للسينما متعة خاصة في قلوب الجمهور والمتابعين لهذا الفن العريق مع أن أول موسوعة سينمائية عربية تصدر الآن في مصر لتعيد إلينا الذاكرة السينمائية فتقدم التفاصيل الكاملة ل4500 فيلم تم انتاجها في مصر والوطن العربي منذ أول فيلم قدمته السينما المصرية في عام 1924 وحتى نهاية 1993. والغريب أن هذه الموسوعة لم تصدر عن وزارة أو جهة رسمية مثلاً بل هي خلاصة وجهد وعناء ثلاثة من الباحثين والنقاد وهم منى البنداري ومحمد قاسم ويعقوب وهبي والذين قدموا خلاصة حبهم للسينما، وتأتى عن ذلك جمع تلك الأفلام وحفظها لتاريخ السينما وتاريخ الأفلام الأولى التي بدأ بها هذا القطر أو ذاك من أفلام تسجيلية أو وثائقية أو روائية. ومن البديهي أن مصر صاحبة أول فيلم روائي في عام 1927 وتليها سورية بعام على أيدي أيوب بدري وصدقية أحمد تللو ومحمد مرادي بالتعاون مع رشيد جلال الذي امتلك كاميرا سينمائية ولوازم تحميض وطبع وقد سميت هذه الشركة "حرمون فيلم"، أما اسم الفيلم فهو "المتهم البريء" وقام بالبطولة فيه أيوب بدري مع بعض الهواة. واستقطبت السينما عدداً من النجوم والمطربين والممثلين لكسب الجماهيرية لهذا الفن بالشهرة التي كانت للمطربين آنذاك، فقد لعب بعض المطربين والمطربات آنذاك في أفلام السينما والبعض الآخر آثر أن يكون مطرباً أو مطربة فقط، وقد انقسموا الى ثلاث فئات. - أما الفئة الأولى: فكانت ترفض ان تقف أمام الكاميرا لتمثل اي دور يسند اليها. - الفئة الثانية: اقتنعت ان تمثل وتغني معاً امام الكاميرا في تحدٍ لموهبتها ولصقلها بشكل افضل الى جانب الغناء، ولمزيد من الشهرة والاضواء، ومع ذلك وفي ظل تلك الظروف ظلت المشاركة محدودة في سورية بين مطربيها ومطرباتها عكس ما نجده في لبنان، حيث ان معظم المطربين والمطربات الذين وافقوا على التمثيل كانت بدايتهم في مصر. - الفئة الثالثة: اكتفت ان تظل في الطرب، لانها لم تجد في نفسها موهبة التمثيل او انها خلقت للطرب فقط، وكانت تصرح دائماً انها تركت التمثيل لاصحابه او خوفاً من ان تهتز صورتها امام جمهور الطرب وامام المشاهد والمستمع في آن واحد. وسنقف عند ابرز المطربين والمطربات بين التمثيل والغناء في مصر ولبنان وسورية وسنبدأ بسورية: - لعب الفنان المطرب "رفيق شكري" في منتصف الاربعينات من القرن الماضي بطولة فيلم بعنوان "نور وظلام" الى جانب الفنانة "ايفيت فغالي" ولم يكررها معلناً ان السينما لم تستهويه. - أما الموسيقار فريد الاطرش الذي نجح نوعاً ما في التمثيل، حيث كان يلعب ادواراً كان البطل فيها مطرباً وليس ممثلاً، وعلى هذا الاساس كان يُكتب النص ليلعبه فريد الاطرش فقط، وهذا ما اضعف موهبته الفنية، وكذلك الامر بالنسبة الى اخته الفنانة اسمهان فقد كان يُكتب الدور لها على انها مطربة وليست ممثلة، وعلى رغم ذلك اثبتا وجوداً في ميدان التمثيل. - أما صاحب القصيدة الأولى لنزار قباني تلحيناً وتوزيعاً وهو الفنان نجيب السراج فقد لعب بطولة فيلم اسمه "عابر سبيل" من اخراج "احمد فرعان" وبعد ذلك اعلن اعتزاله ايضاً لانه لم يجد في نفسه تلك الموهبة التي تضمن له التقدم في التمثيل، وقد وجد نفسه في التلحين والغناء. - وفي فيلم "عقد اللولو"، وهو من بطولة الفنان فهد بلان مع الفنانة صباح، كانت تجربة بلان الوحيدة ولم يكرر المحاولة واعلن اعتزاله من ذلك الوقت. - وللفنان صباح فخري نصيب في التمثيل