في إطار التطور التكنولوجي المتسارع، اعتدنا التعرف يومياً الى "شيء ما جديد"، ومن العبارات التي تتردد أخيراً على مسامعنا "حزمة التدفق العالي" Broadband، فما هي؟ هي اسم يطلق على انظمة اعدت لنقل كمية هائلة من المعلومات الالكترونية بسرعة كبيرة جداً، عبر اعتماد سلك تكنولوجي متطور او تردد الراديو او نظام الاقمار الاصطناعية. وتجدر الاشارة الى ان هذه التكنولوجيا ليست جديدة تماماً. ففي عام 1996 نظمت دورة صيفية كان عنوانها "اتصالات حزمة التدفق العالي المتطورة" شاركت فيها خمس مؤسسات تكنولوجية اوروبية. ومع "حزمة التدفق العالي" ثمة ثورة جديدة في عالم الاتصالات تطاول نواحي مختلفة، منها التكنولوجية البحتة والخدمات ، ومنها الاقتصادية عبر الاتفاقات التي اقامتها شركات الانترنت مع شركات البث التلفزيوني، او مع الشركات المنتجة للهواتف النقالة. ولقد بدأت تظهر أخيراً آثار "حزمة التدفق العالي" في الولاياتالمتحدة الاميركية وفي بعض الدول الاوروبية، وفي بريطانيا في شكل خاص. وستغير هذه الثورة الجديدة طرق استخدام الانترنت والتفزيون، ففي الانترنت لن تكون ثمة حاجة الى الانتظار عند تشغيله او إقفاله، بل ان مدة الاسقاط ستكون قصيرة جداً، ما يعني ان مجموعة كبيرة من الخدمات ستؤمن: كمتابعة أفلام على الانترنت او ألعاب جديدة، مع معلومات محلية لكل مشترك في اي بلد كان عن زحمة السير وتقارير عن الاحوال الجوية، وستصير خدمة ارسال رسائل الفيديو الالكترونية سهلة وقليلة التكاليف. كما سترتبط الثورة بعالم التسلية عبر استخدام التلفاز، وستعرف الاتصالات عبر الهاتف تطورات كثيرة. والحديث عن المتغيرات في طرق استخدام الوسائل التكنولوجية يجرنا الى الحديث عن الادوات الجدية التي ستستخدم. فعبر اللجوء الى شبكة وترية بصرية ذات طاقة مرتفعة، فإن ثمة تقنية تعتمد هي mugtiplexing التي تسمح بنقل كمية اكبر من المعلومات الى شاشات الهواتف النقالة عبر الاسلاك النحاسية القديمة، فبهذه التقنية يجمع عدد كبير من الاشارات في اشارة معقدة وتنقل في الاسلاك لتفكك في المكان المرسلة اليه. منذ عام 1998 اعتمدت في مناطق مختلفة من الولاياتالمتحدة الاميركية تكنولوجيا خاصة لنقل المعلومات بحزمة التدفق العالي هي الخط الرقمي اللامتماثل للمشتركين، Subscriber Line asymetric Digital، اذ تنقل المعلومات بسرعة تفوق 40 مرة سرعة آلة الوصل، تعمل بطاقة 56 كيلو بايتس، وقد اعتمدت هذه التقنية شركات بريطانية وشركة الانترنت الاوروبية "شللو"، كما تعتمد على نطاق ضيق في بعض المناطق البريطانية. وتورد الشركات التي اعتمدت حزمة التدفق العالي امثلة كثيرة عن نجاحاتها الجديدة والخدمات المتطورة التي صارت تقدمها، كما تتحدث عن زيادة عدد زبائنها وازدياد عائداتها طبعاً. ولقد بدأت شركات بريطانية عدة بتسويق خدماتها الجديدة، ومن ابرز المؤسسات التي اعتمدت حزمة التدفق العالي شركة تليويست التي عرضت في مؤتمر صحافي خدماتها، مؤكدة لزبائنها ان الشركة ستؤمن لهم اتصالاً دائماً وسريعاً بالانترنت يسقط بثانية واحدة 27 كيلوبايتس، وتتوقع ادارة الشركة ان يصل عدد المشتركين فيها الى مئتي ألف مشترك عام 2001. اذا اقتنعنا بأن التكنولوجيا الجديدة جزء من ادوات النظام السياسي والاقتصادي العالمي الجديد، نفهم بسهولة التحولات التي ترافق حزمة التدفق السريع والميول الجديدة لدى اهم الشركات العالمية. ولأن حزمة التدفق العالي اتت بتطور في قطاعات مختلفة من انترنت وتلفزيون رقمي وهاتف نقال. فتبدو الشراكة بين المؤسسات