منذ قيام الجمهورية الاسلامية استخدمت كلمة المستضعفين المأخوذة من الآية القرآنية: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" سورة القصص، الآية 5 كاشارة الى الطبقات الكادحة والمغلوبة على أمرها. جرى هذا مع كثير من الادعاء بأن الجمهورية الاسلامية هي دولة المستضعفين والبائسين الذين حرموا من كل شيء بحيث يتوجب اعطاء الاولوية لهم وكانت الشعارات الديماغوجية والشعبوية تتردد في كل مكان. وكمثال على هذه الشعارات يكفي ان نورد كلاماً للخميني بمناسبة اول عيد للعمال بعد الثورة. اول ايار مايو 1979، وفي ظروف كانت زاخرة بمطالب ذات طبيعة يسارية وتأسيساً على المواقف الكلامية المعلنة لمصلحة الفقراء والبائسين قام النظام بمصادرة أموال الشاه وحاشيته ورجالات النظام السابق وبجمع كل المؤسسات الاقتصادية والتجارية والعقارات والبنوك وغيرها التابعة لمؤسسة "بهلوي" بنياد بهلوي تحت عنوان "مؤسسة المستضعفين" وأصبحت المؤسسة هذه أكبر واغنى المؤسسات الاقتصادية في ايران، ولها نفوذها الكبير في كل أرجاء البلاد. وجاء في كتاب "مدخل لفهم الاقتصاد الايراني" المقرر في المناهج الدراسية للسنة الاخيرة للمدارس الثانوية حتى العام الماضي أن هذه المؤسسة تضم اكثر من 400 شركة كبيرة للمقاولات تمت مصادرتها وهي تقوم بشق الطرق والابنية والسدود ومستودعات الحبوب. أضف الى ذلك الفنادق من الدرجة الاولى بطهران والمحافظات وكذلك الشركات الكبيرة والمعامل التي تصنع البلاط و "السراميك". أضف أيضاً العقارات من محلات واسواق تجارية ودور السينما والبنايات والشقق ومعامل البلاستيك والبتروكيمياويات ومكاتب الخطوط الجوية واستيراد التبغ والموز وغيرهما. ومن المعروف لدى الاوساط الاقتصادية الايرانية ان ما بين 20 الى 30 في المئة من انتاج الدخل القومي يخضع لسيطرة مؤسسة المستضعفين. يدير المؤسسة محسن رفيق دوست، من أقرباء هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وقد اعلن ان مؤسسته تخطط للمشاركة في البورصات العالمية وللاستثمار في بلدان افريقية. ويوجد ايضاً عدد آخر من المؤسسات مثل مؤسسة جرحى الحرب بنياد جانبازان ومؤسسة الشهيد بنياد شهيد برئاسة مهدي كروبي رئيس مجلس الشورى التي تسيطر على غالبية المستشفيات في طهران والمدن الاخرى واخيراً مؤسسة 15 خرداد بنياد 15 خرداد التي يشير اسمها الى مظاهرات 5 حزيران يونيو 1963 الصاخبة التي قامت ضد الشاه ولمصلحة الخميني مما ادى الى اعتقاله ونفيه الى تركيا ثم الى النجف. يرأس هذه المؤسسة آية الله صائعي الذي اخذ على عاتقه قتل الكاتب البريطاني سلمان رشدي وأعلن عن عزمه دفع الملايين من الدولارات لمن ينفذ فتوى الخميني المعروفة. والاهم من ذلك كله ان هذه المؤسسات جميعها خارجة عن رقابة الدولة، ناهيك عن الرقابة الشعبية، ولا تخضع بأي شكل من الاشكال لأية محاسبة قانونية وادارية. إنها "دولة داخل دولة" تعمل لحساب الجناح المتشدد حيث أعمض القضاء حتى الآن عينيه عن كل الشكاوى التي طرحت في المحاكم ضد هذه المؤسسات. وبديهي ان هذه الحال من غياب الرقابة القانونية تأتي من طبيعة النظام الذي لا يحسب اي حساب للشعب ومصالحه. لكن اذا نظرنا الى تاريخ رجال الدين الشيعة