قبل سنوات عدة، كان مجرد ظهور الملك فاروق، آخر ملوك مصر، على شاشة السينما أو التلفزيون من المحرمات، بل ان الأخير كان يظلل صورته بمجرد ظهورها مصادفة في خلفية أي من مشاهد الأفلام المنتجة قبل الثورة 1952، عندما يعرضها، علماً أن ما من نص رقابي كان يمنع ظهوره على الشاشة، سواء بصورته أم بتجسيد شخصيته في أي عمل درامي. لكن صانعي الأعمال الفنية ساروا، على ما يبدو، مع التوجه العام قبل قيام الثورة، وألزموا أنفسهم محظوراً رقابياً غير قائم، أكثر من ثلاثين عاماً. ثم تنبهوا فجأة إلى انتفاء الموانع، فراحوا يعوضون سنوات المنع الاختياري، ويشبعون فضول أجيال لم تعش عصر الملكية في مصر. وهكذا بات الملك فاروق شخصية حاضرة في أعمال فنية تاريخية عدة، في ظاهرة لافتة تكررت مع فاروق الفيشاوي في السينما، ومحمد وفيق وبسام رجب في التلفزيون، وأخيراً مع وائل نور في مسلسل "رد قلبي" المأخوذ عن رواية يوسف السباعي. وبصرف النظر عن نجاح هذه الأعمال أو إخفاقها، استمر تقديم شخصية الملك فاروق. ومن أحدث الأعمال في هذا المجال، النص الذي تكتبه الآن الدكتورة لميس جابر لمسلسل تلفزيوني جديد بعنوان "فاروق الأول والأخير"، يجسد فيه زوجها يحيى الفخراني شخصية الملك، بطل الحلقات، ويشارك فيه أيضاً منتجاً منفذاً مع مدينة الإنتاج الإعلامي. ويقول يحيى الفخراني: "هذه الحلقات ستكون صورة جديدة ومختلفة عن حياة هذا الملك، إذ تغوص الكاميرا في أعماقه لتجيب عن أسئلة كثيرة تحير الناس. وقد سافرت لميس إلى بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وجمعت الكثير من المعلومات من مراجع مختلفة عن حياة الملك فاروق ونشأته ودراسته وطفولته وصباه ومواقفه السياسية ومغامراته وزيجاته، وكيف كان يتعامل مع من حوله من حاشية ورجال حكم. ونجحت في الحصول على معلومات من نحو 33 مرجعاً، وفي الحصول على مقدار وافر منها يتعلق بمرحلة خروجه معزولاً من مصر الى ايطاليا. كل ذلك في حلقات مسلسلة تبلغ ال40 تقريباً فرغت لميس من كتابة 25 منها حتى الآن، وتعكف على كتابة البقية. واختارت مواقع تصوير متنوعة، تشمل قصوره المختلفة في مصر ومنتجعاته في فرنساوبريطانيا واسبانيا وايطاليا والنمسا وتركيا. واختارت الأزياء أيضاً". وعن الجديد في حياة الملك فاروق التي تقدمها حلقات "فاروق الأول والأخير" يقول الفخراني: "الكثير من الأعمال تناول فاروق المغامر والمقامر والحاكم المستبد الذي لا يهتم إلا بالملذات والمتع والشهوات على حساب من كان يحكمهم، إلا أن الحلقات الجديدة ستركز على أسباب ذلك، لتعكس الدوافع إلى هذه التصرفات وكشف المزيد مما أحاط بالجانب الآخر من حياة هذا الرجل في شؤون السياسة والحكم والعلاقات الخارجية وأسباب ارتباطه الوثيق بالمرأة، بسبب تعتيم حاشيته عليه". يذكر أن آخر من أدى شخصية الملك فاروق الممثل وائل نور في حلقات "رد قلبي" التي عرضتها محطات عربية عدة، وهي من إخراج أحمد توفيق. وإذا كان وائل لم يظهر فيها بالصورة العالقة في الأذهان عن الملك من حيث الملابس والحاشية والنساء المحيطات به، فقد حاول أن يغلف أداءه بالجدية الواجبة من رجل يسعى إلى حكم بلاده في ظل وجود مستعمر أجنبي، زمن الحرب العالمية الثانية. وأتى ذلك معاكساً للصورة التي ظهر عليها فاروق الفيشاوي، وقد أدى الدور نفسه في فيلم "امرأة هزت عرش مصر"، من إخراج نادر جلال عام 1995، إذ تناولت الأحداث إحدى مغامرات الرجل النسائية، وهي علاقته الخاصة بناهد رشاد، زوجة كبير أطبائه وكبيرة وصيفات القصر التي طمعت في الزواج منه وحكم البلاد. ولأن "الموضة" لم تبطل، فثمة أكثر من مشروع تلفزيوني سيرى النور في الأيام المقبلة. فالمؤلف أبو العلا السلاموني باع حلقات المسلسل التلفزيوني الجديد "الفراشات يحترقن دائماً" الى الدكتور عمرو حجازي المنتج وزوج الفنانة جالا فهمي، ليقدمها منتجاً منفذاً لمصلحة التلفزيون المصري، على أن تتولى بطولتها زوجته مجسدة شخصية الفنانة والراقصة الراحلة كاميليا التي تدور القصة على سيرتها الذاتية. أما المحور الثاني للأحداث فهو الملك فاروق الذي صارع كثراً، ابرزهم الفنان أحمد سالم، للفوز بكاميليا. لكن الأحداث تتخذ منحى آخر، فالحلقات تقول إن اليهودية ليليان كوهين المعروفة باسم كاميليا وُضعت في طريق الملك فاروق وكاد يتزوجها لولا مقتلها في حادث الطائرة الشهير عام 1950 الذي دُبر لها للحيلولة دون جلوس امرأة يهودية على عرش مصر والسودان. وكان المخرج الراحل حسن الإمام أول من تجرأ وأظهر الملك فاروق، حين قدم عام 1983 المسلسل التلفزيوني "صاحب الجلالة الحب" عن قصة لمصطفى أمين، واسند الدور الى الشاب طارق ذهني الذي رأى فيه شبهاًَ بالملك السابق، إلا أن ظهور الشخصية كان باهتاً وهزيلاً إلى درجة أن لا أحد يتذكر الآن اسم ذلك الممثل. وكان مسؤولو التلفزيون قرروا وقف عرض المسلسل، قبل انتهاء حلقاته، إثر الهجوم الشرس الذي تعرض له، ومع هذا أكدت تجربة حسن الإمام أن المنع كان اختيارياً واعطت الضوء الأخضر لغيره من المخرجين للسير قدماً في التعامل مع تلك الشخصية.