يختصر مراقب عربي مايحصل في "الثورة الاسلامية الايرانية" بانه بمثابة "ولادة قيصرية"، ويرى ان الجهود الاكاديمية والسياسية تركز على الخروج بحل سلمي لمعادلة: الحفاط على حياة المولود الجديد من دون القضاء على امه. ذلك ان "الثورة الاسلامية" لاتزال في "طور النضوج والتفاعل" ولم تكف عشرون سنة لاعطائها الشكل النهائي وصوغ علاقاتها الاقليمية والدولية، و"مبادئها" في السياسة والاقتصاد والمجتمع. يفسر ذلك تبادل الادوار الذي تشهده البلاد، ف"الاصلاحيون" الحاليون ولدوا من رحم "التقليديين" بداية انطلاق "الثورة" عام 1979، و"المحافظون" ماهم الاّ التطور الزمني ل"اليسار" الذي قامت ثورة الامام الخميني على اكتافه، حين وضع الاول الجميع تحت سقف "ولي الفقيه". وما زال "الاصلاحيون" و"المحافظون" يتنافسون تحت لواء خلفه الامام علي خامنئي الذي يحتفظ بمنزلته ك"ضابط لكل القوى والتيارات" لئلا تنتقل المنافسة الحزبية الى صراع في شوارع ايران، بعدما وجدت التيارات تعبيراً عن نفسها في المؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية، مما جعل وجود تيار ما في اي من هذه المؤسسات "رأس حربة في الصراع" ضد التيارات والاتجاهات الاخرى. وكان الخميني خاض "اولى معاركه" في الحوزة العلمية في قم ضد "قوى اليمين المتحجر المسيطر على المؤسسة الدينية التقليدية"، وذلك باعتباره زعيم "القوى الراديكالية وزعيماً قوياً على مستوى الفكر والممارسة"، لذلك كان عليه ان يعاود صوغ "المؤسسة الدينية" بما ينسجم مع اهدافه ونظرية "ولاية الفقيه"، بحيث تجد لها مكاناً في العملية السياسية ل"الثورة الاسلامية". كما حاول صوغ دور لرجال دين معاصرين، وتحريك المجتمع و"تثويره" لمصلحة فئة جديدة متنورة صاعدة على حساب "التقليديين" في قم والنجف. وبفوزه في "المعركة الاهم" ضد "التحالف الديني - الاقتصادي" بين المراجع في الحوزة و"البازار" في المدن الكبيرة، انتصر في معركة رفع الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، المتمثل بالشاه محمد رضا بهلوي. واستطاع الخميني في ضوء هذه الخلفية الحصول على تأييد الجميع بمن في ذلك "اليسار الماركسي"، وكان كلما حقق انتصاراً ازدادت الهوة بين المتدينين "التقليديين" و"البازار". هذه الالوان التي احتضنتها "الثورة" شكلت في مرحلة لاحقة الاساس القوي لولادة التيارات والفرز بين "محافظين" و"اصلاحيين"، اذ ضمت اناساً من كل الاتجاهات الاقتصادية والسياسية والدينية، لا يخرج بعضهم عن "التسليم"، لذلك لا يريد مواجهة الفساد والجور. وولدت "الثورة" مراكز اقتصادية جديدة مثل "مؤسسة المستضعفين" بقيادة رفيق دوست، من اكبر تجار "البازار"، التي ورثت اموال الشاه واسرته لصرفها على ذوي الشهداء ومعوقي الحرب، فاذا بها تتحول من الدور الاجتماعي "الثوري" الى العمل السياسي. والمؤسسة الثالثة الاهم هي "رابطة علماء الدين" التي اسسها الخميني، فضمت "ثوريين" يريدون "قتال العالم كله"، و"تقليديين" يقولون بعدم القدرة على ذلك. وادى اختلاف رؤيتهم الى الانشقاق ثم الى رابطة "روحانيين" اليسارية التي تريد انفتاحاً في الداخل وانغلاقاً مع الخارج، و"روحانيات" اليمينية التي يريد مؤيدوها اقتصاداً حراً مقابل ضبط لحركة المجتمع وفرض "الحجاب بالعنف" وتقليص مساحة الحريات العامة والاعلامية. وترك هذا الفرز تأثيراته في الحركة الطالبية بعدما استبقت "روحانيون" بتشكيل "مكتب تكريس الوحدة". لكن الذي ضبط حركة هذه التيارات هو ان خلافاتها بقيت تحت سقف "ولي الفقيه" والتوحد في الحرب العراقية - الايرانية.