في كتاب وجهه رئيس لجنة الدفاع عن الدستور والحريات المحامي البارز محسن سليم الى رئيس الجمهورية اللبنانية سليمان فرنجية في 24 نيسان ابريل 1974، ورد ان قرى هونين وصلحا وطربيخا وقدس والمالكية وآبل القمح والنبي يوشع "كانت منذ القدم وبتاريخ اعلان دولة لبنان الكبير قرى لبنانية، وقد سلخت عن لبنان واتبعت بدولة فلسطين بموجب اتفاق بوليه - نيوكومب الموقع بين ممثلين عن سلطات الانتداب الفرنسي والبريطاني بتاريخ 3/2/1922. الا ان هذا الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ ولم يتم انسلاخ القرى المذكورة اعلاه وضمها الى اراضي فلسطين الا بعد تاريخ 30 آب اغسطس 1924". ويقول الدكتور مسعود ضاهر في كتاب "تاريخ لبنان الاجتماعي" ص-51 ان الجنرال غورو "اصدر قرارات عدة متتالية ابرزت دولة لبنان الكبير الى الوجود وكان اهمها عن التوالي القرار الرقم 299 الصادر في الثالث من آب 1920 والقاضي بفصل اقضية حاصبيا وراشيا والمعلقة وبعلبك وضمها الى جبل لبنان المستقل". ويضيف في الاول من ايلول سبتمبر 1920 اعلن الجنرال غورو من مركزه في قصر الصنوبر ولادة الدولة الجديدة. "وبلغت مساحتها 12 الف كلم2 تقريباً قبل خسارة منطقة الحولة" التي قلصت مساحة لبنان الى 10400 كلم2. ويتحفظ الدكتور مسعود ضاهر عن رقم المساحة هذا للدولة الجديدة لغياب الاحصاءات الدقيقة عن المساحات التي اغتصبها الصهاينة من سهل الحولة، بموجب الاتفاق الفرنسي - الانكليزي على توسيع حدود فلسطين شمالاً. وهكذا قدِّر للقرار الجائر لحكومتي الانتداب القاضي بسلخ عشرات القرى والمزارع ومساحات شاسعة من الاراضي الزراعية الخصبة في سهل الحولة من لبنان وضمها الى فلسطين بموجب ترسيم حدود العام 1923، ان يمر في هدوء مريب. فالدولة اللبنانية ومعها الحركة السياسية والشعبية كانت لا تزال رازحة تحت حكم الانتداب الفرنسي الذي وافق وشارك في اتخاذ هذا القرار. وجاء ذلك في ظل بدء اندلاع المواجهات الساخنة بين الصهاينة المؤيدين بدعم الانتداب الانكليزي من جهة، وعموم اهالي فلسطين من الجهة الاخرى. هذه المواجهات التي تواصلت متسارعة ومتعاظمة حتى عام النكبة 1948. في ظل هذا الوضع تمت "تصفية" قضية "الاراضي" اللبنانية ومعها قضية "اللبنانيين" الذين ضموا الى فلسطين، الوطن اليهودي الموعود. فالارض صارت "مدى اوسع" ووفرت لفلسطين المياه والحدود التي يسهل الدفاع عنها عبر الوصول الى حدود جبل الشيخ، واللبنانيون الذين اجبروا على حمل الجنسية الفلسطينية طردوا من ارضهم مع سائر الفلسطينيين بعدما ارتكبت العصابات الصهيونية ضدهم ابشع المجازر، كان افظعها مجزرة صلحا التي سقط فيها 105 مواطنين في 21 تشرين الاول اوكتوبر 1948، ولفّها ايضاً النسيان المريب. وحصل خلالها ايضاً كثير من المواجهات والمعارك الضارية في البني يوشع مطلع نيسان ابريل 1948 ومعركة المالكية الشهيرة التي خاضها الجيش اللبناني وامتدت من مطلع ايار 1948 الى اوائل تشرين الاول 1948. ومن المفارقات ان الاراضي اللبنانية هذه تحولت في "اذهان" الناس اراضي باعها اصحابها اللبنانيون الى الصهاينة طمعاً بالمال من دون ان يقيموا وزناً لاي شعور وطني او قومي. وتحول اللبنانيون من ابناء هذه القرى والمزارع الذين اجبروا على امتلاك الجنسية الفلسطينية، لاجئين فلسطينيين ايضاً "تخلوا عن ارضهم" واصبحوا لاجئين ومشردين في ارض كانت تعرف حتى الامس القريب بوطنهم. فأسماء اهالي هؤلاء المسجلة في دوائر نفوس اقضية صور وحاصبيا ومرجعيون حتى العام 1923 لم تجدِهم نفعاً. ولم تغير شيئاً الهويات التي كان الكثيرون من هؤلاء يحملونها والتي حصلوا عليها من دولة لبنان الكبير. الدولة اللبنانية التي كانت منهمكة في شؤون استقلالها بعد العام 1943، وقد تحولت من "دولة" جبل لبنان الى دولة لبنان الكبير بعد ضم الاقضية الاربعة، وكانت قواه السياسية وطوائفه مشغولة بترتيب شؤون البيت الداخلي وطريقة اقتسام السلطة "واستيعاب" المناطق الوافدة. وكانت العلاقات مع الانتداب الفرنسي في حاجة الى اعادة تركيز بعد "هزَّة" الاستقلال. ولم يكن احد ملتفتاً الى قضية هي من صنع هذا الانتداب او شارك فيها، فهذه مسألة انتهت