هناك الكثير الذي يستطيع لبنان ان يثيره في وجه اسرائيل، خلال المفاوضات معها، اذا ما استمرت في طرح ادعاءاتها في وجهه، مطالبة بتعويضات انسحاب وبثمن للسلام. فالاوراق كثيرة في يد لبنان وهو مضطر إلى استعمالها، لان الذي سيسفر عن الانسحاب بحسب القرار الدولي الرقم 425 والمفاوضات سيكون نهائياً، وبعدها لا يعود هناك مجال للبحث في قرى وارض احتلت او في مياه سرقت او في عمران دُمِّر بوحشية. فكما ان المطلوب من المفاوض الفلسطيني التخلي عن فلسطين في مقابل بعض الارض والسلام، المطلوب من لبنان التخلي عن تاريخ طويل من العدوان والاحتلال والتدمير والقبول باسرائيل في مقابل الانسحاب والسلام. فالاوراق التي على المفاوض اللبناني اثارتها في وجه اسرائيل، يمكنه تجميعها منذ مطلع القرن. فليس هناك ورقة القرى السبع فقط، بل هناك أيضاً الكثير من القرى العائدة إلى لبنان اذا ما اخذنا بالتقسيمات الاوروبية للمنطقة. اذ قبل اسرائيل، كانت عين الحركة الصهيونية، ممثلة بالوكالة اليهودية، على لبنان، فقامت بسرقة ارض ومناطق سكنية وقرى كانت تعتبر تابعة له، منذ مطلع هذا القرن، وخلال اكثر من مناسبة وخصوصاً خلال حرب 1967. اضافة إلى سرقة مياهه وآثاره، وتدمير الكثير من عمرانه ان في الجنوب وان في الداخل اللبناني. فانسحاب المحتل الاسرائيلي إلى الحدوود الدولية بناءً على القرار 425 الذي يتمسك به لبنان لا يعفيه، ويجب الا يعفيه من تاريخ طويل من العدوان تقدر تعويضاته بعشرة بلايين دولار واكثر. فهناك ثلاثون قرية تمكنت الحركة الصهيونية من ضمها إلى فلسطين قبل ان تحتلها، وليس فقط القرى السبع التي اثيرت قضيتها اخيراً. تلك القرى هي: صالحة، هونين، كمخ، طيربكّا، نبي يوشع، ابل القمح، والمالكية. ولكن في عام 1923 عندما كانت فرنسا منتدبة على لبنان، وبريطانيا منتدبة على فلسطين، تدخلت الحركة الصهيونية مع كل من حكومتي الدولتين بالاقناع والضغط، فاستطاعت نقل القرى اللبنانية الثلاثين من سيطرة الانتداب الفرنسي إلى الانتداب البريطاني، فضُمّت إلى فلسطين. بعدها سمحت سلطات الانتداب البريطاني على فلسطين للوكالة اليهودية بتولي امر تلك القرى فانشأت، عام 1924، ثلاثين مستعمرة يهودية عليها. وهذه القرى هي: المطلة، النخيلة، العالمية، الناعمة، الخالصة، الزاوية، المنصورة، الذوق الفوقاني، الذوق التحتاني، خان الدوير، الدوارة، الخصاص، رفنة، اللزارة، هونين، ابل القمح، شوقار، اقرت، حانوتة، معسولة، ام الفحم، المالكية، الدحيرجة، الجردية، كفر برعم، طربيخا، صروح، النبي روبين، قدس، حلحة. هذه القرى إلى جانب مزارع شبعا التي احتلتها اسرائيل خلال حرب 1967 وهي احدى عشرة مزرعة كما يأتي: مزرعة المقر، مزرعة فشكول، مزرعة برقعيا، مزرعة خلة العزول، مزرعة زبدين، مزرعة الربعة، مزرعة بيت البراق، مزرعة برختا، مزرعة كفردورة، مزرعة العواسب، مزرعة رمتا. وخلال العام نفسه توسعت اسرائيل في كل اتجاه مستغلة هزيمة العرب في الحرب، فاستولت على مساحات شاسعة من اراضي جبل الشيخ في لبنان ومنها مواقع: النصار، الشحف، السواقي، جورة العليق. وعلى رغم تداخل هذه المعلومات بعضها ببعض، ليست الا الدولة اللبنانية قادرة على برمجتها وتبويبها في ملفها للمفاوضات مع اسرائيل، لتطالب بها وترفض التخلي عنها، لان ذلك اذا حصل ، فسيكون نهائياً على الاقل لعقود عدة مقبلة. وتقول مصادر لبنانية مطلعة إن الملف اللبناني لا يتضمن جردة بتلك القرى المحتلة كلها ولا بالاراضي التي صادرتها اسرائيل، وحتى اذا وجدت جردة كهذه بها، فان اميركا تنصح بعدم اثارة هذه الموضوعات لانها تعقّد المفاوضات، لذا سيجد المفاوض اللبناني نفسه مكتفياً