حيث ظهر في مسلسل تراثي، وعلى رغم العروض المغرية التي عُرضت على الفنان صباح فخري الا انه اعلن في تصريحاته الصحافية انه لا يصلح للتمثيل. - ومن الفنانين السوريين من رفض الظهور امام الشاشة الكبيرة او الصغيرة ومنهم المرحومتان مها الجابري وسحر حيث استقطبتا الجمهور السوري في ايامهما وهناك الفنانة ميادة حناوي ونور مهنا والفنانة كروان وسهام ابراهيم ونعيم حمدي الذي مثل سورية في مهرجانات عالمية عدة. لبنان - تحقيقاً للشهرة وتسليط الأضواء وخصوصاً في مرحلة الاربعينات رحب بعض الفنانين اللبنانيين والفنانات بهذه الفكرة، واتجهوا الى مصر لتحقيق ذلك وقد كان لهم تأثير واضح وبصمة كبيرة على السينما المصرية مما ساهم في انتشارها حيث لم يكن متاحاً في لبنان ذلك. تفتحت هذه الفكرة من طريق من يعمل بالسينما مثل آسيا داغر وماري كويني. وقد لعبت الفنانات ادوار البطولة وحققن وجودهن كممثلات ومطربات نظراً لما يتمتعن به من جمال الصوت والحضور. ومن "الصبوحة" التي ابدعت في المجالين والفنانة نور الهدى ونجاح سلام ومع ذلك كانت النصوص تُكتب لهن بحسب تصريحات بعضهن. - وللرحابنة دور كبير في التمثيل والغناء والسينما حيث خاضت هذه التجربة الفنانة فيروز بثلاثة أفلام على الشاشة الكبيرة مكتفية بذلك وهم "سفر برلك" و"بياع الخواتم" و"بنت الحارس". حيث للغناء في الافلام الثلاثة طابع الغناء المسرحي. كما ان الكثيرين من لبنان نجحوا في ادوار مسرحية ولم تأتهم الفرصة للظهور على شاشة السينما وظلوا مع الرحابنة او انفصلوا عنهم ومنهم الفنان ايلي شويري وملحم بركات وغسان صليبا على عكس الفنان وليد توفيق الذي احبه جمهوره في التمثيل كما في الغناء، وعلى رغم ذلك هناك مطربون ومطربات ذاع صيتهم في الآونة الاخيرة ولكنهم اكتفوا ان يكونوا مطربين فقط، ومنهم نجوى كرم وديانا حداد ونوال الزغبي ووائل كفوري وزين العمر وماجدة الرومي التي مثلت فيلماً واحداً وهو "عودة الابن الضال" واكتفت به. مصر اما في مصر فالامر مختلف عن لبنان وسورية فهناك توازن في العمل الفني خصوصاً وان مصر احتوت كل فناني وفنانات الوطن العربي، وقدمتهم من خلال شاشاتها نظراً للامكانات التي كانت تتمتع بها ووجود المنتجين والكتاب السينمائيين والمخرجين والفنانين المحترفين، فقد اتسعت الساحة للجميع فأثبت معظهم وجوده على ساحة الغناء والتمثيل، وخصوصاً في الافلام الروائية والاجتماعية والافلام الرومانسية التي كانت سائدة آنذاك. ولنا ان تنذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض من نجح وثابر في افلام عدة من مصر كأم كلثوم التي اثبتت جدارة في التمثيل والغناء ونالت شهرة كبيرة وخصوصاً بعد تعاونها مع العملاق محمد عبدالوهاب الذي ادى ادواراً لا تنسى في افلامه وايضاً عبدالحليم حافظ، ومحمد فوزي وكارم محمود ومحرم فؤاد وسعد عبدالوهاب وماهر العطار ومن الجيل الجديد نسبياً للكوكبة التي سبقته مثل محمد منير ومحمد الحجار وايمان البحر درويش وعمرو دياب ومدحت صالح، ومن الفنانات المطربات هدى سلطان وشادية وليلى مراد ووردة الجزائرية، ولا ننسى الفنانة نجاة الصغيرة التي كانت افلامها مقبولة الى حد كبير مع مجموعة الاغاني التي غنتها في الافلام وخصوصاً القصائد كما قال عنها النقاد ومع ذلك ظلت مقتصرة على الغناء من دون التمثيل لاسباب خاصة بها كما صرحت في احدى احاديثها الصحافية.