكمة القضائية ابطال الحكم التحكيمي اذا وجدت ان قرار التحكيم هذا يتعارض مع السياسة العامة لهذه الدولة، ويقول الدكتور عبدالرزاق السنهوري في شرح مفهوم النظام العام: "المسألة لا يجدي فيها نص تشريعي، وهي من اكثر المسائل القانونية تعقيداً. فنحن نريد ان نعرف ما اذا كانت قاعدة قانونية معينة تتعلق بنظام المجتمع الأعلى، حتى يخضع لها الجميع ولا يجوز لأحد ان يخالفها، أو هي قاعدة اختيارية، لا يهم المجتمع ان يأخذ بها كل الناس، وكل شخص حر في اتباعها أو تعديلها كما يشاء. وما هو هذا النظام الأعلى للمجتمع الذي يتحتم على كل عضو عدم الخروج عليه؟ يوجد من دون شك من القواعد القانونية ما يحقق مصلحة عامة تمس النظام الأعلى للمجتمع. وهذه المصلحة اما ان تكون سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو خلقية. والمصلحة الخلقية هي التي تقوم عليها الآداب العامة، ومن ذلك نرى ان دائرة النظام العام واسعة فهي تشمل الآداب. فمثل المصلحة السياسية ما تقوم عليه روابط القانون العام من دستورية وادارية ومالية، فإن أكثر روابط هذا القانون تعتبر من النظام العام. كذلك المصلحة الاجتماعية وما تقوم عليه قواعد القانون الجنائي، ومن هذه القواعد ايضاً ما يحقق مصلحة عامة خلقية. وهناك من روابط القانون الخاص ما يحقق مصلحة عامة اجتماعية كما في كثير من القواعد القانونية المتعلقة بالعمل، أو مصلحة عامة اقتصادية كما في القواعد التي تجعل التنافس حراً مفتوحاً بابه للجميع. ونرى من ذلك ان النظام العام والآداب هما الباب الذي تدخل منه العوامل الاجتماعية والاقتصادية والخلقية، فتؤثر في القانون وروابطه، وتجعله يتماشى مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والخلقية. وتتسع دائرة النظام العام والآداب أو تضيق تبعاً لهذه التطورات، وطريقة فهم الناس لنظم عصرهم، وما توافقوا عليه من آداب، وتبعاً لتقدم العلوم الاجتماعية. كل هذا يترك للقاضي يفسره التفسير الملائم لروح عصره، فالقاضي يكاد إذاً ان يكون مشرعاً في هذه الدائرة المرنة. بل هو مشرع يتقيد بآداب عصره ونظم أمته الاساسية ومصالحها العامة. وموضوع النظام العام أصبح يطرح من زاوية التحكيم الداخلي المختلف عن التحكيم الدولي، فالتحكيم الداخلي يتعلق بالتجارة الداخلية والتحكيم الدولي يتجاوز حدود الدول وتتعدد فيه الجنسيات والبلدان ويضع في الميزان مصالح التجارة الدولية! فهل يمكن القول ان النظام العام الداخلي هو الذي يحاسب التحكيم الدولي أو بالعكس ام ان هذا النظام العام الدولي يحاسب الحكم التحكيمي الدولي والنظام العام الداخلي يحاسب الحكم التحكيمي الداخلي؟ هذا الموقف معقول ولكنه شديد التعقيد، لأن مفهوم النظام العام الدولي لا يزال مو ضوع جدل، وخطا القانون الفرنسي للتحكيم الخطوة الأولى على هذا الدرب، اذ فرق بين النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي. وبقي على الفقه والاجتهاد ان يتوسع بالموضوع، وان كانت النصوص القانونية ولا سيما القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي وكذلك اتفاقية نيويورك، لم تفرق بين الداخلي والدولي، لكن ذلك لا يمنع ان خصائص النظام العام الدولي هي غير خصائص النظام العام الداخلي. مع الاخذ في الاعتبار انه ما هو من النظام العام الداخلي ليس هو حتماً من النظام العام الدولي! ولنحاول تفهم النظام العام الداخلي وما يختلف به عن النظام العام الدولي. النظام العام الداخلي