وليس في رأي الكثيرين ما يبرر البحث فيها! وكانت القوى السياسية والشعبية قبل العام 1948 التي ادركت خطورة هذه الخطوة تعاملت معها بمنطق "ان الانتداب قرر ذلك وهذا تدبير موقت ونحن في الوقت الراهن لا نستطيع تغيير هذا القرار. فهو اي الانتدات اقوى منا وانتم تجيئون ونحن نذهب اليكم وليس في هذا مشكلة. وبعد جلاء الانتداب سيعود كل شيء الى سابق عهده"، على ما ينقل عن الزعيم كامل الاسعد الأول في ذلك الوقت. قوله لأهالي تلك القرى. وبعد نكبة فلسطين وقيام دولة اسرائيل عام 1948 كانت المآسي التي عاناها الفلسطينيون ورزحوا تحتها اكبر بكثير من ان ترى مجزأة او مجتزأة. ففي بداية الامر لم يكن احد مستعداً لطرح هذه المشكلة فضلاً عن استحالة ايجاد احد ليستمع الى مثل هذ الطرح الجزئي لمشكلة كبرى بالغة التعقيد في حجم قضية تشريد شعب فلسطين بكامله واحلال شعب آخر محله، بكل ما رافق ذلك من فظائع ومواجهات وصراعات. ومع مرور الزمن كانت القضية تأخذ طريقها الى النسيان على المستويين السياسي والشعبي، وكانت غائبة في الوقت نفسه غياباً مطلقاً عن بال المسؤولين في الدولة اللبنانية واهتمامهم. وعندما تذكر البعض من اهالي هذه القرى قضيتهم، راحوا يتذكرونها - مع الاسف - من مداخلها الضيقة، انطلاقاً من انهم يشكلون غالبية من لون طائفي ومذهبي معين في عدد من القرى القرى السبع، وراحوا يطالبون بالحصول على الجنسية اللبنانية التي كانت جنسية آبائهم واجدادهم او باستعادتها. وهذا ما تؤكده سجلات النفوس في مديرية الاحوال الشخصية، ويؤكده ايضاً احصاء العام 1921. لكن هذا الطرح واجه رفضاً ونبذاً من القوى الطوائفية الاخرى، واستغلالاً سيئاً من بعض السياسيين الذين راحوا يتاجرون بقضية تجنيس هؤلاء او اعادة الجنسية اليهم ردهاً طويلاً من الزمن. بينما كان الطرح الجزئي لهذه القضية يلقى تجاهلاً من قوى وفئات اجتماعية وسياسية اخرى. فالقرى المحتلة اكثر من سبع، والاراضي المحتلة اوسع من اراضيها، والسكان الفعليون لهذه الاراضي لم يكونوا من طائفة واحدة. ومشكلة الحصول على الجنسية لا تلخص قضية ارض مسلوخة ومتحلة وشعب مشرد من اراضيه ومزارعه ومنازله، فضلاً عن ان مشكلة الحصول على الجنسية او استعادتها كانت تخضع في لبنان وعلى الدوام لاعتبارات سياسية وطائفية ولم يكن ممكناً تجاوز قاعدة ال6 و6 مكرر الشهيرة في وضعها موضع التنفيذ، اضافة الى ان مشكلة التجنس في لبنان وفي امتداد تلك المرحلة كانت مرتبطة ايضاً بعشرات الالوف من مكتوفي القيد الذين تصطدم مشكلة تجنيسهم باعتماد القاعدة العتيدة ولعل قضية تجنيس لبنانيي وادي خالد احد ابرز العناوين التي تضاف الى اهالي هذه القرى. وهكذا لم ينجح ابناء بعض هذه القرى اللبنانيةالمحتلة واهاليها في طرح قضيتهم وتحويلها قضية ارض وشعب كانت بالامس جزءاً من ارض لبنان وشعبه. ولم يبادر اي من السياسيين او من القوى السياسية بتصحيح مسار هذه الحركة وتحويلها قضية وطنية ولغاية تاريخه. والمشكلة لم تكن وليست مشكلة حدود بين لبنانوفلسطين اذ ان ضم بعض القرى وبعض السكان الى ولاية صيدا او عكا او دمشق، كما كان يحصل خلال عهد الدولة العثمانية، على يد هذا الوالي او ذاك لم تكن تشكل مشكلة كبيرة، اذ كانت القرى وسكانها باقية على وضعيتها لا تهجير ولا تشريد ولا احتلال ولا اقفال حدود. فالمنطقة كلها كانت تعرف ب"بر الشام" او بلاد الشام. الا ان حدود الاقضية الاربعة التي دخلت لبنان الكبير عام 1920 كانت تشمل، في ما تشمل، هذه القرى والمزارع والاراضي. ولم تتحول قضية ترسيم الحدود بين لبنانوفلسطين مشكلة فصلية الا بعد قيام اسرائيل عام 1948. من هنا جاء حظر نسيان هذه القضية وتجاهلها كل هذا الوقت فالارض لها اصحاب وملاك يتمسكون بها تمسُّك اهاليهم الذين رفضوا بيعها على رغم كل الضغوط الصهيونية والاغراءات التي تعرضوا لها. والسكان لهم ايضاً اراضيهم وقراهم ومزارعهم التي يصرون على الانتماء اليها والمطالبة بها وعدم التنارل عنها، اياً تكن اغراءات البيع وعروضه التي قد تطرح او يتم التفاوض في شأنها ولو بعد حين. وهؤلاء جميعاً يتشبثون بهذه الاراضي وبهويتها اللبنانية التي هي هويتهم ايضاً اصلاً واساساً.