الايرانيين نرى انهم وخلال تاريخهم كمؤسسة دينية منذ العهد الصفوي القرن السادس عشر حتى الآن اعتادوا دائماً على إخفاء ما تحتويه جيوبهم من اموال عن اي سلطة في البلاد. ان المبالغ المالية المنصوص عليها في الشرع مثل الخمس والزكاة وردّ المظالم والهبات والاوقاف كانت كلها في يد رجال الدين الذين شكلوا شبكات تقوم بجمع الاموال الشرعية من كل الاطراف وارسالها الى المجتهد المفتي في التجف او قم او مشهد وغيرها من مراكز الحوزات الدينية. والاموال الشرعية كانت ترسل من الهند والباكستان وايران والكويت وغيرها الى النجف بواسطة اشخاص موثوق بهم وليس عن طريق البنوك والبريد وكان يجري صرفها تنفيذاً لاوامر المفتي على المرافق العامة والدينية وعلى الاشخاص الذين كانوا من مريدي مجتهد معين. ولم يكن بامكان الحكومات المعنية معرفة ما يجري حول الكميات الهائلة من العملة التي تدخل بلادها او تخرج منها. فمثلاً نواب آية الله حسين بروجردي الذي سيطر على مرجعية الشيعة في الخمسينات كانوا يقومون بتحصيل تلك الاموال الشرعية وكانوا مأذونين لأخذ ما كانوا يحتاجون اليه بحسب تقديراتهم الشخصية ثم ارسال الباقي الى مدينة قم حيث كانت دار الافتاء التابعة لبروجردي تقوم بصرف الاموال كمخصّصات للآلاف من طلبة العلوم الدينية في قم او النجف او في اماكن اخرى. وتنطبق هذه الحال على باقي المجتهدين مثل آية الله شريعت مداري الذي كان صاحب النفوذ الاهم بين الأذربيجانيين او الخميني في الستينات والسبعينات الذي كان مكتبه في مدينة قم يدفع الرواتب والمخصصات الى الآلاف من الطلبة والمدرسين حتى في السنوات التي كان هو شخصياً في المنفى ولم يكن للشاه ان يعرف من اين تأتي هذه الاموال وكيف يتم صرفها. هذه العقلية التي تربّى رجال الدين عليها تنظر الى الاقتصاد والى ميزانية بلد مثل ايران تعدّ اكثر من 60 مليون نسمة ويمتلك ثروات نفطية وغازية ومعدنية هائلة بطريقة ادت الى تعميق الهوة بين الفقراء والاغنياء بأضعاف ما كانت موجودة عليه ايام الشاه ونمت فئة من الاغنياء الجدد من رجال البازار السند التقليدي لرجال الدين في ايران ومن رجال الدين وعائلات الحكام والمقربين منهم، تسيطر على ثروات البلاد ولا تأبه بما يعاني ملايين البشر في حياتهم اليومية حيث عليهم ان يعملوا يومياً اكثر من 14 ساعة سعياً وراء لقمة العيش. وتتويجاً لكل ما قامت به مؤسسة المستضعفين، قامت أخيراً بعقد اتفاق نفطي مع شركة صينية أثار استغراب الكثير من المراقبين. فكيف يمكن لبلد يدعي انه يحترم القانون ان يقبل بوجود مؤسسة لا تخضع لأية رقابة قانونية تقوم بتوقيع اتفاق مع شركة اجنبية في مجال الثروة النفطية. تجدر الاشارة الى ان للشعب الايراني موقفاً نضالياً مشرفاً حيال تأميم هذه الثروة النفطية لا يزال محفوراً في الذاكرة الوطنية وان الاجراءات غير القانونية التي نُفذت خلال العقدين الماضيين والتي طاولت الكثير من الثروات الطبيعية والموارد الاخرى تمت خلافاً لمصالح الشعب ومن دون علمه. فهل ينجح حكام ايران والمتشددون منهم بوجه خاص في تبديد الثروة النفطية ايضاً هذه المرة وصرفها لمصلحة اشخاص وفئات قريبة من الحكم لكن دائماً باسم المستضعفين؟ * كاتب ايراني.