أنتجت السينما المصرية في فترات مبكرة العديد من التجارب الاستعراضية والغنائية. وربما يرجع جزء كبير من الفضل إلى الموسيقار فريد الأطرش (1917-1974) في تشكيل هوية الفيلم الغنائي في مصر بالإضافة إلى دوره البارز في التلحين والغناء. ويقدم لنا المؤرخ الدكتور نبيل حنفي محمود في كتابه «فريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائي» الصادر ضمن سلسلة آفاق السينما عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، رصداً تاريخياً لحياة الموسيقار فريد الأطرش منذ قدومه إلى مصر في العام 1923حتى رحيله في العام 1974، ويستعرض الكاتب سينما فريد الأطرش ومرحلة البحث عن الهوية ثم مرحلة الأفلام الاستعراضية والغنائية ثم المرحلة اللبنانية وبعدها مرحلة التجريب والتنقل بين الأفلام السينمائية والأوبريت السينمائي. كما يرصد الكتاب - الذي يقع في 400 صفحة من القطع الكبير - أعمال «الأطرش» السينمائية ومنها أفلام روائية وتسجيلية، ويتضمن رصداً لكل أعماله الغنائية والموسيقية في السينما المصرية، إضافة الى أنه يتضمن قراءة نقدية للكثير من عناصر أفلامه السينمائية كالموسيقى والتصوير وتوظيف بعض القوالب الغنائية في الأفلام مثل الموال والأوبريت السينمائي والمقطوعات الموسيقية. كما يحوي الكتاب البيانات الكاملة لكل الأفلام التي شارك فيها فريد الأطرش بالبطولة المطلقة أو بالمشاركة. قدم فريد الأطرش للسينما المصرية والعربية 31 فيلماً بدأها ب «انتصار الشباب» 1941 ثم في العام التالي «أحلام الشباب». وفي العام 1945 قدّم «شهر العسل» و«جمال ودلال». ويمكن القول إن هذه الأفلام الأربعة الأولى تعد بمثابة مرحلة (البحث عن هوية) وفيها قدم الفنان نفسه وموهبته إلى جماهير السينما والغناء. ثم قدم بعدها أفلام «ما اقدرش» 1946 و«حبيب العمر» 1947 و«بلبل أفندي» 1948 و«أحبك انت» و«عفريتة هانم» 1949 و«آخر كدبة» 1950 و«تعالى سلم» 1951 و«عايزة اتجوز» ولحن الخلود» و«ماتقولشي لحد» 1952 و«لحن حبي» 1953 و«رسالة غرام» 1954 و«عهد الهوى» و«قصة حبي» 1955 و«حبيب العمر» وهو أول فيلم من إنتاجه وحقق وقتها نجاحاً لم يسبقه إليه أحد من قبل، ثم «ودعت حبك» و«ازاي أنساك» 1956 و«أنت حبيبي» 1957 و«ماليش غيرك» 1958 و«من أجل حبي» 1959 والعام 1962 «رسالة من امرأة مجهولة» وفيلم «يوم بلا غد» و «حكاية العمر كله» 1965 «الخروج من الجنة» 1967 وفيلم «الحب الكبير» 1968 و«زمان يا حب» 1973 واختتم رحلته مع الفن والحياة بفيلم «نغم في حياتي» في العام 1974. كوّن الأطرش، كما يقول لنا الكتاب، ثناثيات فنية ناجحة أشهرها كان مع سامية جمال حيث تشاركا في بطولة 6 أفلام بينما قدم مع مريم فخر الدين 4 أفلام ومع كل من صباح وفاتن حمامة 3 أفلام، ومع كل من شادية ونور الهدى وليلى فوزي وماجدة فيلمين. بلغ عدد الأغاني التي لحنها فريد وتغنى بها كوكبة من المطربين والمطربات 17 أغنية من أشهرها «ليالي الأنس» لأسمهان و«حبيبة أمها» لصباح و«يا حلاوتك ياجمالك» لفايزة أحمد و«روحي وروحك» لوردة الجزائرية و«يا واحشني رد عليا» لمحرم فؤاد. كما قدم أربع مقطوعات موسيقية وأيضاً فيلمين تسجيليين هما «بورسعيد» و«المارد العربي» وهما العملان الذان أثبت من خلالهما إمكانية البناء على الألحان الغنائية العربية لإخراج أفلام تسجل أحداث الوطن ومعاركه. كما عالج الأطرش في أفلامه السينمائية العديد من القضايا الفنية في محاولة منه لتطوير الأفلام الغنائية والاستعراضية. وما لا شك فيه وكما يؤكد لنا الكتاب فصلاً بعد فصل، أن فريد الأطرش ساهم في تطوير الأغنية السينمائية بل الغناء المصري والعربي، بجهوده ومحافظته الدقيقة على التوازن بين عنصري الأصالة والحداثة. ويذكر أن الدكتور نبيل حنفي محمود أستاذ في كلية الهندسة في جامعة شبين الكوم، وله العديد من المؤلفات منها «معارك فنية» و«نجوم العصر الذهبي» و«الغناء المصري» و«حكايات أسرة أرمينية».