بالمطالبة بتنفيذ القرار 425 القاضي بالانسحاب إلى الحدود الدولية التي كانت عام 1978 قبل ان تجتاح اسرائيل لبنان. ولكن حتى الاكتفاء بتنفيذ القرار المذكور لا يمنع لبنان من اثارة موضوع قراه وارضه ومياهه ويطالب بها وبالتعويضات المترتبة على كل اعتداءات اسرائيل وما اسفرت عنه من تدمير كلي او جزئي، بشراً كان ذلك أم حجراً أم ثروة. وإثارة هذا الموضوع يجب الا تكون رداً على مطالبة اسرائيل بتعويضات عما تسميه املاك اليهود في حي وادي ابو جميل في بيروت او في صيدا وطرابلس، بل ان تكون مطالبة مستقلة لأنها حق تقرّه الاممالمتحدة. فاسرائيل اولاً واخيراً هي الطارئة على المنطقة وهي التي تسببت بكل ما حدث. اما تاريخ التدمير الاسرائيلي للبنان فطويل وحجمه كبير، فان لم يكن قد بدأ عام 1948 خلال حرب فلسطين، فانه بدأ منتصف العام 1950 أي بعد توقيع اتفاق الهدنة واستمر إلى اواخر العام 1999، بالاعتداء على مدرسة عربصاليم ولم ينته بعد: - ففي 24 تموز يوليو 1950 قصفت طائرة اسرائيلية عسكرية طائرة لبنانية مدنية كانت تحلق فوق الاراضي اللبنانية، وكانت الحصيلة سقوط قتيلين و8 جرحى من بين 27 راكباً مدنياً. - عام 1955 اجبر الطيران الحربي الاسرائيلي ثلاث طائرات لبنانية على الهبوط في اسرائيل: الطائرة الاولى في 18 ايار مايو كانت تقل موظفين من منظمة الاممالمتحدة، والثانية في 27 ايار وكانت طائرة عسكرية، واما الطائرة الثالثة ففي 19 تشرين الثاني نوفمبر وكانت طائرة لبنانية مدنية تعمل على خط بيروت - القاهرة. - في 13 نيسان ابريل 1960 قام الجيش الاسرائيلي بعدوان على الحدود اسفر عن تدمير بعض القرى اللبنانية وتهجير سكانها. - في 27 آب اغسطس 1965 اجتاحت قوة مدرعة اسرائيلية الأراضي اللبنانية وقتلت امرأة ودمرت منازل وجسوراً عدة. - وخلال حرب 1967 العربية - الاسرائيلية استغلت اسرائيل الظرف، على رغم ان لبنان لم يشارك فيها، فعدّلت حدودها مع لبنان وضمت مساحات واسعة من ارض الجنوب اليها. - وفي 14 حزيران يونيو 1968 قصفت اسرائيل بلدة ميس الجبل بالمدفعية فسقط 56 جريحاً. وفي 26 كانون الاول ديسمبر من العام نفسه قامت قوة اسرائيلية بعدوان جوي على مطار بيروت المدني الدولي ودمرت 12 طائرة مدنية جاثمة في ارض المطار. ثم هاجمت منطقة العرقوب، جنوبلبنان، مرات عدة خلال العام 1969. وفي 3 كانون الثاني يناير 1970 اعتقلت اسرائيل عشرة عسكريين لبنانيين و11 مدنياً في اعتداء على قرية قلية الحدودية. - في 6 آذار مارس 1970 دمر الجيش الاسرائيلي خمسة منازل في قرية عيتا الشعب. وفي 12 و13 ايار 1970 اجتاح الجيش الاسرائيلي منطقة العرقوب كلها في جنوبلبنان فاوقع 11 قتيلاً و21 جريحاً، وقصفت مدفعيته قرى حدودية عدة وقتلت 20 شخصاً وجرحت 40. - وخلال ثماني سنوات حتى العام 1978 تابعت اسرائيل اعتداءاتها على لبنان مبقية حدودها معه مضطربة متوترة: فخلال 1975 و1976 استغلت اسرائيل الحرب داخل لبنان فشنت 38 عدواناً على الجنوب بلغت حصيلتها 126 قتيلاً ونحو 300 جريح. وخلال 1977 تابعت اعتداءاتها على الجنوب فبلغت 128 اعتداء كان اكثرها على قرى واقضية في بنت جبيل وصور والنبطية. - إلى ان كان عدوان 14 آذار 1978 الذي كان كبيراً وواسعاً دمرت اسرائيل خلاله عشرات القرى والبلدات تدميراً كاملاً او جزئياً ومنها: الخيام، رشاف، مارون الراس، باريق، راشيا الفخار، القنطرة، مرحين، جانين، الغندورية، الالوطية، البستان، ام التوت. وكانت اسرائيل دمرت بلدة كفرشوبا خلال هجوم عليها عام 1975. وطاول عدوان 1978 اكثر من 150 قرية وبلدة وكانت حصيلة الضحايا اكثر من الف شخص. وتفاوت عمق الغزو ما بين خمسة كيلومترات و17 كيلومتراً