المنتجة لهذه الادوات منطقية، ويقول المطلعون ان العولمة تفرض على شركات الاتصالات ان تطور خدماتها، وفي هذا الاطار جاء الاتفاق بين شركتي اميركا اون لاين والمؤسسة الاعلامية تايم ورنر. من ناحية اخرى يعلن البعض ان العصر الذي كانت تقدم فيه بعض الخدمات من خلال آلات معينة هي التلفزيون والراديو والهاتف قد ولّى، والعصر الآتي هو عصر الخدمات الاعلامية المعروضة على المستهلكين. من خلال الكومبيوتر والهاتف النقال والتلفزيون الرقمي. لهذا السبب اقامت شركة "أميركا أون لاين" ايضاً اتفاقات شراكة مع شركتي نوكيا وأريكسون المنتجتين للهواتف النقالة. واعلنت خمس شركات عملاقة متخصصة في الامور المالية والتكنولوجية هي "سيتيغروب" ومصرف ولز فارغو وشركة "إيرون برودباند" و"اس وان كورب" و"أي تو تكنولوجي" انها ستتعاون لاطلاق مؤسسة للتجارة الالكترونية. وليست شركة مايكروسوفت بعيدة عن هذا المفهوم، فلقد اعلنت أخيراً عن اتفاقات مع شركتي "أي تي تلكوم"، و"آي يت إند تي" لتطوير برامج المعلوماتية في الهواتف النقالة. وستطلق شركة أميركا أون لاين هذا الصيف مؤسستها الاعلامية التلفزيونية دايرك تي في. وقد تخطى هذا التوجه عقبات الحدود، بل تخطى المحيط الاطلسي، فقد وقعت الشركة الفرنسية "تومسون مولتيميديا" اتفاقاً مع المؤسسة الاميركية "برودباند تكنولوجي" لانتاج حلال رموز رقمية، بل ان عشرات الاتفاقات عقدت بين شركات الانترنت والمؤسسات المنتجة لأدوات الاتصال منذ عام 1998. ولا تنتظر الشركات المتعاونة الخسارة، ولتبيان النتائج الايجابية بهذا التعاون تورد التقارير ان التوقعات تشير الى ان اوروبياً من اثنين سيملك هاتفاً نقالاً مع نهاية هذا العام، بل ان ثمة تأكيداً ان هذا الامر صار توجهاً عالمياً. وتوقعت مؤسسة "فورستر ريسرش" ان يصير عدد مستخدمي الانترنت عبر حزمة التدفق العالي في الولاياتالمتحدة الاميركية 18 مليوناً عام 2003. وتجد الاشارة الى ان انظمة الاقمار الاصطناعية الرقمية التابعة لدول اوروبية متطورة جداً، لذلك فإن غالبية الشركات المنتجة للاسلاك تطور خدماتها عبر حزمة التدفق العالي. وكما صار الانترنت حاجة لا يمكن الاستغناء عنها، فإن حزمة التدفق العالي بدأت تتخذ منذ الآن اوجهاً اقتصادية الى فوائدها التكنولوجية. فالاتصال بالانترنت في المنزل سيتم عبر آلات كثيرة منها التلفزيون مثلاً التلفزيون الرقمي طبعاً ويمكن المرء ايضاً متابعة برامجه الاذاعية المفضلة عبر الانترنت وتسجيلها. وفي مقابلة اجرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية مع المدير العام لمؤسسة "تروا كوم" عن مستقبل الاتصالات، اكد ان تكنولوجيا حزمة التدفق العالي تقدم خدمات متنوعة، وانها تدمج الصوت والمعطيات والنصوص. واعلن ان "حزمة التدفق العالي" ستكون الاكثر انتشاراً بين القطاعات المرتبطة بالاتصالات، كما اكد انه مع هذه التكنولوجيا لا تزال ثورة الاتصالات في بداياتها وانها ستشهد في السنوات المقبلة تطوراً كبيراً. من ناحية اخرى صار انتشار التلفزيون الرقمي توجهاً عالمياً لا يمكن انكاره، هذا ما اكده المشاركون في معرض السمعي البصري "ميليا 2000" الذي نظم في مدينة كان الفرنسية، فهذه الآلة ستفتتح عصراً جديداً من البث التلفزيوني الذي يعرض لنا صورة ممتازة والصوت بالمواصفات نفسها التي تؤمنها الاقراص الممغنطة. لن نضيف جديداً اذا قلنا ان الآلات اللاسلكية ستسيطر على حياتنا اليومية، وسيضطر محبو آلات البث الاعلامي والاتصالات التي ظهرت قبل نصف قرن للاحتفاظ بها كرمز لعصر أحبوه.