فلنأخذ مثلاً نزاعاً يتعلق بتوزيع أرباح كازينو ألعاب، فإذا احيل هذا النزاع على التحكيم وصدر بنتيجته حكم تحكيمي، في بعض الدول يعتبر موضوع هذا العقد عملية تجارية عادية ومحضة، ويعطى الحكم التحكيمي صيغة التنفيذ من دون أي مشكلة. ولكن الميسر والقمار في كثير من دول العالم مخالف للآداب العامة، ومحرم وممنوع. فالحكم التحكيمي الذي يبت بموضوع توزيع أرباح القمار مخالف للنظام العام في الدول الاسلامية، ولكنه غير مخالف للنظام العام في الدول الغربية، من هذه الزاوية يمكن القول ان الميسر هو من النظام العام الداخلي وليس من النظام الدولي. ويمكن اعطاء المثل نفسه عن عقد بيع خمر فهذا العقد هو في فرنسا عقد تجاري عادي، واي حكم تحكيمي يصدر بنزاع حوله يمر بصيعة التنفيذ من دون أي عناء. اما في بلد اسلامي فموضوع العقد مخالف للنظام العام الداخلي واي حكم تحكيمي يحسم نزاعاً بصدد هذا العقد لا يعطى صيغة التنفيذ. وفي هذا المعنى فإن قانون المنافسة وحق المنافسة وحرية المنافسة هو من النظام العام الاميركي، لهذا فإن المحاكم الاميركية تراقب الاحكام التحكيمية في موضوع المنافسة لمعرفة مدى انطباقها على النظام العام الداخلي الاميركي، وتشرح المحكمة القضائية الاميركية الأمر بقولها: "... ان نقض وتضييق والمساس بحرية المنافسة وقانون المنافسة يمس مئات الألوف من الناس، بل ملايين المواطنين، ويفضي الى خسائر اقتصادية هائلة. ليس من المعقول ان نفترض ان الكونغرس يسمح للحظة واحدة ان تحال المنازعات المتصلة بهذا الموضوع لغير المحاكم القضائية حصراً". النظام العام الدولي اذا كان النظام العام الداخلي مرتبطاً بالمصلحة العليا الاجتماعية والاقتصادية والخلقية، لمجتمع ودولة ما، فإن النظام العام الدولي هو المصلحة العليا الاجتماعية والاقتصادية والخلقية للمجتمع الدولي. فرشوة المحكمين هي من النظام العام الدولي، وشراء ضمير الشاهد ليعطي شهادة زور، تتعلق بالنظام العام الدولي، وبيع المخدرات من النظام العام الدولي. فما يتطلبه النظام العام الداخلي لكل بلد ولكل مجتمع هو نسبي، ويختلف من بلد الى آخر. اما النظام العام الدولي فهو مشترك بين كل دول العالم. ومن هنا فإن هناك نظامين عامين، النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي. والحكم التحكيمي الدولي يبطل إذا خالف النظام العام الدولي ولا يبطل حتماً اذا خالف النظام العام الداخلي. اما الحكم التحكيمي الداخلي فيبطله النظام العام الداخلي ولا حاجة لادخال النظام العام الدولي في الموضوع لأن ما يتضمنه النظام العام الداخلي لا شأن له بأحكام النظام العام الدولي. فالنظام العام الدولي نظرته شاملة واحكامه عامة تشمل العالم بأسره. فالبغاء وتجارة المخدرات وتجارة الرقيق والرشوة واستغلال النفوذ من النظام العام الدولي. والعقد الذي ظاهره عمولة وباطنه رشوة واستغلال نفوذ هو مخالف للنظام العام الدولي. وليس الأمر كذلك في عقد احتكار مخالف لحرية المنافسة الذي يعتبره القانون الاميركي من النظام العام الداخلي الاميركي، وهو ليس من النظام العام الدولي لأن احكام حرية المنافسة ليست من النظام العام في كل دول العالم. ويعتبر الغش في التحكيم بتقديم مستندات مزورة للمحكمين مخالفاً للنظام العام الدولي وبالتالي فإن الحكم المستند الى هذه المستندات هو باطل لمخالفته النظام العام الدولي، وهكذا اكتشاف تزوير هذه المستندات بعد صدور الحكم. * محام - دكتور في الحقوق.