داخل الاراضي اللبنانية. وفي اطار هذا العدوان الكبير نفذت اسرائيل ثلاث مذابح بهدف تخويف الاهالي لتهجيرهم: فكانت مذبحة العباسية التي ذهب ضحيتها 81 مواطناً لبنانياً، ومذبحة الخيام وذهب ضحيتها 31 لبنانياً، ومذبحة كونين وذهب ضحيتها 29 لبنانياً معظمهم من الاطفال. وتسبت اسرائيل، في عدوانها، بوقوع جرحى ومعاقين بلغ عددهم ثلاثة آلاف لبناني. وتسببت تلك المذابح في هجرة جنوبية كثيفة إلى الداخل اللبناني خططت لها اسرائيل وبلغت 80 في المئة من سكان الجنوب واهاليه أي نحو 350 الف شخص. وفي آذار من العام نفسه اكمل الاسرائيليون احتلال المنطقة الجنوبية من لبنان الواقعة جنوب الليطاني باستثناء ضواحي صور والمنطقة الساحلية بين صور وصيدا، تبلغ المساحة المحتلة نحو 1100 كيلومتر مربع، وطاولت قضاءي بنت جبيل ومرجعيون وجزءاً من قضاءي صور وحاصبيا. وعادت اسرائيل وانسحبت من جزء من تلك الارض التي احتلتها وابقت مساحة تتفاوت بين 600 كيلومتر مربع و700. وحولتها مرتكزاً لشن اعتداءات متعددة على لبنان بكامله. وعلى رغم ما صدر من قرارات دولية طلبت من اسرائيل الانسحاب الفوري وخصوصاً القرار 425، الا انها رفضت ذلك، بل وشنت بعد اربع سنوات اجتياحاً كبيراً وحرباً شاملة على لبنان كله. ففي 6 حزيران 1982 اجتاحت قوات الاحتلال الاسرائيلي جنوبلبنان بكامله ووصلت إلى جبله وعاصمته بيروت وحتى إلى شماله. وفي 13 من حزيران نفسه بلغت قوات الاحتلال بقيادة وزير الدفاع ارييل شارون مشارف قصر الرئاسة اللبناني في بعبدا، وفي 27 و28 من حزيران نفسه دعت مناشير اسرائيلية القيت من الطائرات ابناء بيروت العاصمة إلى مغادرتها لان القوات الاسرائيلية قررت قصفها غير عابئة بما يلحق بالمدنيين من مآس، ومنعت عنها المواد الغذائية والمياه والكهرباء، وقصفتها من البحر والبر. وارتكبت القوات الاسرائيلية مجازر بشعة في مخيمي صبرا وشاتيلا في 14 و15 ايلول سبتمبر من العام نفسه 1982، راح ضحيتها آلاف المدنيين من اطفال ونساء وشيوخ من فلسطينيينولبنانيين أيضاً. اما الخسائر اللبنانية في حرب 1982 فكانت 19805 قتلى و31915 جريحاً منهم 5515 قتيلاً و11139 جريحاً في العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، 85 في المئة منهم مدنيون وثلث الضحايا لم تتجاوز اعمارهم ال15 سنة. اما الخسائر الاقتصادية فكانت ضخمة في المنازل والمتاجر والمرافق العامة والمصانع إلى جانب تعطيل الاقتصاد اللبناني ككل. وعندما انسحبت اسرائيل تحت عبء المقاومة اللبنانية الوطنية لقواتها، وبعد فشلها في اخضاع لبنان واملاء سياسة صلح منفرد عليه، بقيت في مناطق جنوبية موسعة في ذلك الشريط الحدودي الذي كانت تحتله منذ عدوان 1978، فوصلت باحتلالها إلى جزين ومناطق واسعة تحيط نهر الليطاني وصولاً إلى مشارف البقاع اللبناني. ومنذ 1982 نفذت اسرائيل الكثير من المجازر والاعتداءات على لبنان وابنائه، خلال سنوات الثمانينات والتسعينات، خصوصاً الاجتياح الجوي للبنان، وضرب بناه التحتية إلى جانب مجزرة بلدة قانا وضحاياها فاق عددها المئة وصولاً إلى اعتداءات عام 1997 ثم اخيراً قصف بعض معامل الكهرباء ومرافقها، مطلع 1999 واخيراً قصف مدرسة عرب صاليم وضحاياها من الاطفال. وتقول المصادر المشار اليها نفسها ان المفاوض اللبناني قد تكون لديه بعض هذه الاوراق التي تثبت خسائر لبنان من جراء عمليات اسرائيل على مدار نصف قرن تقريباً، لكنه مدعو إلى ان يستكملها اذا ما ارادت المفاوضات المرتقبة اقفال الملف كلياً مع اسرائيل. فاقفال كهذا يفترض ان تدفع اسرائيل تعويضات تصل إلى عشرة بلايين دولار او اكثر لان الكثير ذهب، والكثير لن تعيده اسرائيل.