نالت عملية السلام على المسار الفلسطيني حيزاً من المحادثات الأميركية مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في نيويورك. وقالت مصادر مطلعة إن وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت تحدثت عن "أفكار وصيغ جديدة" في شأن القدس، وعن "دور للأمم المتحدة في موضوع القدس"، وأنها اعتبرت ان موضوع القدس "لم يعد مسألة فلسطينية - إسرائيلية" حصراً. وأعربت الطوائف المسيحية في القدس أمس عقب لقاء جمع رؤساءها مع وزير الخارجية الإسرائيلي بالوكالة شلومو بن عامي، عن قلقها من اقتراح تقاسم السيادة بين الفلسطينيين وإسرائيل على الأماكن والمقدسات المسيحية في البلدة القديمة، كما دعت إلى تمثيل مسيحي خلال البحث في مستقبل هذه المقدسات. وقال ممثل الكنيسة الأرمنية طوركوم مانوغيان في رده على سؤال هل يرفض اقتراحاً بالسيادة الإسرائيلية على الحي الأرمني في البلدة القديمة لمدينة القدس مقابل سيادة فلسطينية على الأماكن المسيحية المقدسة الأخرى: "الحي الأرمني جزء من الأحياء المسيحية ويجب أن تبقى معاً بغض النظر عن الموقف السياسي الذي سيتبلور في المفاوضات". في غضون ذلك، بدأت إسرائيل حملة ضغط على السلطة الفلسطينية، لدفعها نحو التراجع عن موقفها من القدس ومن القضايا الأخرى العالقة في مفاوضات الوضع النهائي، كاللاجئين والحدود والاجراءات الأمنية وسواها، وذلك تحت شعار المطالبة ب"المرونة". وظهر أول معالم الضغط عندما أعلن ايهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل، بعد لقائه الأخير مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وبينما هو يستعد لمغادرة نيويورك إلى إسرائيل صباح أمس: "انني واثق من أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق مع سورية"، وهي إشارة واضحة إلى أن تركيزه لن يكون في الأسابيع المقبلة على المسار الفلسطيني. تفاصيل اخرى ص 3 وكان المسؤولون الإسرائيليون استقبلوا ببرود أنباء البيت الأبيض الأميركي عن الاتفاق على العودة إلى المفاوضات في الأسابيع الخمسة المقبلة، وركزوا على أن موعد المفاوضات لم يحدد بعد، بينما كان الجانب الفلسطيني يعلن ان المفاوضات ستبدأ أمس، ثم أعلن انها ستبدأ اليوم. كذلك استقبل الإسرائيليون ببرود قرار المجلس المركزي بتأجيل موعد اعلان الدولة الفلسطينية، وبدلاً من أن يروا فيه رغبة في اعطاء فسحة للمفاوضات، اعتبروه تعبيراً عن الضغط الفلسطيني وعن غياب الدعم الدولي لسعيهم لإعلان الدولة. وأعلن داني ياتوم المفاوض الإسرائيلي، قبل أن يصعد إلى الطائرة للعودة من نيويورك الى اسرائيل، أنه يشك في امكان التوصل الى اتفاق قبيل انتخابات الرئاسة الاميركية، وأضاف: "بعد الاجتماع الأخير بين عرفات والرئيس كلينتون، وبعدما علمنا بالإجابات التي حصل عليها كلينتون من عرفات، فإنني أقل تفاؤلاً بكثير". وشاركه التشاؤم باراك الذي قال لزعماء اليهود في نيويورك: "رقصة التانغو تتطلب شخصين"، وأضاف: "سنعلم كيف نكيف أنفسنا مع البدائل". وفي هذه الاثناء تواصلت الاقتراحات الاسرائيلية حول القدس، وكلها من النوع المرفوض فلسطينياً وعربياً. شلومو بن عامي وزير الخارجية بالوكالة اقترح ادارة فلسطينية مستقلة وليس سيادة للأماكن الإسلامية المقدسة. وكان بن عامي قد رفض أول من أمس اقتراح عرفات بقيام سيادة اسلامية على المسجد الأقصى، وقال: "لقد جئنا الى جبل الهيكل المسجد الأقصى لكي لا نفارقه أبداً". واقترح يوسي بيلين وزير العدل باعطاء المسجد الأقصى "وصفاً شبيهاً بسفارة، مع امكان رفع العلم الفلسطيني عليه". وهناك خيبة أمل في أوساط السلطة الفلسطينية من كل من بن عامي ويوسي بيلين اللذين قدما انفسهما طويلاً على انهما من الحمائم ومن دعاة السلام، ولكنهما تحولا إلى متشددين يعبران عن أكثر المواقف الاسرائيلية تطرفاً. وبالمقابل، يتهم المسؤولون الفلسطينيون اسرائيل بالمماطلة في المفاوضات، ويرون ان اسرائيل تعمل على تضييع الوقت. وفي هذه الاثناء انتقدت الجبهتان الشعبية والديموقراطية وبعدما شاركتا في اجتماع المجلس المركزي، قرار تأجيل اعلان الدولة، لكن قرار التأجيل حظي بتحبيذ من كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا، بينما استنكرته ايران ورأت فيه خضوعاً للضغوط الاميركية. وفي وسط هذا الزحام السياسي، توجه أمس الرئيس ياسر عرفات الى القاهرة لمقابلة الرئيس حسني مبارك، في زيارة لمصر هي الثامنة منذ فشل قمة كامب ديفيد، وسيزور عرفات بعد ذلك سلطنة عُمان. ورحبت وزارة الخارجية الاميركية بقرار تأجيل اعلان الدولة الفلسطينية، وقال مسؤول في الوزارة ان القرار "يعكس التزاماً فلسطينياً بعملية السلام والاستمرار بالمفاوضات"، ولهذا "سنستمر في العمل خطوة خطوة". واعتبر ان القدس "مدينة خاصة ومقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود، ويجب ايجاد طريقة تضمن مصالح الأديان الثلاثة". وعن أجواء التشاؤم، قال: "إن المحادثات تتعلق بقضايا جوهرية تتطلب قرارات صعبة من الطرفين، هناك خلافات مهمة ما زالت موجودة". وأعلن ان كلينتون مستعد لدعوة الطرفين الى عقد قمة في حال قرر الطرفان اتخاذ قرارات صعبة تؤدي الى اتفاق.